مصرف لبنان وخطته الجديدة: يعاقب الصرّافين ويُرضي المصارف؟

خضر حسان

الأحد 2020/06/28
تمادى الصرّفون كثيراً في تحكّمهم بسعر صرف الدولار. كبِروا حتى باتوا لاعباً أساسياً تخطّى المصارف بقوّته ونفوذه في السوق. عوامل كثيرة ساهمت باكتسابهم القوّة، وأهمّها العوامل السياسية. وهو ما يؤكّده إصرار مصرف لبنان على تمرير الدولار للمواطنين والتجار عبر الصرّافين، رغم النتائج السلبية المتكررة. هذا الدور الذي اخترق كل الحواجز والخطوط، حفّز المصرف المركزي على التفكير بطريقة تحد من سطوة الصرافين، وإن بحدود خجولة، ضمن ما تسمح به اللعبة السياسية.

التفلّت من الضوابط
تخطّى الدولار حدود الـ7000 ليرة، وبعض التجار أكدوا شراءهم العملة الخضراء بما يفوق الـ8000 ليرة، ويتوقّعون مزيداً من الارتفاع.
ووفق معدّل الارتفاع هذا، يكون الدولار قد تحرر من أي ضوابط، واستسهل الصرافون طرح أرقام خيالية، يعرفون جيداً أنها ستصبح المعدّل المعمول به للصرف، بغضون أيام قليلة.

لم يعد مصرف لبنان قادراً على ضبط الأمور، بعد أن تخلّى في البداية عن دوره، حين كان قادراً على اتّخاذ مواقف مؤثّرة في السوق. ورغم ذلك، "هناك جهود متواصلة داخل المصرف المركزي للقيام بأفضل الممكن، للحدّ من التقلّبات السريعة في سعر الصرف، وللتقليل من سيطرة الصرّافين على الدولار"، وفق ما تقوله مصادر في مصرف لبنان، في حديث لـ"المدن".
أولى بوادر الجهود، هي التوجّه نحو "ضخ سيولة بالدولار إلى المصارف، ليتمكّن التجار من الحصول على الدولار من مصادر أخرى، وبالتالي كسر احتكار الصرّافين للدولار".

عقاب أم اتفاق؟
تقر جهات داخل المصرف المركزي أن الصرّافين تمادوا كثيراً، ومن الضروري وضع حد للتمادي. والقرار الجديد سيكون بمثابة عقاب لهم على تخطيهم الحدود المتفق عليها بشكل غير مباشر، إذ إن إدخالهم في اللعبة وبسط سيطرتهم، كان بقرار سياسي، مرَّ عبر مصرف لبنان ليحمل عبء ذلك القرار، كونه سلطة الوصاية على الصرّافين، والمسؤول الأول عن سلامة النقد.

صيغة العقاب تجد من يخالفها داخل المركزي. فضخّ الدولار عبر المصارف، ليس عقاباً للصرافين، وانما فتح قناة أخرى لنشر الدولار في السوق. وتوضح المصادر أن الدولار في المصارف "لن يُخصَّص للمواطنين، فهؤلاء سيتابعون الحصول على الدولار من الصرّافين".

إبقاء المواطنين خارج أبواب المصارف، يعني استمرار ابتزازهم من قِبَل الصرافين. ورغم "عدم حاجة المواطنين للدولار بالنسبة ذاتها التي يحتاجها التجار"، إلاّ أن إبقاء منفذ للصرّافين للتحكم بجزء من الدولار، يُبقي هامش رفع سعره قائماً. فللمواطنين قدرة على التأثير في سعر صرف الدولار من خلال حركة تبادلهم للعملة الأميركية، خصوصاً وأن وسائل التواصل الاجتماعي تساعد على عرض الدولار بأسعار مرتفعة من قبل المواطنين، حتى وإن كانت المبالغ المعروضة صغيرة، إلا أن تجميعها أصبح هواية ومَقصداً للكثير من المواطنين. ولا تقف المسافات بين المناطق حاجزاً أمام لملمة الدولارات من هنا وهناك.
خطوة ضخّ الدولارات عبر المصارف إيجابية ومنتظَرة. لكن توقيتها لم يكن مناسباً، إذ تأخّر بمعدّلات سمحت للصرّافين بكسر كل حدود لجم ارتفاع الدولار، ما جعل إعادة ترتيب الوضع أمراً صعباً ومعقّداً. واستمرار ضخّ الدولارات للصرّافين، سيعزز موقعهم ويؤكد أن لا غنى للطبقة السياسية عنهم، بوصفهم الأداة التي يتحكّمون عبرها بالسوق والشارع.

بمعنى آخر، لن يأتي قرار المصرف المركزي بالثمار المرجوّة، فهو بالكاد سيشكّل صفعة مُتَّفَقٌ على ألاّ تترك ندبة على وجه الصرّافين. وقد يكون الهدف الثاني منها، هو إعادة الاعتبار للمصارف بعد أن فقدت دورها ومكانتها، بفعل احتجازها لأموال صغار المودعين ومساعدتها لكبار المودعين على تهريب اموالهم إلى الخارج، أو تسهيل عملية سحب الأموال في الداخل.

وإن صحّت النوايا تجاه المصارف، يكون المصرف المركزي قد أعاد إحياء سلطة المصارف. وبلا شك، سيتعاون الصرّافون والمصارف على تعقيد الوضع، وتأمين الأرضية المناسبة لتحليق الدولار. وهو الدور الذي لم ينقطع يوماً، حين كانت المصارف تغذّي سوق الصرّافين بالدولار، منذ بداية أزمة ارتفاع أسعاره. وهو ما مكّن الصرافين من تثبيت دعائم مملكتهم في السوق.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024