شهورٌ أخيرة قبل الإصلاح!

عصام الجردي

الإثنين 2019/07/15

موازنة 2019 هي موازنة لبنان الأخيرة قبل الإصلاح. موازنة 2020 لن تعبر من دون الإصلاح. والإصلاح يحتاج إلى مصلحين لا أثر لهم في نظام سياسي عاطل من العمل، يهدد دولة وكياناً بالسقوط. هذا ما يجب على مجلس نواب الأمة معرفته. وعليهم أن يسألوا أنفسهم حين جلسة مناقشة مشروع قانون موازنة 2019، قيل إنها ستبدأ الثلاثاء في 16 تموز الجاري، كيف لهذه الوثيقة الدستورية أن تصل إليهم بهذا الكمّ من الإستعصاءات الدستورية وخلواً من أهداف اقتصادية تنموية.

لا قطع حسابات حتى عن 2017، لأن مجلس الوزراء خارج الخِدمة إلى أجل. والمجلس يقر القطوع ويحيلها إلى مجلس النواب. ولا قطع حساب أو نشر موازنة قبل قطوع حسابات سنوات ما قبل. وسنوات ما قبل والتدقيق بها من ديوان المحاسبة، تستلزم جهازاً من الموظفين ليس موفوراً بالكامل. نعم، هناك شغور في هذه المؤسسة الدستورية بالذات! والبلد معلقٌ على حبل هذا الشغور. والدستور معلقٌ أيضاً في أهم وثيقة تشريعية تصدر عن مجلس النواب. الشغور في التفتيش المركزي أيضاً. في كل مؤسسات رقابة المنظومة السياسية والإدارية الفاسدة. يا لها من صدفة بريئة. ولو طُرح ملء الفجوة، لانتصب الميزان، وتقاتلت المنظومة على حقوق الطوائف، وحق العرق الأنقى في كل طائفة ومذهب. هذه لائحة الطعام الفاسد على مائدة الميثاقية. المنتفخون منها لم يشبعوا بعد. وفتاتها دولة وشعب ووطن.

"هدم الأسوار"
"أتُهدم أسوار لبنان ونحن نناقش جنس المحاكم"؟ سأل رئيس مجلس النواب نبيه بري. نعم، بدأ هدم الأسوار حين بدأ هدم الدستور، وسلطة القانون، وامتهان الوطن والمواطن. ألَم يكلّف مجلس النواب لجنة نيابية لمتابعة قوانين صدرت عن المجلس ولم تنفذّ؟ كل القوانين التي صدرت وتتعلق بالشفافية، وحق الوصول إلى المعلومة، والإثراء غير المشروع، والهيئة الوطنية لسلامة الغذاء وغيرها، ما تزال تنتظر مراسيم تطبيقية أو قُيدت بمعوقات. شأنها شأن الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء ومجلس إدارة كهرباء لبنان. بدأ هدم الأسوار حين انتُدب لهذا القطاع خبراء في صناعة الفشل، ركّبوا نحو 40 مليار دولار أميركي عجزاً على مؤسسة الكهرباء من دون تيار. التيار السياسي نفسه عاد وكوفئ على رأس الوزارة. وما زال يتبجح على غِلظة وادعاءات "لا يدعوننا نعمل. لا يريدون نجاح العهد. هم جزء من مؤامرة كونية علينا"، إلى آخر الترّهات البالية السخيفة. والتيار يملك أكبر كتلة نيابية وأكبر كتلة وزارية. وقادر على تعطيل جلسة لمجلس الوزراء باجتماع لكتلته وقت انعقاد جلسة مجلس الوزراء بالذات، "ليناقش جنس المحكمة وأسوار لبنان تهدم" على ما قال بري.

إنقاذ بتجاوز الدستور!
لقد بتنا أمام معصية فريدة من نوعها. نطبق الدستور والقوانين يفرط البلد. نتجاوزها بزعم إنقاذه. ولا سبيل غير ذلك. هذا مَعلمٌ من معالم نظام عاطل من العمل. أيحق لرئيس مجلس الوزراء سعد الحريري التنازل عن صلاحياته الدستورية بقرارات ذاتية؟ وهل يحق لمجلس النواب التنازل عن مسؤولياته الدستورية برقابة الحكومة، ومساءلتها، ومحاسبتها، وطرح الثقة بها لأي سبب كان؟ الدستور لا يقول ذلك ولا يسوغّ. لو تمسّك مجلس النواب بوثيقة موازنة 2017 التي ورد فيها نص صريح بأن تنجز الحكومة قطوع الحسابات خلال سنة كاملة. كيف ستقر موازنة 2019 بقانون مطابق للدستور؟ وهل يوجد لدينا وقت فائض لإنجاز موازنة دستورية لسنة ما زالت قيد المناقشة والأخذ والردّ، ونحن قرب الشهر الثامن من السنة؟ ومطلوب أن نكون في طور التحضير لموازنة 2020.

أرقام بلا رؤية
سيتوه مجلس النواب على الأرجح خلا قلّة تتابع خلفية الموازنة ليس على قاعدة جمع الأرقام وطرحها، بل من دورها الاقتصادي المغيّب تماماً في لجّة الرياضيات الخوارزمية. لعلّ هذه القلّة المعدودة تتنبه إلى أن الموازنة خلوٌ من أي دور اقتصادي على صلة بالنمو والناتج. لن نتوقف عند تشكيك صندوق النقد الدولي وتقارير أخرى بإمكان بلوغ العجز كما يتأرجح على حبل الحكومة المهزوز. المؤكد أن النمو سيكون صفراً او سالباً في 2019. إحصاءات مصرف لبنان تظهر تراجع ثمانية مؤشرات من أصل أحد عشر مؤشراً اقتصادياً خلال الفصل الاول من 2019. ولا شك أن مسار العجز في ميزان المدفوعات الذي بدأ منذ 2011 يمثل الخطر الأكبر على الاقتصاد الكلي. خصوصاً على المالية العامة وسعر الصرف. وقد أشرنا قبل سنوات إلى محاذير استمرار هذا المسار وسلبياته.

القضية التي بات على مجلس النواب التصدي لها، هي الرؤية الاقتصادية الشاملة والموحدة. الموازنات، والمال والدين، وسعر الصرف، والشأن الإجتماعي أجزاء منها لا تتجزأ. وعليها تبنى السياسات كي لا تصطدم إحداها بالأخرى ونتخبط بما هي حالنا. ونجني نمواً صفرياً على علاقة مباشرة بأزمتنا المالية والمؤشرات الأساسية. الرؤية يجب أن تربط بالضرورة بمجلس النواب. يحاسب الحكومة على مدى تقدمها سواءٌ في الإنفاق والدين والموازنات وسعر الصرف، أم بروزنامة مشاريع محددة.

فالمؤسسات المعنية بالإقتصاد، كانت لعقود خلت تعزف منفردة لحن الإختراب الذي نحن في صميمه. سياسة مالية لا تقيم وزناً للإستثمار والنمو. عجز دائم، وارتفاع تمويل بالدين بفوائد مرتفعة. وسياسة نقدية تعقّم التدفقات وفوائض ميزان المدفوعات بهاجس الدفاع عن سعر الصرف وتثبيته. نفتقد إلى سياسة مالية تُحدد وفق توجهات الدولة ومصالحها الاقتصادية وتمويل حاجاتها السيادية. وهي عامل في مكونات النمو والناتج المحلي. ولها أثر عميق على الإدخار والإستهلاك والاستثمار. في الدول التي تملك رؤية اقتصادية واجتماعية، لا يُنظر في الضرورة بارتياح إلى فائض الموازنة. إلاّ اذا كان نتاج تحسن الإداء الإقتصادي وارتفاع إيرادات الموازنة من الضرائب والرسوم، واستثمارات الدولة وحيازاتها. فنفقات القطاع العام في كل الدول وفي مقدمها الدول الصناعية، ما زالت عاملاً مهما في تحفيز النمو، وقاطرة لجذب تمويل واستثمارات من القطاع الخاص. تطوير البنية التحتية وتوسيعها كان هدفاً محورياً لسياسة الرئيس الأميركي دونالد ترمب. وفي حالات كثيرة يعزى إلى الفائض في الموازنة سياسة انكماشية تقلص الإستثمارات الجديدة وفرص العمل. وفي المقابل، ليس بالضرورة أن العجز في الموازنة مؤشر قلق، في حال استلزمت الرؤية الاقتصادية والاجتماعية نفقات إضافية لتحقيق أهدافها لزيادة معدل النمو وتعويض العجز وتحسين الخِدمات العامة. نحن لا نشبه أحداً. 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024