خطة ضبط الدولار بيومها الأول: السوق السوداء تنتصر

عزة الحاج حسن

الثلاثاء 2020/06/16
اتجهت الأنظار يوم الاثنين إلى حركة الدولار وسوق الصرف رغم ضعف الثقة بقدرة الحكومة على السيطرة وضبط فوضى السوق عبر خطط أمنية وقرارات آنية، لا تقارب الوضع النقدي الحقيقي. فيوم الاثنين كان هو موعد بدء تطبيق الخطة التي وضعتها الحكومة ومصرف لبنان بمؤازرة أمنية لتحديد آلية بيع وشراء الدولار من وإلى الصرافين ولجم تصاعده المستمر.

بدأ أمس الاثنين تنفيذ الخطة المتمثلة بشراء الصرّافين الدولارات من مصرف لبنان وتقنين بيعها، وتم تحديد هوامش التداول بالدولار من قبل نقابة الصرافين بين 3860 ليرة للشراء كحد أدنى و3910 ليرات للبيع كحد أقصى، ولكن المفاجأة أن غالبية الصرافين من الفئة "ب" والبعض من الفئة "أ" أقفلوا محالهم اليوم وامتنعوا عن بيع الدولار، علماً أن أرقام مصرف لبنان تشير الى أن 3.5 مليون دولار حصلت عليها الصيارفة اليوم من الفئة "أ"، ما يعني أن السوق السوداء غطّت يوم الاثنين نحو نصف حاجة السوق الذي يحتاج يومياً لأكثر من 6 مليون دولار، ما يفضح عدم جدوى أي خطة لضبط الدولار تعتمد الصرافين كرُكن أساسي في تنفيذها، ويؤكد مخاوف البعض من نشاط واتساع السوق السوداء بموازاة تطبيق الخطة.

معالجات "أمنية"
تصرّ الحكومة على معالجة أزمة ارتفاع سعر الصرف بوسائلها الأمنية وهو ما تبيّن أمس من الاجتماع الثاني الذي عقده رئيس الحكومة مع قادة الأجهزة الأمنية ومصرف لبنان والصرافين، لكن كيف يمكن ان تتعاون الحكومة مع أحد أبرز الأركان المتورطة بالتلاعب بسعر الصرف ومع صرّافين سبق أن اتهمهم القضاء اللبناني ولم يبرئهم حتى اللحظة؟ ثم أن فرض القيود المشدّدة على آلية بيع الدولار للمستوردين والافراد ألا تُعد دافعاً الى اللجوء للسوق السوداء؟

لا شك أن ما حصل منذ أسبوع "يتجاوز المنطق" حين تم الترويج لارتفاع سعر الدولار الى 7000 ليرة وإحداث خضة في الأسواق وفوضى هائلة في سوق الصرف، وهو ما صدق بتوصيفه رئيس الحكومة في الإجتماع الأمني المخصّص لمتابعة عمليات المضاربة على الليرة وملاحقة المخالفين، إلا أن طريق المعالجة الذي سلكته الحكومة وبدأ تنفيذه اليوم من المُستبعد، وفق خبراء، أن يأتي بنتائجه المرجوة لأسباب عديدة أحد أبرزها عجز المعنيين عن ضبط آلية ومسار الدولار من مصرف لبنان الى الصرافين ثم الى المستوردين وأصحاب الحاجات الملحّة للعملة الصعبة.

تعقيدات الآلية
فالآلية التي باشر الصرّافون اعتمادها من الاثنين تستلزم الكثير من المستندات وتحتاج الى نحو 48 ساعة قبل الموافقة على تنفيذ عملية بيع الدولار ما قد يدفع بالتجار للجوء الى السوق السوداء. أضف الى أن القلق المسيطر على المواطنين وفقدان ثقتهم بالعملة الوطنية يدفعهم الى شراء الدولار من السوق السوداء لادخاره.

وترتكز آلية بيع الدولار من قبل مصرف لبنان على تقديم الصرافين المرخصين من الفئة "أ" طلباتهم الى مصرف لبنان لشراء الدولار تبعاً للأسعار التي تحددها نقابة الصرافين يومياً (اليوم 3860 ليرة - 3910 ليرات) والتي من المفترض أن تنخفض تدريجياً وصولاً الى 3200 ليرة، كما يجب أن تترافق طلبات الصرافين من مصرف لبنان مع تبرير لسبب طلب الدولار مع ذكر إسم المستفيد على أن يقوم مصرف لبنان خلال 48 ساعة بتحويل الطلبات التي قدمت من الصرافين وتمت الموافقة عليها من قبل المصرف المركزي الى حساباتهم الخارجية لدى المصارف المُشار إليها من قبل الصراف. أما بالنسبة لبيع الدولار للأفراد، فعلى الشخص تقديم طلب الى مؤسسة الصيرفة يتضمن صورة عن بطاقة الهوية، مع رقم هاتفه الشخصي والأهم ذكر الغرض من شراء الدولار وإحضار وثيقة تثبت الحاجة إليه.

القيود والسوق السوداء 
تلك التعقيدات والقيود المفروضة على آلية شراء الدولار كفيلة بتنشيط السوق السوداء ومدّها بالنشاط المضاعف، ومن المعلوم ان عدداً كبيراً من الصرافين يتعامل بتجارة الدولار بالسر والعلن مع تجار ومواطنين خارج السوق النظامية، إذ يعتمد بعض الصرافين خدمة التوصيل في شراء وبيع الدولار، وبأسعار تفوق تلك المحددة من قبل النقابة وقاربت اليوم 4500 ليرة للدولار.

ولعل السبب الرئيس وراء جنوح التجار والصرافين الى السوق السوداء هو شح الدولار والتهافت عليه من قبل المستوردين والتجار، ولا يعوّلن أحد على ضخ مصرف لبنان للدولارات نظراً لمحدودية الإحتياط المالي لديه وتخصيص ما تبقى منه لدعم المواد الأولية من طحين ومحروقات وأدوية ومن المتوقع ألا تكفي الأموال المتوافرة لأكثر من عام واحد بالحد الأقصى.

وانطلاقاً من تآكل إحتياطي مصرف لبنان لا يبقى أمام المصرف المركزي سوى ما يستحوذ عليه من دولارات عبر مؤسسات التحويل المالي كالـOMT وويسترن يونيون وغيرها وهي لا تتجاوز 5 مليون دولار يومياً في أفضل الأحوال علماً انها تراجعت مؤخراً في فترة عيد الفطر الى نحو 2.5 مليون دولار فقط ومن المتوقع أن تبدأ التحويلات الإلكترونية بالتحسّن مع رفع سعر الصرف المعمول به لديها لكن من غير المتوقع أن تزيد عن 5 مليون دولار يومياً وهو ما لا يُعد كافياً لإحداث اكتفاء في السوق.

يُذكر ان الآلية المعتمدة ابتداء من الاثنين 15 حزيران في عملية بيع وشراء الدولار ستستمر لمدة أسبوع الى حين إطلاق المنصة الإلكترونية رسمياً في 23 حزيران وبدء التداول بالدولار بالطريقة نفسها لكن عبر المنصة.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024