حُصاد الخلط بين النازحين واللاجئين

عصام الجردي

الإثنين 2019/06/24

لا يريد الرئيس السوري بشار الأسد عودة النازحين السوريين في لبنان إلى ديارهم. فسوريا النظام هي "سوريا الأسد قائدنا إلى الأبد". المسموح لهم بالعودة الآن وفي المستقبل المنظور، عليهم الإقرار بهذه الأهزوجة الخشبية، مِهجع النظام منذ نحو 49 عاماً على انقلاب 1970. وعليهم الخضوع لـ"فحوص مخبرية" من جديد. ولن يعود النازحون إلى بلادهم قبل الحل السياسي وفقاً لقرار جنيف 2254. ولن يحصل ذلك قبل إعادة إعمار سوريا. قلنا هذا الكلام قبل أكثر من سنتين بالعنوان العريض. نضيف الآن، النازحون قد لا يعودون بالمرّة من دولة هشّة وشبه دولة، مقسومة دولاً على نفسها. فريق سلطوي في "جمهورية لبنان القوي" مدعوماً بمن أوصله، ما زال حتى الساعة يحابي وحلفاؤه نظاماً متهتكاً على حساب مصلحة الوطن. ولا تختلف حساباته عن حسابات النظام بشيء. وفريق آخر أكثر هشاشة وضعفاً، يصر على رفض ربط العودة بإقامة علاقات مع النظام السوري. وكأن القضية رهن ذلك.

اختلاط الألوان
لم يعجز لبنان حتى هذه اللحظة عن اعتماد موقف حكومي موحد وواضح من قضية النازحين السوريين إلى لبنان وحسب. بل وفشل في إدارة هذا الملف على أرضه. الفشل نتيجة طبيعية لغياب الموقف الحكومي الموحد. لبنان هو من طلب منذ ثلاث سنوات مساعدات طويلة الأجل من المجتمع الدولي في مؤتمرات نيويورك وبروكسل ولندن وغيرها، للتعامل مع قضية النزوح. وقلنا في حينه إن طبيعة هذا الطلب لا تتسق مع إغاثة موقّتة لنازح ملهوف، بل باستدامة الإقامة إلى أجل مفتوح. والمشكلة التي لم يفهمها المسؤول اللبناني، أن كل تركيزه كان مالياً وليس سياسياً لمعالجة أزمة النزوح. خلافاً لتكرار الادعاءات تكراراً. وراح يعرض للحصول على المساعدات، لجبه الآثار المترتبة على البنية التحتية وعلى الاقتصاد اللبناني والمالية العامة نتيجة وجود النازحين.

الموازنة وسيدر في الملف
ليس المهم كم استجاب المجتمع الدولي بالمساعدات ومقدارها، وكم وصل منها. لكن الأهمّ إنه بنى الجزء الأساس من تلك المساعدات ومن بينها تعهدات مؤتمر سيدر في باريس على خلفية مساعدة "لاجئين" سوريين لفترة طويلة في لبنان ومفتوحة. ومزج بينها وبين حاجات لبنان الملحة إلى تمويل وقروض ميسّرة طويلة الأجل، للتخفيف من وطأة الأزمة المالية والاقتصادية الموجودة مع النازحين ومن دونهم. فاختلط الحابل بالنابل. الموازنات المُعسِرة التي يحاول لبنان إعدادها، والنفقات على القاعدة الإثنتي عَشرية، وسلف الخزانة المتمادية بلا ردّ خلافاً للدستور، إنما جاءت لتلبي حاجات اللبنانيين، وجزئياً حاجات المقيمين على الأرض اللبنانية. من خِدمات الكهرباء، والمياه، والهاتف، واهتلاك البنى التحتية، والنقل، والتعليم وخلافها. ونحسَب حصة القوى العسكرية والأجهزة الأمنية الكبيرة من الموازنة، في جزء مهم منها، لمراقبة النازحين، وضبط الوضع الأمني لفئات لا سجلات شخصية لها ولا ملفات أمنية. ومعظمها مجهول الإقامة في الداخل. ويحتاج إلى متابعة وجهد استثنائيين. غياب الموقف الرسمي لإدارة الملف داخلياً وتنظيمه، يفاقم الوضع أمنياً. ويفاقم تكلفته المالية وعلى كل الأصعدة. في سياق إعداد مشروع قانون موازنة 2019، ومناقشاته الدائرة في لجنة المال والموازنة النيابية، لم نسمع وزيراً أو نائباً، سأل عن تقديرات النفقات لخدمة النزوح في لبنان. وهي قائمة وواقع. لو جاز تجاهلها لكونها ممولة من مساعدات من خارج الموازنة لسنة مالية، لا يجوز تجاهل أعبائها على البنى التحتية والخِدمية والقوى العسكرية والأمنية الممولة من الموازنة. وتعهدات سيدر هي لإعمار البنى التحتية والخِدمية. السيناريو البائس هو عدم اقتناع دول سيدر بالموازنة في غياب الإصلاحات والفساد السياسي والمالي والإداري، وبالتالي حجب التعهدات أو إمدادنا بها مقنّنة على وقع الإصلاحات. في مسار موازنة الأمر وارد. قد يخفف من وطأته فاتورة النازحين لتصل التعهدات كفترة سماح سياسية جديدة للبنان ولو تأخر الإصلاحات.

النازحون "لاجئون"
بات المسؤولون اللبنانيون يقتربون من قناعة بعدم إمكان عودة النازحين إلى وطنهم في وقت قريب. وباتوا أميل إلى القبول بوصف النازحين لاجئين. وهو أخطر ما يمكن إضافته إلى هذا الملف خلافاً لادعاءات السلطة وخصوصاً وزير الخارجية جبران باسيل، الذي شارك في مؤتمرات النازحين الدولية، التي خلطت بين المساعدة الغوثية للنازحين، وبين التمويل طويل الأجل لإقامة مستدامة. وفعل ذلك أيضاً رئيس الحكومة سعد الحريري. ومفردة "اللجوء" وردت نصاً صريحاً في بيان رسمي بعد زيارة رئيس الجمهورية ميشال عون وباسيل موسكو، ولقاء الرئيس فلاديمير بوتين. "يؤيد الجانبان الجهود الرامية إلى تطبيق مبادرة روسيا لتأمين عودة اللاجئين السوريين والمهجرين داخلياً. ‏ويؤمنان بأن حل هذه المشكلة يعتمد مباشرة على تهيئة الظروف المواتية في سوريا، بما في ذلك الظروف الاجتماعية ‏والاقتصادية، من خلال إعادة إعمار ما بعد الصراع. ويدعوان المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية ‏إلى تأمين كل المساعدة الممكنة لهذه العملية". وقيل أن هناك مبادرة روسية لإعادة النازحين. لم نلمس أثراً لها في البيان. لمن يريد أن يقرأ ويفهم ما ورد في البيان وبالتراتب. "تهيئة الظروف المواتية" تعبير موارب لثعلب الكرملين يقصد به الحلّ السياسي. قواعده حُددت في قرار جنيف 1 رقم 2254. إعادة الإعمار بعد الحلّ وبعد تأمين التمويل. وبعد الحلّ وتأمين التمويل والإعمار، يصبح الحديث عن عودة النازحين و"اللاجئين" أمراً مباحاً. ويبقى غير مضمون النتائج في غياب القرار السياسي اللبناني الرسمي الموحدّ من الملف بأكمله.

الأستانة مَحاور بوتين
بوتين دعا عون إلى دورة مؤتمر أستانة في تموز المقبل لبحث الملف السوري. ودعا العراق أيضاً. ووضع لبنان غير وضع العراق الأكثر تعقيداً. وكنا قادرين بحسن الطوية و"الحمية الوطنية" حداً أدنى، على صوغ موقف لبناني موحدّ من ملف النازحين، وخطاب نواجه به دولاً أقوى من لبنان وأكثر نفوذاً معنية بهذا الملف. وتسنّى لنا الأمر سنوات مضت على الحرب في سوريا ولم نفعل. على الأوهام نبني، لو اعتقدنا أن في أستانة مكاناً لبحث ملف النازحين السوريين في لبنان أو "اللاجئين". هناك مصالح الكرملين، والتمسك بالنظام السوري إلى حين وقت القسمة وساعة الحساب. وقد بدأ الكرملين يلمّح إلى الإستعانة بواشنطن لوضع حدّ للأزمة في سوريا. لذلك فاكتساب عضوية أستانة لها أبعادها ومحاورها. هي ليست مؤتمرات نيويورك وبروكسل ولندن.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024