كارتل النفط يمارس "البلطجة" على محطات الأيتام

عزة الحاج حسن

الإثنين 2019/12/02
لا تختلف ممارسات كارتل الشركات المستوردة للنفط عن "قطـّاع الطرق".. يستبيحون القطاع برمته، ولا يقيمون أي اعتبار لدولة يستنزفونها طيلة أعوام. يتعاملون مع باقي أركان قطاع النفط كتجار أقزام، ومع المواطنين كرهائن، يستخدمونهم متى دعت الحاجة. يذلّونهم ويضعونهم في مواجهة بعضهم البعض، لممارسة الضغط على الدولة في سبيل تحصيل بعض المكاسب.

في الأيام الماضية رعت الشركات المستوردة للنفط إضراباً لمحطات المحروقات، تحوّل من مطلب محق للمحطات إلى حرب ابتزاز للمواطنين، بتواطؤ كافة أركان القطاع. وانتهى إلى انقسامات داخل قطاع المحروقات على خلفية جدوى الإضراب وأسبابه الحقيقية، بعد أن ثبُت وقوف الشركات المستوردة وراء الإضراب، ودفعها بعض المحطات إلى التصعيد للضغط على المواطنين وإرضاخ وزارة الطاقة لمطالبها.

جشع الشركات
تعود الأزمة الى تعميم مصرف لبنان 530 الذي فرض على مستوردي المحروقات إيداع قيمة الشحنات مسبقاً لدى المصارف، بمعدل 85 في المئة من قيمتها بالليرة اللبنانية، و15 في المئة بالدولار. وبدلاً من تنفيذ التعميم عمدت الشركات المستوردة إلى ممارسة الضغط على الموزعين والمحطات بإلزامهم بسداد قيمة 15 في المئة من البضائع بالدولار.

وكانت النتيجة اقتطاع نسبة كبيرة من أرباح محطات المحروقات لصالح الشركات المستوردة من دون وجه حق، علماً أن الشركات المستوردة تملك أكثر من 1500 محطة منتشرة على كافة الأراضي اللبنانية، من أصل 3000 محطة محروقات. ما يعني أن الشركات المستوردة تحقق أرباحاً من عملية الاستيراد عبر البحر ولا تتكلّف عناء تأمين دولار واحد بسعر السوق، كما تحقق أرباحاً أيضاً من عملية التوزيع والبيع عبر المحطات العائدة لها. كل ذلك، وتسعى جاهدة لتكبيد نصف محطات المحروقات تكاليف تأمين 15 في المئة من قيمة البضائع بالدولار من الصرافين.

مطالب "وقحة"
الضغوط التي تمارسها الشركات المستوردة على محطات المحروقات، دفعت الأخيرة إلى تنفيذ الإضراب أكثر من مرة، للمطالبة بتسليمها البضائع بالليرة اللبنانية بنسبة 100 في المئة. وهو ما لاقى رفضاً من الشركات المستوردة على مدى نحو شهرين. لكن الصورة في الإضراب الأخير يومي الخميس الجمعة 28 و29 تشرين الثاني، كانت مختلفة عن سابقاتها. فالشركات نفسها وقفت خلف الإضراب، وأوعزت إلى المحطات التابعة لها إلى التصعيد وقطع الطرق، وفق مصدر لـ"المدن"، في محاولة منها للضغط على وزارة الطاقة لتنفيذ مطالبها.

فمطالب الشركات التي تقف وراء الإضراب تتلخص بأحد الحلول الثلاثة: إما تعديل جدول أسعار المحروقات وزيادة الأسعار على المواطن. وهو ما رفضته الوزارة. أو الطلب إلى مصرف لبنان تعديل التعميم وتغطية 100 في المئة من المستوردات بالدولار بالسعر الرسمي. وهو ما رفضه مصرف لبنان. أو إعفاء الشركات المستوردة من بعض الضرائب الخاضعة لها في عملية الاستيراد. وجميع تلك المطالب لا تعكس سوى جشع الشركات ووقاحتها.

كواليس الإضراب الأخير
وبغية دفع وزارة الطاقة إلى تلبية أحد الخيارات الثلاثة المطروحة من قبل الشركات، كان "إضراب الذل" الأسبوع الفائت. حتى أنه بعد إجراء وزارة الطاقة اتصالاتها مع جميع الأطراف، والتفاوض على حل يقضي بتقسيم الأكلاف الإضافية (فارق سعر الصرف لـ15 في المئة من البضائع) بين الشركات المستوردة وموزعي المحروقات وأصحاب المحطات، لم يلق طرحها آذاناً صاغية من أصحاب الشركات المستوردة، التي أصرّت على التصعيد بالإضراب، حتى لو كلّف الأمر وقوع مشاكل بين المواطنين والمحطات. وهو ما حصل فعلاً.

لكن ما لم يكن في حسبان الشركات الـ"المستفحلة" على قطاع المحروقات، هو رفض محطات الأيتام (المحسوبة على مؤسسات السيّد محمد حسين فضل الله) ومحطات الأمانة (المحسوبة على حزب الله) الاستمرار بالإضراب وقوفاً عند طرح وزارة الطاقة، وإفساحاً في المجال لبحث الحل من جهة، ولتجنّب وقوع المزيد من التصادم بين المواطنين من جهة أخرى.

موقف محطات الأيتام والأمانة استنفر الشركات المستوردة، التي تتعامل مع القطاع كملك خاص، وعمدت إلى تعليق تسليمها المحروقات. الأمر الذي عرّضها إلى مواجهة شح في المخرون. وقد أكد مصدر في إحدى الشركات في اتصال مع "المدن"، أن العدد الأكبر من الشركات اتفقت على تعليق تسليم محطات الأيتام والأمانة المحروقات على مدى 10 أيام.

خطر الشح
الأزمة لم تكن يوماً مع محطات المحروقات بل مع المستوردين. ورغم ذلك، وفق مدير عام محطات الأيتام جمال مكي، في حديث إلى "المدن"، "تضامنا مع نقابة أصحاب المحطات بالإضراب قبل أن نعلّقه لأكثر من سبب. الأول، إنساني. والثاني، تجاوباً مع وعد الوزارة حل الأزمة بتقاسم الأعباء".

وإذ استغرب مكي تمنّع عدد كبير من الشركات عن تسليم المحروقات لمحطات الأيتام، يومي السبت والأحد، علماً أنها زوّدت المحطات التابعة لها بالمحروقات، أعرب عن مخاوفه من استمرار هذا الإجراء من قبل الشركات، ما يمكن أن يعرّض المحطات إلى إغلاق أبوابها قسراً.

يُذكر أن تقاسم الأعباء المطروح من قبل الوزارة لن تتجاوز حسم 100 ليرة عن كل صفيحة من أرباح المحطات و100 ليرة من الموزعين وقرابة 300 ليرة من الشركات المستوردة، بدلاً من تحملها كاملة من قبل طرف واحد، غير أن إصرار الشركات على إعفاء نفسها من أي أعباء، ومعاقبة محطات رفضت التواطؤ معها، لا يمكن وصفه سوى بالـ"بلطجة".

وكانت إدارة محطات الأمانة قد أصدرت ليل الأحد بياناً أعلنت فيه عن توقف عمل بعض محطاتها، بسبب نفاذ المخزون، نتيجة قرار الشركة تعليق الإضراب وتسليم المحروقات لزبائنها حتى نفاذ الكمية.

من جهته غرّد السيد جعفر فضل الله على حسابه على تويتر قائلاً: "يومًا قيل للسيد فضل الله (ره): ليس عندنا رواتب لأكثر من نصف شهر.

أجاب بكلمتين: إذا كان العمل لله فالله يتكفل به، وإذا لم يكن لله فليذهب!
بعدها لا السيد سأل ولا السائل راجع.
اليوم عندما "يمنعون الماعون" عن محطات الايتام فإنما يمنعونه عن عيال الله!
الباقي على الله.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024