قروض جديدة بخمسة مليارات: لتمويل الاستيراد أم المصارف؟

خضر حسان

الجمعة 2020/01/24
سيلٌ من الانتقادات استدعتها تصريحات وزراء الحكومة الجديدة. بعض تلك التصريحات واقعيّ ويعكس عمق الأزمة، لكن توقيت التصريحات وظروفها لم تكن مناسبة، وخصوصاً التصريحات ذات الطابع المالي. فالصراحة في التوقيت الخاطىء قاتلة أحياناً، وهو ما حصل مع وزير المال غازي وزني، حين أكّد أن سعر صرف الدولار لن يعود إلى 1500 ليرة. فهذا تحليل صحيح علمياً، لكن إعلانه في وقت ينتظر فيه الجمهور من الوزير الجديد بعضاً من الأمل والتطمينات، أضافَ إلى نظرة الجمهور الكثير من السلبيات تجاه الحكومة.

ولم يكد الجمهور ينسى أمر سعر الدولار، حتى كشف وزني نيّة الحكومة "تدبير قروض ميسرة من المانحين الدوليين تتراوح بين أربعة وخمسة مليارات دولار، لتمويل مشتريات القمح والوقود والأدوية. وذلك بهدف تغطية احتياجات البلاد لمدة عام واحد".

مليارات نحو المجهول
القروض المُقترحة تطال تأمين سلع أساسية. قد يحظى الاقتراح بقبول الناس فيما لو جاء بظروف مختلفة. فإذا كان المجتمع الدولي المانح للقروض، يشكّ اليوم بقدرة لبنان، أولاً على استعمال القروض في وجهة صحيحة، وثانياً في قدرته على سدادها، فكيف للشعب أن يطمئنّ لهذا الاقتراح؟ 

كما أن المليارات المفترض اقتراضها، ستُستعمَل لتمويل استيراد سلع، يُفتَرَض أن مصرف لبنان يؤمّن تغطية اعتماداتها بالدولار، بنسبة 85 بالمئة، فيما المستوردون يؤمّنون 15 بالمئة. فلماذا الاقتراض طالما أن الاعتمادات موجودة؟ الإجابة على هذا التساؤل تحيلنا الى أهل القطاعات المعنية، أي إلى مستوردي وموزعي وأصحاب محطات المحروقات، وإلى مستوردي الأدوية ومستوردي القمح. وهؤلاء، يؤكدون عدم تطبيق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ما تعهّد به. فالمصارف لا تفتح الاعتمادات للمستوردين بحجة عدم توفّر الدولار.

ما يعني، إمّا أن الحاكم لا يريد تنفيذ قراره، من دون سبب واضح، وإما أن الدولارات غير متوفرة فعلياً، وما القرار سوى محاولة لتخفيف الاحتقان. وهنا، يؤكد أهل القطاع المصرفي ضعف سيولة المصارف وعدم قدرتها على تلبية طلب المودعين والمستوردين.

وشح السيولة لدى المصارف ومصرف لبنان، يدعو للتساؤل حول قدرة لبنان على دفع مستحقات حاملي شهدات اليوروبوند في آذار المقبل. وعليه، هل تُستَعمل المليارات الأربعة أو الخمسة لتمويل سداد الاستحقاقات؟ وهل تُوظَّف المليارات الموعودة لرفد المصارف بالسيولة، وبالتالي إنعاش القطاع المصرفي؟

أسئلة كثيرة تدور في بال اللبنانيين، عامّة وأصحاب اختصاص، وهؤلاء ممن يرفضون سياسات القروض التي لا يُضبَط صرفها وسط غياب الإصلاحات. وزد على ذلك، فإن الحكومة التي تطرح قروضاً جديدة رُكِّبَت على عجلٍ سياسي، بعد أن حاصر الثوار أهل السلطة. وإن كان الأصل مرفوضاً، فهل يقبل الثوار بالمُمثّلين وبقراراتهم؟

القروض مرفوضة
ما تمر به البلاد هو حالة استثنائية وصعبة طالت بنتائجها سلعاً استهلاكية أساسية. ويبدو من الواقع، أن الدولة غير قادرة على دعم عملية الاستيراد، ما يستدعي ايجاد حل. وقد يكون خيار القروض هو الخيار الأنسب، لكن بشروط، أوّلها "التأكد من لائحة الأمور التي سنستوردها لنرى بالفعل ما إذا كانت أموراً حياتية أساسية أم لا. بالإضافة إلى التأكد من الجهات المانحة ومن آلية توزيع الأموال على مستحقيها"، وفق ما يقوله لـ"المدن"، الخبير الاقتصادي جورج قرم، الذي يشير إلى أن "الوضع العام في لبنان سيء، وعلينا الاحتكام إلى لجنة تحقيق تنظر في الوضع وتُخبرنا بما حصل، وبالتحديد ما حصل في المصارف وكيف انقلبت فجأة من مؤسسات لديها مستوى أرباح مرتفع، الى مؤسسات تفتقد السيولة. وهذه قطبة مخفية، وحلّها مهم لمعرفة تفاصيل ما يحصل".

إن كان قرم متسامحاً مع القروض من وجهة نظر علمية بحتة، ورافضاً لها ربطاً بالنموذج الذي ألِفناه لعقود، فإن الخبير الاقتصادي إيلي يشوعي يعارضها بشدة، ويرفض تبريرها حتى من وجهة نظر علمية، أيضاً استناداً إلى عدم الثقة بالسلطة التي تدير البلاد، والتي أتت بحكومة من جنسها. وبنظر يشوعي، فإن "طرح فكرة القروض أتى بقرار سياسي، ومن دون قرار، لن يطرح وزني الفكرة".

ويستطرد يشوعي في شرح أسباب معارضته لفكرة القروض، متسائلاً عمّا قدّمته القروض السابقة للبنان، وعمّا قدّمه "نموذج الفوائد المرتفعة ومراكمة الديون والفوائد وفرض الضرائب ورفع معدلات البطالة.. وما إلى ذلك". وبرأيه فإن "النموذج السابق ما زال قائماً".

وفي معرض استطراده، دعا يشوعي رئيس الحكومة حسان دياب لعرض إيجابيات السياسة النقدية التي يريد الركون إليها، لتنفيذ الإصلاحات المطلوبة، متوجهاً له بسؤال عمّا إذا كان "يعرف معنى السياسة النقدية، وما هي أخطاء هذه السياسة".

جمهورية القروض
اكتسب لبنان عن جدارة، لقب جمهورية القروض. فقد تأسست سياسات أهل الحكم على الاستدانة لتمويل مشاريعهم المتستّرة بصورة الدولة. وبالفوائد المرتفعة، أغرى أهل الحكم الداخل والخارج، لإقراض لبنان. فكانت مؤتمرات باريس، أيقونة سياسات الاستدانة.

اللافت للنظر، أن الدول المانحة التي سارعت في الماضي لاقراض لبنان، أحجمت عن التسرّع، وأبلغت أهل الحكم بوجوب إجراء إصلاحات قبل الحصول على أموال مؤتمر الاقتراض الأخير، الذي سُمّي بمؤتمر سيدر، في محاولة لتضليل الناس وإبعاد أنظارهم عن نتائج مؤتمرات باريس السابقة.

فكان واضحاً إصرار المجتمع الدولي على إقرار الحكومة موازنة العام 2020 "ضمن المهل الدستورية لا في العام 2020، وهذا الأمر إلزامي ليس للمجتمع الدولي بل لمصلحة لبنان"، وفق ما عبّر عنه المبعوث الفرنسي المكلف متابعة تنفيذ مقررات مؤتمر سيدر، بيار دوكان، الذي رأى أن هناك قرارات "يجب أن تؤخذ بسرعة لإقناع المجتمع الدولي واللبنانيين".

لا إصلاحات أُقِرت ولا تطمينات أُعطيَت للناس، بل وعود بالمزيد من القروض والقمع لمن يعترض. والأهم، هو التطمينات التي تلقاها حاكم مصرف لبنان بحمايته، أي بمعنى آخر، عدم المس بسياساته التي ندفع ثمنها اليوم.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024