خفوضات الإتصالات... هل تنفع المواطن حقّاً؟

حسن الحاف

الأربعاء 2014/05/28
لم يكن ما أعلنه وزير الإتصالات بطرس حرب حول خفض أسعار خدمات الإتصال والإنترنت متوقعاً. فبعد الخفض الأخير الذي أجراه وزير الإتصالات السابق جبران باسيل في العام 2009، لم يجرِ الوزراء اللاحقون، شربل نحاس ونقولا صحناوي تحديداً، خفوضات مماثلة من حيث الحجم والقيمة. هذا على الرغم من تعاظم الشكوى العامة من إرتفاع أكلاف الإتصال والإنترنت مقارنة مع الجوار، فضلاً عن تردّي أوضاع الشبكات إلى حدود غير مسبوقة.
يقول مصدر مطلع على ما يجري اليوم بين وزارة الإتصالات وشركتي "ألفا" و"تاتش" المشغلتين لقطاع الخليوي ان الوزير ضغط على الشركتين من أجل إقناعهما بإجراء خفوضات على الأسعار، من دون المساس بالرسوم والضرائب التي تستوفيها الخزينة والبالغة حوالي 65% من قيمة الفاتورة. ما يعني أن همّ الوزير اقتصر، بحسب المصدر، على خفض الكلفة على المواطنين، بما يرفع من شعبيّته، وبما يعزز موقعه في مواجهة خصومه السياسيين الذي تولوا وزارة الإتصالات خلال الحكومات السابقة، إبن منطقته البترون جبران باسيل تحديداً. الأمر الذي سيؤدي إلى "تدهور متزايد" في أوضاع الشبكات خلال الفترة المقبلة.
وإذ يتوقع المصدر أن يباشر الوزير الضغط لإحداث تعديلات في الهيكلية الإدارية للشركتين، اللتين باتتا محسوبتين بالكامل على الفريق العوني، يرى أن هذه الخفوضات والتعديلات لن تأتي ثمارها المرجوة، لأنها لا تنطلق من حرص على المصلحة العامة. فلو أنها كذلك، لكان حديث الوزير الإعلامي تناول المسار الزمني لإنجاز الخطوات التقنية المتفق عليها مع الشركات لرفع مستوى الشبكات المتردية، يوضح المصدر. ومعنى هذا ان "الإنذار الذي وجهه الوزير للشركتين يرمي إلى ترهيبهما، للموافقة أولاً على الخفض، ولإجراء ما يطلب منهما لاحقاً". فـ"قطاع الخلوي من أكثر القطاعات التي توفر خدمات وتنفيعات. ولا ادل على ذلك إلا وضع شبكات الإرسال في المناطق. فالمنطقة المتميزة تجد لديها إرسالاً ممتازاً، أما تلك التي لم يوصِ بها أحد، فبالكاد يستطيع المواطن إجراء إتصال. هذا أمر مدروس ومنظم، وجزء من منظومة التنفيعات القائمة في الوزارة، وليست أمراً إعتباطياً بالمرة". ويرى المصدر، أخيراً، أن الحل الآني لمشكلة الإتصالات في لبنان يكمن في تطبيق القانون 431/2002 الذي يقضي بإنشاء مشغل ثالث "ليبان تيليكوم"، وبتوسيع صلاحية الهيئة المنظمة للإتصالات، مستدركاً بالقول: حرب، كما أسلافه، لن يقبلوا بتوسيع صلاحيات الهيئة لأنها تنتقص من سلطاتهم. ما سيحصل، على الأرجح، أن "حرب سيرفض تجديد عقود الشركتين حصراً، وسيحاول إدخال شركات جديدة محسوبة على فريقه السياسي إلى القطاع".  
رئيس هيئة المالكين في قطاع الخليوي جيلبير نجار يؤكد لـ"المدن" ان "وزارة الإتصالات لم تتخذ قرارها بإجراء الخفوضات على الأسعار، إلا بعد قيامها بالتوسيعات اللازمة على الشبكة". ويتساءل: "لو ان الوزارة لم تقم بالتوسيعات، فما مغزى توجيه الوزير إنذاراً للشركتين بفسخ العقود معهما في حال لم تعالجا الثغرات في الشبكة". علماً ان الشبكة، كما يوضح نجار، قادرة على إستيعاب الضغط الإضافي المترتب على الخفض، بفضل الإستثمارات السابقة فيها، وبفضل قيامها اليوم بمعالجة الخلل بناء على طلب الوزير. ويرى نجار ان الوزارة أعدت تصوراتها الخاصة في ما يخص التجديد لشركتي الخليوي من عدمه، ولا يزال معها وقت حتى 30 حزيران، وهو موعد إنتهاء صلاحية العقود الموقعة مع الشركتين، من أجل الكشف عنها. 
وفيما إمتنعت وزارة الإتصالات عن الإجابة على أسئلة "المدن"،  يرى خبير الإتصالات رياض بحسون ان مسؤولية رفع جهوزية الشبكات تقع على عاتق كلّ من الوزارة والشركتين. ويشرح أن إدارة الشبكتين تتصل بمستويين أساسيين: الإستثمارات والصيانة، مشيراً إلى ان الإستثمارات هي الجزء الأهم، لأن الدولة هي المالك الفعلي للشبكات. وبرأيه: الإستثمارات تمر عادة عبر آلية صعبة، غايتها تحسين نوعية الخدمات، خصوصاً بعدما باتت ضعيفة جداً بالمقاييس الدولية، متوقعاً ان تضعف أكثر من الآن وحتى سنة. 
وإذ يعتبر بحسون ان الوزير حالي بدأ بإدارة أمور الشبكة بشكل أفضل من الوزراء السابقين، يرى ان لا حلّ ممكناً لمشاكل الشبكة من دون تسليم إدارة قطاع الخلوي لتحالف شركات محلية يعمل بإدارة القطاع العام. فالمطروح دوماً، كما يقول بحسون، إحتمالان، إما إنتظار اللحظة الأخيرة لإنتهاء العقود الموقعة مع الشركتين، بحيث يصبح التجديد لها أمراً واقعاً، وإمّا الشروع منذ الآن بنقاشات مع شركات لبنانية لتسليمها القطاع بإدارة شركتي "ميك 1" وميك 2" المملوكتين للدولة. الإقتراح الأخير يوفر على الدولة أموالاً طائلة تذهب لشركات أجنبية، بحسب بحسون، كما يحفظ حقوق الموظفين، لا بل يسمح بتوسيع التوظيف.     
 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024