مناقصة تأمين الفيول: ملائكة السمسرة والتعطيل حاضرة

خضر حسان

الخميس 2021/01/14
هدوء لافت طَبَعَ العلاقة بين وزارة الطاقة وإدارة المناقصات، في الاجتماع الأخير بين الطرفين، والذي خُصِّصَ لبحث دفتر الشروط الملائم لاجراء مناقصة استيراد الفيول لصالح مؤسسة كهرباء لبنان، خلفاً لشركة سوناتراك الجزائرية، التي انتهى عقدها مع لبنان مع نهاية العام 2020. 

لكن الهدوء ما زال حذراً، إذ أنه محكوم بمدى رغبة وزارة الطاقة بالسير وفق الأطر القانونية الواضحة، والالتزام بوضع دفتر شروط شفّاف والإتيان بمورِّد فيول موثوق، فضلاً عن مراقبة عملية الشراء والتأكّد من جودة الفيول.. وكلّها خطوات لم يجرِ الإلتفات إليها مع سوناتراك.

مبادرة إيجابية
على عكس وزراء الطاقة المتعاقبين، أبدى الوزير الحالي ريمون غجر، انفتاحاً باتجاه إدارة المناقصات، معرباً عن رغبته بإجراء المناقصة المقبلة عبر إدارة المناقصات، فكان اجتماع يوم الأربعاء 13 كانون الثاني، مدخلاً لتعزيز العلاقة بين الطرفين، ووسيلة لضمان مناقصة شفّافة وقانونية بامتياز. فخلص الاجتماع إلى اتفاق على دفتر الشروط، ليبقى أمام وزارة الطاقة ترتيب بعض الإجراءات الإدارية، قبل العودة إلى إدارة المناقصات لترتيب المناقصة. وتشير مصادر في وزارة الطاقة، خلال حديث لـ"المدن"، إلى أن "ما حصل في قضية الفيول المغشوش كان دافعاً لتعديل مسار إجراء المناقصات. كما أن لا رغبة لدى الوزارة بمعاداة إدارة المناقصات أو تهميش دورها. وما كان يجري في السابق بين الإدارة والوزارة لا يخرج عن إطار التباين في الرأي ووجهات النظر حول العقود والمناقصات، لكن الهدف النهائي للوزارة هو إجراء مناقصات تضمن المصلحة العامة".

بالتوازي، ترى إدارة المناقصات أن "التزام جميع الأطراف بالموجبات القانونية التي وُضعَت خلال الاجتماع، هو أمر كافٍ لاجراء مناقصة شفّافة، ودليل على الإيجابية".

الرقابة والضوابط
آلية توريد الفيول التي اعتادت عليها مؤسسة الكهرباء لسنوات، أفضت إلى فضيحة الفيول المغشوش. وبعيداً عن الأسباب السياسية لإخراجها إلى العلن وعدم تصحيح الخلل في أوقات سابقة، إلاّ أن وزارة الطاقة حريصة كما يبدو على عدم الوقوع في المشكلة عينها. على أنّ هذا الحرص لا يُتَرجَم سوى بصيغة تعاقد جديدة تحدِّد آليات الرقابة، سواء على شحنات الفيول أو على الجهة المورِّدة، وهذا يتطلّب حسم الخيار حول هوية الطرف المورِّد، هل هو شركة عالمية حصراً، أم ائتلاف يجمع طرفاً عالمياً مع طرف لبناني؟. 

أيضاً، تلعب عملية تحديد أسماء المساهمين في الشركة المورِّدة والاستحصال على شهادة من غرفة التجارة والصناعة في البلد الأم، وعلى بيانات من السجل التجاري، دوراً مهماً في التأكّد من بياض صفحة الشركة، وفي رفع معدّل الطمأنينة حيالها. ناهيك بأهمية منع التزوّد بالفيول من مصادر أخرى مختلفة عن الشركة التي سيتم التعاقد معها، تحت أي عذر كان، وبخاصة عذر الضرورة وكسب الوقت.

محاولات التملّص
لم يُحسَم بعد ما إذا كان المورِّد شركة أجنبية حصراً أم سيكون هناك شريك لبناني. وعدم الحسم هو مفتاح التملّص الذي يسعى إليه مقرّبون من أحد وزراء الطاقة السابقين. وهذا السعي أثار حفيظة الوزير الحالي الذي يسعى لتبريد الأجواء داخل الوزارة والخروج بعقد وآلية جديدة للحصول على الفيول، فيما الوزير السابق و"ملائكته" حاضرون لتأبيد نظام التحاصص، عبر ترك ثغرات في العقد وشروط تحتاج إلى تفكيك طلاسمها، على شاكلة العقد مع سوناتراك.

وعليه، يسعى فريق داخل الوزارة للتعاقد مع شركة أجنبية لا ذراع لها في لبنان. فتأتي إلى لبنان و"تدبِّر راسها" وتبحث لنفسها عن سكّة لتوريد الفيول، وهنا يأتي دور المتنفّذين في الوزارة لاستمالة المورِّد الأجنبي ودفعه نحو شركات محليّة محدَّدة ومعروفة التوجّه والاستفادة. وبما أنّ شروط العقد في تلك الحالة، لا تحدد دور الشريك اللبناني، ستُدار الدفّة بحسب رياح المستفيدين في الشركات المحلية ووزارة الطاقة. ويتذرّع أصحاب هذا الرأي بقطع الطريق أمام محاولات السمسرة مِن قِبَل جهات محليّة، فالاستيراد بخطٍّ مباشر مع المورِّد الأجنبي، أكثر أماناً.
هذه الذريعة مردودة إلى أصحابها، لأن أيّ مورِّد أجنبي لا بد له من إيجاد شريك محلّي يساعده. ومن هنا، يجب لحظ الشريك المحلّي ودوره في العقد، ما يضمن ضبط عمل الشريك ومراقبته، فيصبح كل أطراف العملية ضمن قواعد اللعبة، ولا استثناء لأحد.
على أنّ التمسّك بالهوية الأجنبية للمورِّد حصراً، تخفي في طيّاتها تساؤلات حول إمكانية إخفاء شركة أجنبية ما، خلف الكواليس، بانتظار الظرف الملائم لإخراجها وحياكة عقد تشغيل على قياسها، على غرار التعاقد مع شركة كارادينيز التركية في ملف بواخر الطاقة. ومثل هذا السيناريو يُترَك إلى اللحظات الأخيرة بذريعة الوقت وتأمين المصلحة العامة، وهي ذريعة تتقنها اطراف المنظومة الحاكمة.
الاحتمال الآخر هو الرهان على الوقت لتجديد العقد مع سوناتراك، بعد الاتفاق معها على بعض التعديلات، مقابل طي صفحة الخلاف حول الفيول المغشوش وإزالة كل العوائق القانونية. وهو التوجّه الأقرب الذي تميل إليه ملائكة الوزير السابق، خصوصاً وأن الشركات المحلية المستفيدة من ثغرات العقد مع سوناتراك، على علاقة وثيقة بالوزير السابق، ومن الطبيعي أن يسعى للحفاظ على مصالحه ومصالح الشركات الصديقة له. على عكس ما يمكن أن يخلقه التعاقد الجديد الذي ترعاه إدارة المناقصات المشهود لها بالكفاءة.

عوائق أخرى
مع الأسف، قد لا تسير المناقصة الجديدة على السكّة الصحيحة، لأن الواقع النقدي والمالي للدولة اللبنانية لا يستقطب الشركات العالمية، التي لا تخفي قلقها حيال قدرة لبنان على تسديد ثمن الفيول بالدولار. حتى أن شركة سوناتراك قد لا تكون مهتمة بتجديد العقد مع لبنان لأسباب مالية. ومصرف لبنان الذي يؤمّن الأموال التي تشتري بموجبها مؤسسة الكهرباء الفيول، غير قادر على ضمان تأمين الدولارات المطلوبة للاستيراد.

على خطٍّ آخر، يأمَل البعض أن يتيح التفاوض مع العراق إمكانية تأمين الفيول، لكن الاتفاق على آليات التوريد والدفع، لن تكون في متناول اليد بحلول شهر شباط المقبل، ما يعني أن لبنان في سباق مع الوقت لا يمكن حسمه من طرف واحد، لأن العراق ليس مضطراً لحرق المراحل وتنفيذ اتفاق سريع مع لبنان. علماً أن الاتفاق مع العراق لن يكون بمنأى عن تدخّل السماسرة وطالبي العمولات والمتنفّذين في وزارة الطاقة وخارجها، فمافيات الفيول المدعومة سياسياً لا تشاهد مسار العقود بأيدي مكتوفة، بل تحرك سواعدها لتجد لنفسها مكاناً في أي صيغة تعاقدية جديدة.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024