هذه خسائر لبنان بإضراب مؤسساته العامة

عزة الحاج حسن

الجمعة 2019/05/10
تعبث الفوضى في بلد، كلٌ يغني فيه على ليلاه. فلا تأبه حكومته لتداعيات إجراءات أسمتها "إصلاحية"، في حين أنها لا تتعدى كونها "إجراءات تشبيحية"، ناسية أو متناسية المكامن الحقيقية للهدر ومسارب المال العام. كما لا يأبه موظفوها، المعترضون على إجراءات حكومتهم، بتعطيل مرافق الدولة و"شل" مفاصلها. وحده المواطن يلعب دور المشاهد لصراع لم ينل منه سوى الارتدادات السلبية لإضرابات عمّت البلد لأيام، وعُلقت بعد كسر شوكة الدولة. هو نفسه المواطن المشاهد، سيتقاسم والدولة الخسائر التي خلفها الإضراب في غالبية المؤسسات العامة.

ليس انحيازاً إلى جانب الدولة التي لا توفر مناسبة إلا وتؤكد فشلها، وليس نكراناً بالطبع لأحقية المطالب العمالية بغالبيتها.. ولكن كيف يمكن أن نأمن على أنفسنا بين أيدي دولة، لا تقوى على حماية مرافقها الحساسة، كالمرفأ والمطار وغيرها من تعطيل كلي؟

قد يكون العاملون، المشاركون في إضراب المؤسسات العامة والمصالح المستقلة، استنفذوا وسائل الضغط لنيل حقوقهم، فكانت وسيلتهم الأخيرة لَيّ ذراع الدولة عبر تعطيل أبرز مرافقها. ولا شك أن الخطوة أثبتت نجاحها، ولكن من المسؤول عن الخسائر التي لحقت بالمرافق العامة والمتعاملين مع تلك المرافق، والمواطنين عموماً؟ وما هي تقديرات تلك الخسائر التي خلفها الإضراب؟

خسائر بالملايين
تتكبد الدولة خسائر عن كل يوم إضراب في مؤسساتها العامة ما لا يقل عن 200 مليون دولار. كما تتكبد الخزينة العامة مباشرة قرابة 40 مليون دولار، ما يعني أن إضراب المؤسسات العامة والمصالح المستقلة خلال الأيام الماضية، والتي اختلفت مدتها بين مؤسسة وأخرى من 3 أيام إلى 10 أيام، كبّدت الدولة مبالغ ضخمة لا تقل عن 720 مليون دولار خلال 3 أيام.

فالخسائر الناجمة عن إضراب المؤسسات العامة لا ترتبط بالمرافق فقط، وفق حديث وزير الاقتصاد السابق، آلان حكيم، في حديث إلى "المدن"، إنما ترتبط بالانكماش الاقتصادي الذي يخلّفه تعطيل المرافق العامة، لاسيما مرفأ بيروت ومصرف لبنان وغيرها من المؤسسات.

مرفأ بيروت
الأضرار التي لحقت بمرفأ بيروت نتيجة الإضراب كبيرة، حسب رئيس مجلس الإدارة والمدير العام للمرفأ، حسن قريطم، الذي أكد في حديثه إلى "المدن" أن الجهود كانت منصبة على التفاوض مع النقابات المشاركة في إضراب المرفأ، لتمرير البضائع المكدسة والمُنجزة لكافة معاملاتها الإدارية، مشدداً على الأثر السلبي الكبير للإضراب على حركة وصورة المرفأ.

تداعيات إضراب نقابات مرفأ بيروت وعماله لم تقتصر على الأيام التي توقف فيها عن العمل فقط، لا بل هناك تداعيات وارتدادات تظهر تباعاً، وهو ما شدد عليه رئيس الغرفة الدولية للملاحة، إيلي زخور، في حديثه إلى "المدن". فخلال اليومين الأولين من الإضراب، لوحظ أن عدداً كبيراً من البواخر حوّلت مسارها من بيروت إلى مرسين التركية.

أما حركة المسافنة (أي السفن التي ترسو في لبنان قبل أن يتم نقل حمولتها إلى مرافئ أخرى في تركيا أو سوريا وغيرها) فكانت معدومة طيلة مدة الإضراب. وهذا ما شكّل الضربة الموجعة لمرفأ بيروت، ليس للخسائر المادية فقط، إنما أيضاً لاهتزاز ثقة الدول والشركات بالمرفأ، بمعنى أن مرفأ بيروت خسر نحو 1200 كونتينر (مستوعب) يومياً، وعلى مدى أكثر من 10 أيام عمل.

ناهيك عن الخسائر الكبيرة التي تكبدها المستوردون والتجار، لاسيما المرتبطة بالرسوم المرفأية ورسوم الحاويات، في ظل عدم القدرة على تفريغ الحمولات في مرفأ بيروت. كما تحمّل بعض المستوردين تكاليف تفريغ البضائع في مرافئ أخرى، ريثما ينتهي الإضراب ويُعاد إدخال البضائع عبر مرفا بيروت.

ولعل أسوأ الارتدادات السلبية على المواطن، وفق زخور، هي أن كل ما تكبّده المستورد من تكاليف إضافية، سيُلزم به التاجر الذي سيكلّفها بدوره للمستهلك. وبذلك يكون المستهلك تقاسم مع خزينة الدولة الخسائر الناجمة عن الإضراب.

الدولار والصرافين
على مستوى التعاملات المالية والمصرفية، فقد أحدث إضراب موظفي مصرف لبنان إرباكاً كبيراً بين المواطنين، لاسيما بعد استغلال محلات الصرافة الظروف واعتمادها أسعار صرف للدولار تفوق تلك التي يسمح به القانون. وقد تراوح سعر الدولار بين 1535 و1550 ليرة لبنانية مقابل الدولار.

إضراب مصرف لبنان لم يُربك المواطنين وحسب، بل أقلق أيضاً المصارف. إذ عمدت إلى تقنين تصرفها بالعملة الأجنبية، إن لجهة وضع سقف للسحوبات المالية اليومية، أو لجهة تعبئة بعض المصارف ماكيناتها للصرف الآلي (ATM) بالعملة الوطنية فقط دون الدولار.

إجراءات المصارف رفعت منسوب القلق بشكل كبير في الأسواق وبين المواطنين، فلا تحويلات ولا عملات أجنبية. الوضع الذي خلفه الإضراب ارتبط بشكل مباشر مع الشركات المستوردة للنفط في لبنان، التي أرادت كغيرها من الشركات المحافظة على العملة الأجنبية تحسّباً لإطالة الأزمة، فطلبت من محطات المحروقات سداد فواتيرها بالدولار. الأمر الذي هدّد بانقطاع مادة البنزين من الأسواق لتعذر حصول أصحاب المحطات على عملة أجنبية.

ولا ننسى تعطيل إضراب مصرف لبنان لعمل بورصة بيروت. إذ أن عمليات التداول فيها لا تكتمل بشكل سليم إلا من خلال مقاصة وتسوية تلك العمليات، ونظراً لتوقف المقاصة وسوق القطع علّقت بورصة بيروت عملها.

الضمان الإجتماعي
أما بالنسبة الى إضراب الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وبصرف النظر عن كل ما عاناه المنتسبون إلى ​الضمان وعرقلة استحصال المرضى على موافقات دخول المستشفيات، إلا أن الإرباك الأكبر ارتبط ببعض البنود الواردة في مشروع موازنة العام 2019، والمتعلقة بمستحقات الضمان على الدولة. كل تلك المؤشرات السلبية المتعلّقة بالضمان الإجتماعي دفعت بأعداد كبيرة من المواطنين إلى سحب تعويضاتهم من الضمان، حتى أن أحد العاملين في الصندوق أكد في حديث إلى "المدن"، أنه منذ بدء التداول بمشروع موازنة 2019، وما تبعها من تحركات للعاملين، تتوافد يومياً أعداد كبيرة جداً من المواطنين، لطلب سحب تعويضاتهم من صندوق نهاية الخدمة، الأمر الذي يمكن أن يؤثر سلباً على مالية الضمان وسيولته، في حال استمر الوضع على ما هو عليه.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024