صناعة السكّر: ذكرى؟

وديان عثمان

الخميس 2013/06/27

كان لبنان يصنع السكّر. كان ينتجه ويصدّر منه. لكن هذه الصناعة تعرضت لاهتزازات متلاحقة أدت إلى ضمورها. البعض يتحدث عن أسباب سياسية أودت بهذه الصناعة، البعض الآخر يتحدث عن مشاكل إنتاجية. لكن الأكيد أن هذه الصناعة تشهد إعادة إنعاش مستجدة تنتظر قراراً حكومياً لتعود إلى الحياة بشكل فعلي. 
ترتبط صناعة السكر في لبنان بعملية دعم زراعة الشمندر السكري. تشير وزارة الإقتصاد في تقرير لها إلى أن لبنان كان في الأربعينات يصدّر انتاجه من الشمندر الى معمل السكر في حمص، إلى أن توقفت هذه الزراعة في بداية الخمسينات، لتعود مع إنشاء معمل السكر في البقاع (مجدل عنجر) العام 1957. توضح الوزارة أن مصنع السكر بدأ العمل العام 1958 مع انتاج 500 طن شمندر يومياً. ثم ارتفع الإنتاج الزراعي تدريجياً إلى 2000، 2500، 3000 وأخيراً إلى ما يقارب 4 آلاف طن شمندر يومياً حتى العام 1985، "إلى أن دهمته الأحداث والاضطراب الأمني في جنوب سهل البقاع بسبب وجود القوات الإسرائيلية وكذلك بسبب عدم القدرة على مواكبة التضخّم المالي في تحديد السعر التشجيعي (انخفاض قيمة الليرة وزيادة الكلفة) ورواج الزراعات الصيفية وزراعة حشيشة الكيف". هكذا، توقفت هذه الزراعة نهائياً من العام 1985 وحتى العام 1991 حين عادت الزراعة وعاد المعمل إلى الانتاج. في نهاية العام 2000 صدر القرار الرقم 45 تاريخ 20/09/2000 الذي أوقف دعم زراعة الشمندر حتى العام 2004، حيث عاودت انطلاقتها بالقرار الرقم 63 معدّلاً بالقرار الرقم 26. وفي العام 2005 صدر القرار الرقم 42 الذي سمح باستمرار زارعتي القمح والشمندر السكري لثلاث سنوات أخرى فقط، تلغى بعدها نهائياً سياسة الدعم لهاتين الزراعتين.
ويقول رئيس مجلس إدارة معمل السكر رئيف القاسم  لـ"المدن" أن المعمل تكبد خسائر مادية متوالية نجمت عن توقف المعمل عن العمل، شاكياً إهمال الدولة لهذا القطاع. مصرّحاً أن زراعة الشمندر السكري عادت من جديد إلى سهل البقاع وأن المعمل ينتظر "وزارة المالية أن تقدّم السلفة لدعم الشمندر والتي وافق عليها مجلس الوزراء حتى يعود المعمل إلى الإنتاج". ويلفت الإنتباه إلى ان  إدارة المعمل أقدمت على صيانة كاملة للآلآت قبل إصدار قرار بوقف دعم زراعة الشمندر السكري فتوقّف المعمل عن عمله فجأة. ومنذ حوالي 5 إلى 6 أشهر تمّت الإستعانة بمجموعة مهندسين ألمان كشفت على الآلآت وتجريبها والتأكّد من إمكان العمل عليها، لافتاً إلى أن إنتاج المعمل كان يغطي 40% من نسبة الإستهلاك المحلّي.
وبسبب الوقف المباغت للدعم لزراعة الشمندر السكري وخسارة المعمل حوالي 8 ملايين دولار وإضطرار المعمل إلى صرف عمّاله بسبب العجز عن الاستمرار، تقدّم مدير شؤون العمال علي العجمي إلى إدارة المعمل بشكوى ضد مكتب الحبوب والشمندر السكري، في محاولة لتحقيق ولو جزء من مصالح المعمل والعمال. ويشرح العجمي أنه في فترة سير التصنيع كان هنالك حوالي 80 موظفاً ثابتاً، ولكن قبل إقفال المعمل قدّمت إدارة المعمل إنذارات صرف للموظفين، وحصلوا على تعويضات من الضمان الإجتماعي. في حين كان يوجد حوالي 220 عاملاً مياوماً يتقاضون الحدّ الأدنى للأجور شهرياً.
ومع انطلاق عملية زراعة الشمندر السكري بشكل فعلي في شباط الماضي، تم الإعلان عن دعم هذه الزراعة بسعر 175 الف ليرة لبنانية للطن الواحد، إلا أن الهواجس تبقى هي الأقوى، خصوصاً أن لا إجراءات حمائية تحصن هذه الزراعة من الإغراق، ولا يوجد أي مؤشر بخرق الإحتكار المتوقع في صناعة السكر، بحيث أن الوضع المشحون سياسياً وأمنياً لا يشير إلى أي أمل في التوجه نحو الإستثمارات الإنتاجية الصناعية. 
 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024