أدوية مفقودة وصيدليات مقفلة...وتقاذف مسؤوليات

عزة الحاج حسن

الأحد 2020/10/11
كما البنزين والمازوت والمواد الغذائية، كذلك الأدوية فـُقدت من الأسواق بأنواع وأعداد كبيرة. ولا يأبه مخزّنوها بخطورة احتكارها على صحة المرضى، ولم يكترثوا بأي اعتبارات إنسانية أو صحية. كذلك لم يعد خافياً تعدد العوامل المؤدية إلى فقدان أدوية، ومنها القلق المتزايد لدى المرضى من ارتفاع أسعارها في حال رفع مصرف لبنان الدعم وتهافتهم منذ أشهر على شراء كميات من الأدوية تفوق حاجاتهم الأساسية.

تخزين وفقدان
وعلى الرغم من صحة الحديث عن مساهمة تهافت المرضى على تخزين الأدوية في تفاقم الأزمة عموماً، غير أن أرقام الاستيراد ومؤشرات أخرى تؤكد سوء توزيع وتخزين وتهريب الأدوية خارج الحدود. أما النتيجة فهي فقدان عشرات الأدوية، منها المزمنة وأخرى اليومية، على سبيل المثال لا الحصر أدوية Concor – sintrom – Lasix – burinex Panadol – aspicor – aprovel – cordarone وغيرها الكثير.

وحده المواطن يتحمّل تداعيات انقطاع الأدوية مهما كان السبب. والحال أن المرضى يقصدون عشرات الصيدليات في أكثر من منطقة بحثاً عن الدواء. حتى أن بعضهم استحدث طرقاّ متقدّمة للبحث عن الأدوية عبر الإعلان عن حاجته على منصات التواصل الإجتماعي.

إقفال صيدليات
الكثير من الصيدليات أقفلت أبوابها في اليومين الماضيين، بعد فقدان غالبية أصناف الأدوية المخصّصة للأمراض المزمنة عن رفوفها. وعمد عدد من الصيادلة إلى توجيه أصابع الاتهام إلى الوكلاء والمستوردين. فرفعت صيدليات على أبوابها لافتات تفيد باضطرارها إلى الاقفال لفقدان الأدوية واحتكارها من قبل مستوردين ووكلاء، مُسقطة المسؤولية عن نفسها.

ووفق احد أصحاب الصيدليات المقفلة في منطقة البقاع (أ.ص.)، الأدوية محتكرة ليس فقط من قبل مستوردين ووكلاء، إنما أيضاً من قبل صيدليات تدور في فلك القيّمين على القطاع. ويوضح المصدر في حديث إلى "المدن" أن الصيدليات تقنّن بيع الأدوية، خصوصاً المزمنة منذ أكثر من شهرين. ما يعني أن تخزين المواطنين الأدوية تراجع كثيراً عما كان في السابق، "إنما تخزين الوكلاء والمستوردين هو ما جعل من فتح أبواب الصيدليات أمراً غير مجدٍ".

المستوردون: لسنا سبب الأزمة
ويصر مستوردو الأدوية على اعتبار تهافت المواطنين على شراء الدواء سبباً رئيساً لانقطاعه، إضافة الى تباطؤ الإعتمادات. ويقول نقيب مستوردي الأدوية كريم جبارة في حديث إلى "المدن" إن كميات الأدوية المستوردة هذا العام يقل عن العام الفائت بنسبة 10 في المئة،  بسبب تباطؤ منح الموافقات على الاستيراد وفتح الاعتمادات من قبل مصرف لبنان. إلا أن مبيعات هذا العام من الأدوية تفوق مبيعات العام الفائت بنحو 20 إلى 30 في المئة لبعض أصناف أدوية الأمراض المزمنة. وبالتالي فإن الحديث عن عدم توزيع الأدوية بشكل كاف على الأسواق غير صحيح.

وبحسب جبارة تكمن الأزمة في أن مخزون مستوردي الأدوية تراجع كثيراً، بسبب التباطؤ في الإستيراد. وبدلاً من كفايته لأربعة أشهر، باتت كفايته لشهرين كأبعد تقدير. "لذلك شعرنا بالنقص مع أول أزمة واجهناها حين ارتفع الطلب على الدواء بعد إعلان مصرف لبنان نيته رفع الدعم، ما أدى الى ضعف المخزون أكثر فأكثر. لذلك عمدنا مؤخراً إلى التوزيع للصيدليات وفق احتياجاتها الشهرية، ما يعني أن شراء كل مواطن كمية دواء تفوق حاجته، انعكست نقصاً على مريض آخر. فالتوزيع المنصف هو المطلب اليوم". ويحصر جباره حديثه بأدوية الأمراض المزمنة فقط.

الأسباب عينها يردّدها نقيب الصيادلة في لبنان غسان الأمين الذي عزا فقدان الأدوية من السوق إلى تهافت المرضى على طلبها بعد تصريح مصرف لبنان أنه غير قادر على إكمال الدعم بحد أقصى لآخر السنة. ويختصر الأمين الأسباب بالتأخير الحاصل في عملية الاستيراد، بسبب تأخر مصرف لبنان وتهافت المواطنين على الشراء، والتهريب إلى خارج لبنان، ولو بكميات قليلة، ملمحاً الى احتمال أن يقوم بعض الوكلاء بتخزين الأدوية.

ضبط المستودعات ومراقبتها
ذريعة تباطؤ الاستيراد وفتح الاعتمادات وتهافت المواطنين على شراء الدواء، كلها أسباب واقعية. لكنها لا تلغي ولا تنفي وجود تخزين واحتكار وتهريب للدواء، يقول رئيس لجنة الصحة النيابية النائب عاصم عراجي في حديثه إلى "المدن". ومن المفاجىء جداً أن يكون لبنان قد استورد بنحو 900 مليون دولار عام 2020 أدوية ومستلزمات طبية، موزعة بين 125 مليون للمستلزمات و775 مليون للأدوية. هذه الأرقام كبيرة جداً ولا تقل عن العام الفائت سوى بنسبة 4 في المئة (أي بخلاف حديث جبارة). وهذا لا يجب أن ينتج عنه أبداً هذا النقص الحاصل اليوم، حسب عراجي.

لا يمكن أن يوضع حد لأزمة انقطاع الدواء من الصيدليات، إلا بعد إجراء حملات رقابية وتفتيش على المستودعات ومخازن مستوردي الأدوية والمستلزمات الطبية وضبط عمليات التوزيع، يقول عراجي، جازماً حصول عمليات تخزين واحتكار للأدوية من قبل تجار من القطاع وخارجه. أما التهريب فبات محسوماً بعد ضبط أدوية مهربة إلى مصر وعلى الجمارك اللبنانية ضبط الحدود لمنع تهريب الأدوية إلى العراق وسوريا ومصر.

وعلى الرغم من ارتفاع مخاطر رفع الدعم عن الدواء على المرضى، غير أن المخاطر ستكون مضاعفة على المؤسسات الضامنة، ومنها الضمان الاجتماعي غير القادر على تحمل أعباء كافة مضمونيه، وفق سعر صرف دولار السوق. فهل سيتوقف الدعم عن الدواء بشكل كامل؟

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024