الحليب اللبناني يخسر أمام البودرة

لوسي بارسخيان

الخميس 2016/12/08

بدت صرخة منتجي الحليب في البقاع في مكانها بعد سنتين من التراجع الذي عاناه القطاع. وقد تدهورت حال القطاع في الأشهر الستة الماضية، كما يؤكد المزارع والمصنع كميل سكاف لـ"المدن". ويقول سكاف: "فصل الصيف لم يحمل معه التحسن المرتقب في الأسعار، بل بيع كيلو الحليب إلى المعمل بسعر 750 ليرة لأشهر طويلة، علماً أن كلفة إنتاجه تصل إلى 800 ليرة، في مقابل تجميد بعض المعامل استلام الحليب الطبيعي من التعاونيات. ما دفع المزارعين إلى محاولة تصريف فردي للإنتاج سريع التلف، وبيع بعض الحليب بسعر600 ليرة للكيلو".

تصل كمية الإنتاج الاجمالية للحليب في لبنان إلى 300 طن يومياً، وهي توازي ربع حاجة المعامل الأساسية، وفق عضو لجنة المتابعة مع الوزارات المعنية خير الجراح. وتكمن مشكلة القطاع الأساسية، وفق الجراح، في التقاعس المستمر للوزارات الثلاث المعنية، أي الصناعة والزراعة والاقتصاد، في مراقبة نوعية الحليب المستخدم في الإنتاج، إذ تخطت كمية حليب البودرة التي دخلت لبنان خلال هذا العام 20 ألف طن، رغم القرار الذي اتخذته وزارة الزراعة بحصر استيراد حليب البودرة بمكتب الوزير منذ شهر أذار الماضي. ويؤكد الجراح أن نحو 60 في المئة من هذه الكمية تستخدم في إنتاج الألبان والأجبان، من دون أن يذكر أي منها أنها مصنوعة من حليب البودرة. بالإضافة إلى ما يدخل في بعض إنتاج المعامل من متممات غذائية، ومنافسة الحليب المبستر UHT الذي يستورد بكلفة أدنى من تصنيعه محلياً.

لا يُلقي المزارعون اللوم هذه المرة على المعامل وحدها، فـ"هي لا تُحسد على وضعها"، خصوصاً تلك التي تلتزم استخدام الحليب الطبيعي في منتجاتها، مع مراعاتها الشروط الفنية والصحية. فيشير سكاف إلى أن هناك مصنعين خفضوا الأسعار ليصمدوا في سوق يسهل اجتياحه بالمنتجات الأجنبية، ليس بأصناف الأجبان الصفراء التي لا تصنع محلياً فحسب، بل بالأجبان البيضاء التي يدخل بعضها بإجازات شرعية أو مهربة من سوريا.

في المقابل، يشير الكسي شديد، وهو واحد من أكبر مصنعي الأجبان والألبان، لـ"المدن"، إلى أن إنتاج المعامل اللبنانية لا يكفي حاجة السوق، الذي يفترض أن يزيد طلبه مع وجود اللاجئين السوريين. يضيف: "طالما أن معامل لبنان لا سوق لديها سوى المحلي وغير قادرة على منافسة الإنتاج الخارجي بكلفتها المرتفعة، من الطبيعي أن ينعكس هذا التراجع في تصريف الإنتاج على استهلاك الحليب الطبيعي، ويؤدي إلى تدني سعره إلى الحد الأدنى". ويضيف سكاف إلى أسباب تراجع الطلب على الانتاج المحلي ما يتعرض له القطاع من "تشهير إعلامي أحياناً عندما تعمم نتائج بعض التحاليل".

لا يوافق شديد على ربط ضعف الطلب على الحليب الطبيعي بغزو البودرة لإنتاج المعامل، وإن كان الضرر الأكبر، كما يجمع المصنعون والمزارعون، ناتجاً من استخدام البودرة في قسم كبير من الانتاج، الذي يتسبب بمنافسة غير عادلة حتى بين المصنعين. فتشير مصادر صناعية لـ"المدن" إلى تفاوت في استهلاك الحليب الطبيعي بين المعامل الكبيرة، إذ إن بعضها، رغم سوقها الضيقة، تستهلك أكثر من ثلاثة إلى أربعة أضعاف ما تشتريه معامل أخرى إنتاجها متوفر حتى في أصغر المتاجر. وتربط ذلك برخص استيراد كميات كبيرة من البودرة أعطيت إلى أحد المعامل خلافاً للقوانين ومن دون أن تلزمه بإطلاع المستهلك على مكونات إنتاجه الحقيقية.

يتهم الجراح وزارة الإقتصاد تحديداً بـ"التقصير في مراقبة الإنتاج المغشوش". ويشير إلى إقتراحات قدمت إلى وزارة الزراعة لفرض رسوم استهلاك إضافية على حليب البودرة المستورد بشكل يقلل من استخدامه في منتجات الألبان والأجبان. وهو واحد من الحلول التي قدمت إلى جانب إقتراح باستحداث معمل للأجبان بدأ البحث بتمويله من جانب الاتحاد الأوروبي، من ضمن مساعدة المجتمعات المضيفة للاجئين، مقابل شراء إنتاجه لتوفيره لهم أيضاً.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024