عصام الجردي.. لا مساومة

ياسر هلال

الخميس 2021/01/07

الاستقامة الشرف الصدق الالتزام الوفاء الكبرياء الصبر... وكل ما يخطر ببال من صفات حميدة، اجتمعت في عصام الجردي، ولكن من كل تلك الصفات يستوقفني صفة عدم المساومة.

عصام لم يساوم يوماً على مبدأ ولا على موقف ولا على قناعة. فلم يعرف الالتفاف أو التراجع. وحين تكون الظروف أقوى منه كان أقصى تنازل يقدمه هو الانكفاء إلى داخله، قائلا.. فليكن.. وليفعلوا ما يريدون..  ولكني لن أوافق. ولمن لا يدرك مغزى ذلك، نذكر أن عصام كان خلال الغزو الإسرائيلي في 1982، مع عدد من شباب الحركة الوطنية مدنيين وعسكريين في موقع عسكري للحزب الشيوعي  اللبناني، في تلة مشرفة على بلدته الشويفات. وعندما طلب منه أصدقاؤه ترك الموقع لأن الاسرائيليين مرقوا وباتوا داخل بيروت، أصر على البقاء قائلاَ يمكن مرقوا، بس من عندي ما بيمرقوا..

عصام  لم يعرف المساومة مقابل المال أو العمل، فكما كان عصياً في بدايات عمله الصحافي، عندما اتصل هاتفياَ بأحد رجال الأعمال المعتاد تقديم هدايا نقدية لبعض الصحافيين مهددًا متوعداً قائلا له فيك تشتري بفلوسك ما تريد ولكن ليس أنا وليس قلمي. فقد ظل عصياً طوال حياته ويرفض عروض العمل من كبريات الصحف والمجلات العربية. وعندما اضطرته ظروف الحياة للعمل في إحدى الصحف الخليجية كرئيس لقسم الاقتصاد في تسعينات القرن الماضي وبراتب مرتفع جداً، لم يستطع الصمود أكثر من بضعة أشهر، فقدم استقالته وقال لي يومها: أن تكون عاطلاً عن العمل أرحم من العمل ضد قناعاتك. وكم كان فرحاً على غير عادته، عندما اتصل بي ليزف لي خبر اتفاقه مع ساطع نور الدين رئيس تحرير "المدن" على كتابة مقال في الجريدة، قائلاً لقد وجدت منبراً يشبهني.

عصام لم يساوم على المهنية وخصوصاً في الموضوعية والدقة العلمية وعمق التحليل وصدق الخبر. كما لم يساوم على اللغة. نعم عصام الجردي كان يرفض نشر خبر للرئيس الشهيد رفيق الحريري في جريدته المستقبل كقطعة رئيسية مع صورة إذا لم يكن الخبر يستأهل ذلك.

عصام لم يساوم مع المرض، فقد أخفى مرضه عن غالبية أصدقائه لفترة طويلة، وظل يقاوم بصمت وكبرياء، وحتى عندما اشتد عليه المرض، ظل صابراً صامداً شامخاً، وكأنه على تلك التلة المشرفة، قائلاً يمكن مرق بس من عندي ما بيمرق.

أيها الصديق... يمكن مطرح ما رايح يكون أجمل وأرحب وبيشبهك أكثر..

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024