محطّات ترفض استلام البنزين.. والجيش يتنحّى

خضر حسان

الأربعاء 2021/08/25
ظنَّ المواطنون أن جدول أسعار المحروقات بأرقامه المرتفعة، سيحمل معه انفراجًا وإن جزئيًا. ما لم يدركوه، هو أن المرحلة الراهنة ليست سوى ترنّح ما قبل السقوط في دوامة رفع الدعم الكلّي عن الأسعار.

وإن رَوَّجَ ممثّلوا القطاع النفطي لتوزيع المحروقات على المحطات كافة، لم يتوقَّعوا -أو ربما لم يُعلنوا- امتعاض المحطّات ممّا وصلت إليه الأمور، خصوصاً بالنسبة للمحطات الصغيرة، على عكس محطات كبار التجّار. وفي النتيجة، تخبُّطٌ مستمر وتصاعد لحدّة التوتّر، بانتظار نهاية شهر أيلول. وإلى حينه، تنشط السوق السوداء وتُعلِن بعض المحطات رفض استلامها البنزين، فيما القوى الأمنية تواصل حملة مكافحة التخزين، والجيش يتنحّى.

توزيع المحروقات
التَمَسَ المواطنون حركة صهاريج المحروقات على الطرقات. الكثير من المحطات تؤكّد بدء التوزيع، لكن بعضها ينفي تلقّيه أيّ كمية، فيؤجّل تعبئة السيارات التي قرّر عدد من أصحابها ركنها قرب المحطة منذ نحو 3 أيام، ترقّبًا لتعبئة مفاجئة.

في بيروت وصيدا ومعظم مدن الساحل، حصلت المحطات على المحروقات. تأخّر وصول الشحنات الخاصة بمناطق الجنوب، لكنها بدأت بالوصول منذ مساء يوم أمس الثلاثاء. ولاستحالة تلبية الجميع في وقت واحد، حصلت محطات دون أخرى على كميات غير كافية. فاحتشدت الطوابير في مشهد يتخطّى المشاهد المعهودة. وخوفًا من الإشكالات والتضارب وإطلاق النار، قرَّرَت بعض المحطات عدم استلام المحروقات. أما الأخرى، فاعتبرت أن ارتفاع أسعار المحروقات بالتوازي مع أسعار كل السلع، يستدعي رفع جعالة المحطات، في موقف يجمع بين الضغط على الدولة وتفادي الاصطدام مع الناس "لأن أي كمية تنزل إلى خزانات المحطة، لن تكفي الناس. فنفضّل إقفال المحطة إلى حين إيجاد حل مناسب"، على ما يقوله لـ"المدن"، صاحب محطة في منطقة صور. والحل الأوّلي الذي تنتظره المحطات، هو رفع الدعم كليًا، وذلك يعني انتظار نهاية شهر أيلول. أي "ما زال هناك شهر من العذاب والأخذ والرد بيننا وبين الناس. نحن لم نعد نطيق الوضع، وهُم تعبوا من الطوابير وساعات الانتظار بلا فائدة".

نشاط السوق السوداء
إغلاق الكثير من المحطات في لبنان عزَّزَ مكاسب السوق السوداء، حيث ارتفع متوسط سعر غالون البلاستيك الذي يُعَبّأ بين 8 إلى 9 ليتر، من نحو 250 ألف ليرة إلى نحو 350 ألف ليرة. فيما وصل في بعض المناطق إلى مليون ليرة.

وفي سياسة مُتقَنة، عَمَدَ تجار السوق السوداء إلى تعطيش سوقهم، متذرّعين بعدم توزيع المحروقات على المحطات. هو أمر صحيح نظريًا، لكن الكميات المخزّنة مسبقًا، تكفي لتضخيم أعداد زبائن السوق السوداء، من دون الحاجة لرفع الأسعار. لكن "ما عادت توَفّي معنا"، يقول أحد مساعدي موزّعي السوق السوداء لـ"المدن".
الموزّع الذي يعمل لدى تاجر "كبير"، يشير إلى شح في السوق، ما يدفعه لنصح أصدقائه بـ"شراء أي كمية متوفّرة. فقريبًا سيزداد الشح وترتفع الأسعار". ولا يبدو أن توزيع المحروقات على المحطات سيقلّص نشاط السوق السوداء. فالطوابير المتزايدة تُوَجِّه الكثير نحو هذه السوق، لأن الانتظار مُكلِف لمن يلتزم بدوام عمل محدد، فضلًا عن أن الكميات التي يمكن الحصول عليها بعد ساعات من الانتظار، غير كافية. ما يُبقي الحاجة للسوق السوداء.

الجيش يتراجع
شكّلت المداهمات بارقة أمل لدى بعض المواطنين، وسرعان ما تلاشت. فالكميات الكافية لم تتوافر في المحطات. والتخزين استمر لدى المدعومين سياسيًا. أما انسحاب الجيش من عمليات المداهمات، فأكّد لمن لا يزال يأمل ببعض الإيجابيات، بأن الأزمة متواصلة.

وتشير المعلومات إلى أن حادثة انفجار خزان البنزين في منطقة التليل في عكار، شكّل صدمة لدى قيادة الجيش. وتحديدًا جراء تداعيات دعوة العسكريين الناس لتعبئة البنزين من الخزانات المصادَرة. الأمر الذي خلَّفَ عشوائية في التوزيع، ومساحة كبيرة للفوضى ولسقوط الضحايا. فاكتفى الجيش بحفظ الأمن على المحطات. لكن سرعان ما تراجع الجيش إلى مستوى انتظار طلب التدخّل في حال حصول أي حادث كبير.

الأمن الداخلي وأمن الدولة كثّفا حملتهما بعد تراجع الجيش. فكشفا عمليات تخزين هائلة، من دون أن تؤدّي لتوفير المحروقات في السوق. في حركة شكلية لم يستفد منها سوى نسبة ضئيلة جدًا من اللبنانيين.
وفي محاولة لتسجيل علامة فارقة، أعلنت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي أنه بعد انتشار ظاهرة بيع البنزين والمازوت بواسطة "غالونات بلاستيكية" بأسعار مضاعفة من قِبل بعض الأشخاص، "ستتشدّد قطعاتنا في ملاحقة هؤلاء، واتّخاذ الإجراءات القانونية اللّازمة بحقّهم، بعد ضبط المواد الموجودة بحوزتهم، بناءً على إشارة القضاء المختص".

هذا القرار "لا يقدّم ولا يؤخّر". يقول موزِّع السوق السوداء. بل كل ما في الأمر أن "البعض ينام قليلًا، ثم يعود للعمل بشكل طبيعي". أي أن التجار سيسمحون لقوى الأمن بتسجيل نقطة عن طريق التوقف عن تلبية السوق لفترة. وبعدها يكسب التجار نقاطًا، فحجب البنزين يعني الفرصة لرفع السعر بحجة شح المواد وصعوبة إيصالها للناس بفعل رقابة القوى الأمنية. وهو ما بَشَّرَ به الموزّع، قائلًا أن "الغالون اللي بـ350 (ليرة) رح يصير بـ400 و450 (ليرة)". ولا يكترث الموزّع لانخفاض الطلب في شهر أيلول وما بعده. فحتى وإن سافر المغتربون "الناس اعتادت الشراء، وستبقى تشتري".

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024