إعلاميو "الفريلانس".. "لا معلقين ولا مطلقين"

رولا فرحات

السبت 2015/04/11

لا شك أن العمل في مجال الصحافة والإعلام حلم يجذب كثيرين، لاسيما الخرّيجين الجدد. إذ يراها الحالمون بدخول هذا العالم، باباً للمعرفة والعلاقات الاجتماعية والشهرة، وطبعاً المال. لكنّ التدقيق في أحوال معظم الصحافيين والإعلاميين، يؤدي الى الاستنتاج بأن كثيرين منهم فقراء، خصوصاً من يعملون بصفة عامل حر أو فريلانسر- Freelancer.


أسماء كبيرة صار لها "وزن" في عالم الإعلام، بدأت العمل كفريلانسر لتصبح في ما بعد موظفة ثابتة. وبين الموقعين هناك طريق شاق، ربما لا يشعر بصعوبته سوى من سلكه، أو ما زال يسلكه، لكنه يكابر على نفسه ويستمر، مدفوعاً بالشغف. وتتنوع الصعوبات بين تحمل المسؤوليات الكبيرة، وغياب الحماية النقابية، والأهم، غياب الضمانات الصحية والإجتماعية، وغياب الإستقرار الوظيفي. وتتفاعل الصعوبات مع الوضع الإقتصادي العام للبلاد، لتعطي الفريلانسر بدلات عمل تلامس في احسن الأحوال، الحد الأدنى للأجور. غير ان فئة قليلة، تبعاً لنوع الإختصاص، تجد في العمل الحر راحة لا يؤمنها العمل الثابت. كما أنّ تدني الأجور، يدفع الصحافي الى العمل في مكانين بدوام حر. ويزيد حجم الخريجين الجامعيين سنوياً، "الطين بلّة" لجهة ارتفاع عدد طالبي فرص العمل في الوسط الإعلامي.

في التفاصيل، بدأت فاطمة (اسم مستعار) العمل في مؤسسة اعلامية مرئية كمراسلة مستقلة منذ تسعة أشهر، تتلقى جراء إعداد التقرير التلفزيوني 35 دولاراً، وتنتج شهرياً 8 تقارير مقابل 280 دولاراً كحد أقصى، يذهب جزء منها للتنقلات، علماً أنّ إنجاز العمل المطلوب منها قد يضطرها للبقاء ساعات طويلة في العمل، تتعدى أحياناً دوام عمل الموظفين. إضافة الى إنها تبذل مجهوداً أكبر من أجل اثبات نفسها على أمل أن تقوم المؤسسة بتوظيفها يوماً ما.

صحافية أخرى، فضّلت عدم ذكر إسمها، بدأت العمل في مجال التحقيقات الصحافية بمبلغ 50 دولاراً للتحقيق الواحد، وتجمع خلال عملها حوالي 200 دولار شهرياً. لكن مدخولها تحسّن نتيجة تغطيتها للأحداث الأمنية في إحدى المحافظات "الساخنة"، وباتت تحصّل مدخولاً يصل الى نحو مليون ونصف ليرة، لكن مع انخفاض وتيرة الأحداث، عادت إلى مدخولها المتدني. ونتيجة عدم الإستقرار المادي، تفضل الاستقرار في وظيفة ثابتة عوضاً عن العمل بطريقة مستقلة، لأن الصحافي الحر - برأيها - يتحمل مسؤولية أكبر في تغطية كامل تفاصيل الخبر. ومع ذلك، لا يتمتع الصحافي الحر بمعاش ثابت ولا بضمانات، ولا بحقوقه كعامل على غرار الموظف الثابت. وبتوصيف أدق، الصحافي الحر، أو الفريلانسر، "لا معلّق ولا مطّلّق".

وجهات النظر تختلف بين الإعلاميين في هذا المجال، فالبعض ينظر الى الفريلانسر كـ"شخص غير مستقر". وفي المقابل، يرى البعض الآخر في ذلك، حرية لا يمكن إيجادها في الوظيفة الثابتة. وانطلاقاً من زاوية الحرية، ترى الإعلامية هدى شديد في هذه المهنة شغفاً كبيراً، لكنها تعتبر أنّ المؤسسات الإعلامية في لبنان لا تقدّم ضمانات للموظفين الثابتين لديها، بحيث تستطيع أن تلفظهم خارجاً من دون أن تقول لهم "شكراً"، فكيف بالعاملين بشكل حر ومستقل؟ وبعد 23 سنة من عملها في هذا المجال، تشعر شديد إن عملها كفريلانسر قدّم لها هامشاً من الاستقلالية والحرية في وقت إنعدم فيه الاستقرار المادي. أيضاً، يفضّل بعض العاملين في هذا المجال العمل بإستقلالية على طريقة الفريلانسر، بهدف الانطلاق في هذا المجال بحرية أكبر. فينظر البعض الى الوظيفة الثابتة كسجن يأسره، ويحد من تطوره. وعليه، يرى وديع (اسم مستعار) وهو أحد العاملين في الحقل الاعلامي، يعمل كإختصاصي في الأمور التقنية (اخراج، انتاج، مونتاج)، بأن عمله كفريلانسر يساعده على العمل في أكثر من مؤسسة، بينما الوظيفة قد تتسبب في خسارته لعروض عمل كثيرة. لهذا، يختار المشروع المناسب له مع استمراره في العمل في مؤسسات أخرى. أمّا في الشق المادي، فيقول وديع إن "الوظيفة الثابتة تقدّم لي راتباً ثابتاً يتراوح بين 1500 و2000 دولار، بينما أحصّل ما لا يقل عن 3 آلاف دولار كفريلانسر"، ويضيف أنّ "هذه المبالغ تتحدد بحسب المادة أو المشروع المنوي إنجازه".

حال العاملين بشكل حر في مجال الإعلام واحدة على امتداد مساحة لبنان، ومع انه لا إحصاء دقيقاً لأعدادهم، إلا أنّ غياب الإستقرار والضمان، يجمعهم، خصوصاً أنّ اللبناني عموماً لا أمن اجتماعياً وصحياً لديه، وذلك يتعارض مع وضع "الزملاء" في بلدان أخرى. حيث ان الصحافي الحر في البلدان الأجنبية "يتمتع بضمانات كثيرة وامكانية للانتساب في الجدول النقابي، مع حصوله على عائد مقبول. أما في العالم العربي، وخصوصاً في لبنان يجب عليه بذل جهد أكبر"، وفق الأستاذ في كلية الإعلام في الجامعة اللبنانية، أحمد زين الدين، والذي يشرح ان "العرض كبير في عدد الصحافيين، والطلب من قبل المؤسسات الاعلامية لا يوازيه. لذلك تتحكم المؤسسات الإعلامية بالسوق".

ولأن المؤسسات الإعلامية في لبنان هي "مؤسسات تمويل وليست مؤسسات جمهور"، أي أن المموّل هو الذي يقرّر، تغيب الضوابط والمعايير المهنية المتمثلة "بالنوعية"، وتغيب ايضاً آليات الحماية الحقيقية. ويرى نقيب محرّري الصحافة اللبنانية الياس عون في حديث لـ "المدن"، أن القانون الوحيد الذي يحمي الصحافيين في لبنان هو قانون المطبوعات الصادر عام 1962. وحتى اليوم، لم يستحدث قانون جديد يحمي الصحافيين الذين يعملون بطريقة حرّة أو في المواقع الالكترونية. ويحمّل عون هذه المسؤولية للدولة اللبنانية التي ترعى مؤسستها العسكرية في الوقت التي تسهى عن جيشها الثاني وجنوده الاعلاميين، حيث يتوجّب على الصحافي أن يكون "قوياً بقوّته" في وقت يعمل فيه بمفرده، وفي مؤسسات يعتبرها القانون غير شرعية، ويتلقى ثمن القطعة التي ينتجها من دون ملاذ آمن يؤمن له ضمانات أخرى".

بدورها، تقول مديرة مؤسسة "إعلام بلا حدود"، ماجدة أبو فاضل، لـ "المدن" إنّ "المؤسسات الإعلامية في لبنان، من صحافة مطبوعة ومرئية ومسموعة وإلكترونية ومندمجة multimedia، باتت تقلص من طواقمها الميدانية لأسباب عديدة، ربما أهمها الإنكماش الإقتصادي وإنخفاض الميزانيات الإدارية، إضافة الى الأسباب والضغوط السياسية، فأصبح الصحافي المستقل مستحباً وأقل كلفة من نظيره المتفرغ". وتضيف: "هذا يعتبر جيد بالنسبة للمؤسسات الإعلامية التي تستفيد من الأمر لأنه يوفر عليها دفع مستحقات مثل الضمان الإجتماعي وبدلات النقل والطبابة والتعليم والتأمين على الحياة ونهاية الخدمة وما الى ذلك".

والواقع هذا يستدعي تشكيل هيئات نقابية إعلامية توازي النقابات الأخرى، يتركز عملها على المطالبة بحقوق الصحافيين والاعلاميين المستقلين، في ظل تحرّر السوق الإعلامية من القيود والمعايير المهنية التي تضبط ايقاع العمل الصحافي.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024