مصارف خدّاعة وكاذبة: قصة 200 دولار لطالب لبناني بإيطاليا

عزة الحاج حسن

الخميس 2020/04/02
تُمعن المصارف اللبنانية بإذلال عملائها وتستمر بحجز أموالهم، بكل جرأة ووقاحة، غير آبهة بحاجاتهم والتزاماتهم، في ظل تصاعد أزمة انتشار وباء كورونا، وتداعي الأوضاع المالية والاقتصادية والمعيشية. وعلى الرغم من قطع جمعية المصارف منذ أيام الوعود أمام اللبنانيين كافة، بالتزام جميع أعضائها تحويل المبالغ المالية المناسبة للطلاب اللبنانيين المقيمين في الخارج، مشترطة أن يكون لدى الطلاب أو ذويهم حساب مصرفي في لبنان، نكست بعض المصارف بالوعود واستمرت بالمماطلة بصغار عملائها كالمعتاد.

لا بل أكثر من ذلك، لا يبدو أن تلك المصارف تتعامل مع ملف التحويلات المالية للطلاب اللبنانيين المحتجزين في الخارج، على أنه ملف طارئ وخطِر، متجاهلة ما يمكن أن يتسبب به عدم تحويل الأموال إلى طلاب محتجزين في دول أجنبية، لا يملكون ثمن طعام او دواء، فبعضها يتعامل مع ملف الطلاب وكأنهم يخصّصون الدولارات للسياحة والتبذير يميناً ويساراً، فتتشدد بتحويلات ذويهم إليهم من دون رادع أو اعتبار لحقوق أولئك العملاء أو حاجاتهم.

حالة نموذجية
وليست حالة ط.ح. وهو طالب لبناني مقيم في إيطاليا بالحالة الفريدة، فغيره كثر لم يتكمنوا بسهولة من الحصول على تحويلات مالية من ذويهم. وهنا لا نتحدث عن مبالغ مالية كبيرة، إنما عن مبالغ تقل غالباً عن 300 دولار أو 200 دولار فقط.

الطالب ط.ح. يكمل دراسته في إيطاليا على نفقة والديه، كغالبية الطلاب اللبنانيين في الخارج. وبطبيعة الحال، بدأت معاناته منذ أشهر مع تشديد المصارف القيود على التحويلات إلى الخارج. لكن هذه المرة وفي عزّ حاجته للمال، نظراً لالتزامه الحجر الصحي في إيطاليا كسائر السكان، عجز والده عن تحويل المال إليه. لكن وبعد فتح جمعية المصارف المجال لتحويل المبالغ المالية "المناسبة" للطلاب اللبنانيين المقيمين في الخارج، سارع والد ط.ح. المقيم في منطقة عكار إلى أقرب فرع للمصرف (هو من كبرى المصارف في لبنان، سنتحفظ عن اسمه صوناً لمصلحة الأب المودع من أي إجراء انتقامي، لا صوناً لسمعة مصرف سيئة أصلاً) الكائن في منطقة القبيات، فرفض الفرع تحويل 200 دولار من حسابه لابنه في إيطاليا. وكان الجواب أن التحويل يتم من فرع حلبا! وطبعاً توجه الوالد إلى فرع حلباً، علماً أنه يبلغ 65 عاماً، ومن المخاطرة أن يتواجد في أماكن مزدحمة، إلا أن فرع المصرف في حلبا رفض بدوره أن يُجري التحويل إلى إيطاليا، بحجة أن التحويل يجب أن يتمّ في الفرع الرئيسي بمنطقة الشمال أي في طرابلس.

وفي فرع طرابلس، تم رفض تحويل الأموال من العملة اللبنانية، وطُلب إليه شراء الدولارات من خارج المصرف قبل التحويل، وهو ما فعله، فكان أن اشترى 200 دولار من أحد الصرافين، بـ586 ألف ليرة، أي وفق سعر صرف 2930 ليرة للدولار. وكانت المفاجأة برفض المصرف من جديد تحويل المبلغ إلى إبنه في إيطاليا بذريعة "أن الموافقة لم تصل بعد من بيروت" أي من الإدارة العامة...

وأي موافقة سينتظرها والد ستّيني قلِق على إبنه المحجوز في بلد أجنبي ليحوّل إليه 200 دولار فقط؟ وأي أخلاق تتعامل بها المصارف مع المواطنين؟ من دون أي اعتبار لأي حقوق أو حاجات او أوضاع إنسانية..

فضح المصرف
لم يكن أمام الطالب ط.ح. سوى أن كتب منشوراً على صفحته على فايسبوك، يشكو فيه سوء معاملة المصارف وعدم مصداقيتها فيما خص وعدها بتحويل الأموال للطلاب اللبنانيين في الخارج. وعند تحقّق "المدن" من الأمر، وبعد التواصل مع الطالب ط.ح. تواصلنا مع إدارة المصرف المذكور، لاستيضاح سبب عدم المباشرة بتحويل الأموال إلى الطلاب. وكان جواب الإدارة التالي "يؤكد البنك أنه يلتزم بتطبيق ما جاء في بيان جمعية المصارف الصادر بتاريخ 29 آذار 2020 عن تحويل المبالغ المناسبة للطلاب اللبنانيّين المقيمين في الخارج، إذا كان لدى هؤلاء الطلاب أو ذويهم حساب مصرفي لدينا". وعند محاولة الإستيضاح بشأن حالة الطالب ط.ح. مع التأكيد بأنه ووالده يملكان حسابات مصرفية لدى البنك المعني، جاء الرد في اليوم التالي، بعدما اتصل المصرف بالوالد ليبلغه بالسماح له بتحويل الأموال إلى إبنه في إيطاليا. وعلى الأرجح، أن المصرف -وخوفاً من الفضيحة الإعلامية- عدّل موقفه وأنهى عذاب الوالد والطالب.

ما جرى يؤكد التزام المصرف بالتحويل.. فقط، بعد خروج الموضوع إلى العلن، متجنباً فضيحة عدم التزامه ما وعدت به جمعية المصارف. خصوصاً، أن قضية الطلاب اللبنانيين في الخارج لاقت دعماً واسعاً من قبل الإعلام والمجتمع المدني.
لكن يبقى السؤال: كم من طالب عجز ذويه عن تحويل الأموال إليه، بسبب مزاجية ومماطلة بعض المصارف في أكثر الأزمات خطورة وأشدّها حاجة للأموال؟

على أي حال، المصارف جمعت رصيداً كبيراً من الغضب عليها.. وسيتم صرفه بالتأكيد عند أول سانحة.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024