كهرباء لبنان: تسليم مالية الدولة وموظفيها إلى شركات فاشلة

خضر حسان

الجمعة 2019/08/09
ما عادت مؤسسة كهرباء لبنان قادرة على احتمال حجم الاستنزاف الذي تتعرض له، تحت شعار الإصلاح، المعبّر عنه في ما يسمى سياسة ورقة القطاع. تلك السياسة التي تشكل خطة خصخصة المؤسسة بأسوأ الشروط والمواصفات. وبموجب الخطة، لم يعد السؤال حول جدوى الخصخصة مهماً، بل بات الهمّ الأكبر هو إنجاز الخصخصة بأفضل الشروط التي تحمي حقوق الدولة وموظفيها، فيما يصرّ التيار الوطني الحر المسيطر على وزارة الطاقة، وبالتواطؤ مع باقي أقطاب السلطة، على تصفية مؤسسة الكهرباء، مع ضمان أكبر قدر من الخسارة للمؤسسة، وللدولة تالياً.

تغييرات مبهمة
تعمل وزارة الطاقة على خطين متوازيين يصبّان في مصلحة تقوية دور شركات مقدمي الخدمات، والتخلص من مستخدمي ومياومي مؤسسة الكهرباء. وهذا الإجراء يتّسم بطابع مبهم وبتعقيدات ترافق خطواته. 

استناداً إلى تعديل القانون 462/2002، سيتم إقفال ملف المستخدمين. أما تفاصيل التعديل ومصيره، فغير معروفة. وهي الإجابة التي حصلت عليها نقابة عمال ومستخدمي كهرباء لبنان، من قبل وزارة الطاقة. فحسب النقابة، قالت الوزارة: "لم نعرف مصير التعديلات".
وفي ما يخص دور مقدمي الخدمات، فتوسعة الصلاحيات منصوص عليها في خطة وزيرة الطاقة ندى البستاني. واللافت أن الصلاحيات الجديدة ستطال "صناديق المؤسسة في المديرية المالية".

الواقع الجديد الذي تعتزم وزارة الطاقة تكريسه بمؤسسة الكهرباء وكل ما يتصل بها، ليس محدداً بأطر ومنهجية واضحة يمكن مطالعتها وتحليلها، حتى في إطار تأييدها والموافقة عليها. بل تضع الوزارة خطة معينة، وترمي رؤوس أقلام حولها للنقاش، وتبتدع صياغات بأسلوب ركيك يتضمن عبارات مبهمة، بقصد عدم إثارة التساؤلات وتسهيل تمرير ما هو مقصود. والمقصود دائماً ما يكون أبعد بكثير مما يُعلَن عنه أو يوثّق في المحاضر الرسمية.

تنفيعات وتناقضات واضحة
ما تعتزم الوزارة تنفيذه "ينعكس على العمال وحقوقهم ومكتسباتهم وديمومة عملهم"، إلى جانب تدعيم قوة مقدمي الخدمات في وجه الدولة الممثلة بمؤسسة الكهرباء، لأن تعديل صلاحيات مقدمي الخدمات هو باتجاه تعزيز استقلالية أدائهم في بعض المهام، من دون الرجوع لمؤسسة الكهرباء. والمشكلة أن الحكومة وافقت على ذلك من دون التأكد من ماهية الصلاحيات الجديدة. فما وافقت عليه أقطاب السلطة داخل مجلس الوزراء، هو "تعزيز الصلاحيات"، لكن ما هي الصلاحيات الجديدة، وإلى أي حد تتجه بعيداً عن الرقابة والملاحقة والمساءلة؟.. فهنا تقبع القطبة المخفية التي أرادها الفريق البرتقالي.

التناقض الآخر يتعلق باستمرار تثبيت ما تبقى من مياومين من الفئة الخامسة، عبر مجلس الخدمة المدنية، الذي أبدى ملاحظات تتعارض مع استمرار تثبيت مياومين في ظل التوجه نحو تصفية مؤسسة الكهرباء. ومع ذلك تصر وزارة الطاقة على توظيف المياومين. علماً أن توظيفهم أقر بقانون، والمشكلة ليست بالتوظيف وإنما بالشكل الذي يدار به هذا الملف.
وعليه، إذا كانت وزارة الطاقة تتجه نحو تعزيز صلاحيات شركات خاصة، كتمهيد لخصخصة مؤسسة الكهرباء، فلماذا تضع الوزارة قنبلة موقوتة داخل المؤسسة، وهي موظفون جدد لن تكون بحاجة إليهم مستقبلاً؟.

اللعبة سياسية لا اقتصادية
الإجابة عن التساؤل ليست اقتصادية، فمن وجهة نظر اقتصادية، إدخال مستخدمين أو موظفين جدد يعني زيادة حجم التعويضات التي ستدفعها الدولة لموظفيها عند خصخصة المؤسسة، واضطرارها للاستغناء عن خدمات موظفيها أو خدمات جزء منهم. لتتحول الإجابة إذن نحو الجانب السياسي، وهو مفتاح إدارة عجلة ملف الكهرباء برمّته. وفي هذا الجانب، فإن إدخال المياومين إلى مؤسسة الكهرباء يهدف إلى إرضاء الأطراف السياسية التي ينتمون إليها، والتي أدخلتهم إلى عائلة المياومين من باب التوظيف السياسي، وما عادت قادرة على إخراجهم. والجميع يعرف تفاصيل ملف المياومين وإعتصاماتهم وصولاً الى إقرار قانون التثبيت.

في إطار التناقضات أيضاً، لم تحسم وزارة الطاقة موضوع تعيين مجلس إدارة لمؤسسة الكهرباء. لكن في حال عدم التعيين، تناقض الوزارة ما نصت عليه خطتها. وفي حال عدم تعيينه، تناقض توجهها نحو الخصخصة، لأن الخطوات العملية قبل الخصخصة تفرض وجود مجلس إدارة يحدد التوجهات وقواعد التصفية، وما ستؤول إليه هيكلية المؤسسة الجديدة التي على الأغلب ستحفظ حق الدولة ووجودها في قطاع الإنتاج، في حين تطال الخصخصة قطاعي النقل والتوزيع، إلى جانب الإدارة وتفاصيل أخرى. لكن في كل الأحوال، أي عملية في هذا السياق، تحتاج لوجود مجلس إدارة تفتقده مؤسسة الكهرباء حالياً.

شهادة سوء سلوك
ما تقدّم يعني أن بوادر الخصخصة أصبحت محسومة، وأن مقدمي الخدمات حصلوا على شهادة حسن سلوك من وزارة الطاقة. لكن تقارير الاستشاريين ونتائج عمل الشركات على الأرض، تؤكد حصولهم على شهادة مزوّرة، تخفي سوء سلوكهم على صعيد العمل التقني والفوترة وجباية الفواتير وكل ما يتعلق بأعمال مقدمي الخدمات على مدى سنوات.

فتقارير شركة نييدز الاستشارية، التي كانت الملاك الحارس لمشروع مقدمي الخدمات، وكانت تقدم التقارير لصالحهم، عادت وأكدت أن مشروع الشركات فاشل. كما أن اللجنة المكلفة من قبل إدارة مؤسسة الكهرباء بمراقبة وتقييم أعمال مقدمي الخدمات، وهي اللجنة المعروفة بلجنة الـ SP، أوصت "بعدم تمديد عقد مقدمي الخدمات وإن ليوم واحد".

ويضاف إلى سجل الفشل، إخفاق مقدمي الخدمات في إنجاز مشروع العدادات الذكية، وهو عماد وجود مقدمي الخدمات. ويتعزز الفشل في مسألة إبتداع شركة مقدمي خدمات رابعة، وهي شركة مراد، بعد أن كانت شركة فرعية متعاقدة مع شركة دباس. وهذه البدعة تؤكد أمرين، الأول أن شركة دباس فشلت في مهامها، والثاني هو وجود مقدمي الخدمات كمشروع لمصلحة بعض القوى السياسية التي تستفيد على حساب المصلحة العامة. وفي الحالتين، تنتفي الحاجة لتعزيز صلاحيات مقدمي الخدمات، وأبعد من ذلك، تنتفي الحاجة لخصخصة مؤسسة الكهرباء بالطريقة التي تتشبّث بها وزارة الطاقة، وبالأسلوب الذي يرهن مالية الدولة وموظفيها لشركات أكّدت التجربة فشلها.
وبذلك، لم يعد هناك تبرير لعدم تحرك وزارة المالية ولجنتي المال والطاقة النيابيتين، في حال كان هناك من يريد مصلحة الدولة في مجلسي النواب والوزراء. وعلى الأغلب لن يتحرك أحد، لأن من يريد التحرك لا يمرر خطة سقطت بالتصويت.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024