حكومة الخراب العظيم

علي نور الدين

الخميس 2020/01/23

تسارعت دعوات بعض الدائرين في فلك قوى 8 آذار، لمنح حكومة حسّان دياب فرصة للعمل، قبل استئناف أعمال الاحتجاج، متذرّعين بالانهيار الكبير الحاصل على المستوى المالي، وبالحاجة إلى حكومة تباشر العمل على معالجات سريعة للوضع الاقتصادي. مع العلم أن تركيبة الحكومة نفسها، لا توحي بأي اختلاف في السياسات المتبعة سابقاً اتجاه الوضع المالي، ولا بوجود اتجاه نحو تعديل جذري في طريقة التعاطي مع الأزمة القائمة. أمّا الأسوأ، فهو فقدان الحكومة المقبلة حتّى القدرة على شراء الوقت، عبر المعالجات السطحيّة التي اعتادت الحكومة السابقة القيام بها. وبغياب العاملَين معاً، تصبح النتيجة الحتميّة الخراب الكبير على المستوى الاقتصادي.

سقوط الرهان على الدعم الدولي
راهن الحريري قبيل سقوط حكومته على الدعم الدولي، الآتي من الجهات المانحة في مؤتمر سيدر، لتوفير تدفّقات ماليّة خارجيّة كافية لشراء بعض الوقت على المدى القصير، من أجل الحد من تداعيات الأزمة الماليّة التي يعاني منها منذ سنوات. ومع تحوّل الأزمة إلى انهيار شامل، ذهب الحريري سريعاً باتجاه صندوق النقد والبنك الدوليين، من خلال اتصالات هدفت تحديداً إلى معالجة النقص في السيولة وتأمين ما يلزم منها.

من المعروف أنّ اللجوء إلى هذا النوع من المعالجات يُعد من الخطوات المكلفة جدّاً على المستوى الاجتماعي، بالنظر إلى نوعيّة الشروط التي يضعها صندوق النقد والبنك الدوليين عند التدخّل في هذا النوع من الأزمات. ومن الطبيعي أن تهدف هذه الخطوات إلى حماية مصالح كبار حملة سندات الدين العام، من خلال المزيد من القروض، التي تمنع تعثّر الدولة في سداد ديونها على المدى القصير.

لكنّ هذه الخطوات –التي حضّر لها الحريري- كانت كفيلة بشراء القليل من الوقت قبل سقوط النظام المالي القائم في لبنان بشكل تام. أمّا في حالة حكومة حسّان دياب، فلا يبدو أنّ هذا الخيار سيكون متاحاً خلال الفترة المقبلة. فقرارات صندوق النقد والبنك الدوليين تتحكّم بها عادةً اعتبارات سياسيّة بالدرجة الأولى، تتعلّق بطبيعة الفئات الممسكة بالقرار على مستوى السلطة السياسيّة. ومن الواضح أنّ حكومة اللون الواحد، والتي أشرف على هندستها حزب الله وحلفائه، لن تتمتّع بهذا النوع من الغطاء الدولي.

لا معالجات جذريّة
غياب المعالجات الظرفيّة على طريقة رُزم الدعم الدوليّة، لن تعني هذه المرّة الاتجاه نحو معالجات جذريّة للأزمة القائمة، من النوع الذي يعيد النظر في طبيعة النموذج الاقتصادي، ويحمي اللبنانيين من الانهيار الحاصل حاليّاً على المستوى المالي. فعمليّاً، تم اختيار الوزراء التكنوقراطيين الجدد من كبار الإداريين والمساهمين في مصارف لبنانيّة وأجنبيّة، ومن مستشاري أبرز الوزراء السابقين في حكومة الحريري المستقيلة، بالإضافة إلى تقنيين حزبيين ساهموا في صياغة سياسات أحزابهم الحكوميّة.

لا تملك هذه الوجوه اليوم المصلحة في إعادة النظر في السياسات المتبعة، الهادفة إلى حماية الفئات النافذة ماليّاً، بدل البحث عن حلول جذرية تتخلّص من العيوب البنيويّة في النموذج الاقتصادي القائم، التي أدّت إلى الانهيار الحاصل اليوم. وبالتأكيد، لن تملك هذه الوجوه التوجّه المطلوب نحو سياسات مختلفة تحمي محدودي الدخل من هذا الانهيار. في الواقع، هذه الوجوه ليست سوى وجوه من قاموا بهندسة السياسات السابقة في الظل، وقد أصبحوا اليوم في موقع المسؤوليّة الحكوميّة. 

مؤشّرات لا تبشّر بالخير
بمعزل عن غياب الدعم الدولي ونوعيّة الوزراء، يمكن تلمّس بوادر الفشل المقبل في التعاطي مع الانهيار، من خلال التوجّهات الاقتصاديّة للقوى التي تمسك بقرار الوزراء الجدد، على المستوى السياسي. فحين يقول محمد رعد، رئيس كتلة الطرف الأقوى في التحالف الذي أنتج الحكومة، إن "الأزمة الاقتصاديّة مؤقّتة"، فهو حتماً يعبّر عن قصور بالغ في فهم حزبه لطبيعة الانهيار الحاصل اليوم، والذي يعبّر عن سقوط منظومة اقتصاديّة كاملة، استنفذت قدرتها على الاستمرار. وعندما يتفاءل رئيس الجمهوريّة بأموال الغاز الآتية لمعالجة أزمة التحويلات الأجنبيّة، فهو يعبّر عن تجاهل كبير للكوارث الاجتماعيّة النازلة خلال الأشهر القليلة المقبلة، مع العلم أن أكثر الترجيحات تفاؤلاً لا تتوقّع بيع الغاز اللبناني قبل عدّة سنوات.

كل هذا الفشل المتوقّع على مستوى التعاطي مع الانهيار الاقتصادي المقبل، ليس سوى نتيجة طبيعيّة لطريقة تعاطي الأحزاب التي أشرفت على تشكيل الحكومة مع المطالب الشعبيّة، التي تم التعبير عنها في الشارع. فبينما تركّزت المطالب الشعبيّة منذ 17 تشرين الأوّل على إنتاج حكومة انتقاليّة بوجوه مستقلّة، تملك أجندة حماية اللبنانيّين من تبعات الانهيار، عادت أقطاب السلطة لإنتاج حكومة لا تملك أي جديد لتقدّمه على هذا المستوى. وهكذا، كانت النتيجة حكومة لا تملك لا القدرة ولا النيّة ولا المصلحة في البحث عن مخارج لأزمة النظام الاقتصادي اللبناني البنيويّة، ولا تملك حتّى القدرة على التخفيف من عوارض الانهيار على النحو الذي كانت تفعله الحكومات السابقة.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024