البنك الدولي للبنان: "تعا نبكي سوا"

حسن الحاف

الثلاثاء 2014/06/03

لن تحمل زيارة رئيس البنك الدولي جيم يونغ كيم إلى لبنان أي جديد. يستدل على ذلك من الإجتماع الذي جمعه برئيس الحكومة تمام سلام، والذي تلاه مؤتمر صحافي بحضور وزير المال علي حسن خليل، فضلاً عن ممثلي الدول الأعضاء في "مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان".
ذاك أن ما أظهره المؤتمر بشكل ملموس أن البنك الدولي لا يمتلك رؤية عامة ينطلق منها لإقتراح حلول للأزمة اللبنانية، من خارج إطار الوصفات القديمة التي يحملها ممثلوه جائلين فيها على دول العالم قاطبة. لعلّ الجديد هذه المرة ان رئيس البنك نفسه قرّر المجيء إلى لبنان بعد 14 عاماً من  الغياب عنه. وذلك لإبلاغ مسؤوليه بقديم، قد يتهيأ لهم - لأنه يقال على لسان رئيس البنك - أنه جديد. وإذا كان مردّ الزيارة الرئاسية إلى حراجة الوضع اللبناني، الآيل للإنهيار عند رفع الغطاء الإقليمي والدولي الحائل دونه، فإن النتائج المتوقعة منه متواضعة جداً، ولا تشي بأن المؤسسات الدولية والدول الكبرى الداعمة له مستعدة لقرن الأقوال بالأفعال. وهو الأمر الذي أكدته مداخلة كيم أكثر من مرّة، عبر تكرار دعوته للدول المنضوية في "مجموعة الدعم الدولية" إلى زيادة مساهمتها في الصندوق الإئتماني الذي أنشأه البنك  خلال مؤتمر نيويورك الذي عقد لدعم لبنان. فالأخير لم تسهم فيه حتى اللحظة إلا فرنسا وفنلندا والنروج!
على ان مداخلة كيم المقتضبة عبّرت عن تشاؤم فعلي من مستقبل البلاد، على الرغم من أنه قُدِّم في زي متفائل. فقوله "شعرت بالأمل برغم كل التقارير. إذ توقعت ان أشعر بسوء الحال وبحزن شديد، لكن الناس هنا تتجاوب مع الأمور بشكل إيجابي، والحكومة مستعدة للعمل من أجل حل هذه الأزمة"، قد يشعر سامعه بتفاؤل قلّ نظيره، وقد يبعث لدى لبنانيين كثر شعوراً بالتفوق وبالفرادة لطالما ألفوه وتغنوا به. أمّا تشبيهه تدفق النازحين السوريين إلى لبنان، بتدفق كل سكان دولة مكسيكو إلى الولايات المتحدة الأميركية، فيلغي كل مفاعيل التفاؤل السابقة! وذلك، خصوصاً، إذا ما اقترن هذا الكلام مع كلام رئيس الحكومة، السابق على مداخلة كيم.
إذ شدّد سلام على أن "لبنان في حاجة إلى دعم كبير وسريع وفاعل من قبل الأسرة الدولية ليتمكن من منع انهيار الهيكل الاقتصادي، ولينجح في إعادة المستويات المعيشية والخدماتية الى ما كانت عليه". وهو كلام يكتسب سوداويته من تصريحات سابقة لمسؤولين دوليين تنتقد تقصير المجتمع الدولي حيال لبنان، وبان مساهمته تكاد لا تتعدى ربع ما هو مطلوب لمساعدة لبنان على الصمود في وجه تحديات النزوح.
من جهة ثانية، إذا كانت زيارة كيم تهدف إلى تجميع معطيات متكاملة من أجهزة الدولية اللبنانية تشكل مادة جديدة لإعداد تقرير جديد حول لبنان والتحديات التي تواجهه، فإن التجربة السابقة، في أيلول الماضي تحديداً، لا تبشر بالخير. فقد جالت بعثة البنك الدولي على لبنان جامعة المعطيات، وأصدرت بعدها تقريراً، حدّدت فيه خسائر لبنان من جراء الأزمة السورية بـ7.5 مليارات دولار. كما توقع التقرير أن ينضم 170 ألف لبناني آخر خلال الأشهر القليلة المقبلة إلى صفوف الفقراء، ليلحقوا بمليون آخرين يعيشون بالفعل تحت خط الفقر، فضلاً عن تضاعف معدلات البطالة إلى 20%، وانخفاض نمو الناتج المحلي الإجمالي بين 2012 -2014 بـ2.9%.
المعطيات السالفة تطرق إليها سلام اليوم للقول "نحن غير قادرين على تحمل عبء النازحين بمفردنا، خصوصاً الأعباء المتزايدة في مجالات التعليم والصحة والكهرباء والبنى التحتية والخدمات العامة"، مشيراً إلى أنه "ما لحق بلبنان من أضرار سيتضاعف في حال استمرار تدفق السيل البشري". وتأسيساً على ذلك، ناشد سلام، بدوره، حكومات العالم إلى التعاون مع لبنان من أجل الحدّ من هذه الأضرار.
لقائل ان يقول: أليست زيارة رئيس البنك الدولي بحد ذاتها كافية للتدليل على جدية المجتمع الدولي حيال دعم لبنان؟
كان الأمر ليكون كذلك فعلاً، لو انه جاء إلى لبنان ليقول انه بناء على النتائج التي توصلت إليها بعثتنا في أيلول الفائت، فإن البنك الدولي قرّر توفير كل الدعم اللازم للبنان من أجل الإستجابة للتحديات الماثلة في أفقه. أما زيارته لبنان لحث العالم على مساعدة لبنان، وتحت شعار "رسالة أمل للشرق الأوسط" فهذا أمر لا يسمن ولا يغني من جوع. أقلّه بالنسبة للبنانيين والسوريين على السواء.
فضلاً عن ذلك، لم توحِ مداخلة سلام إثر الإجتماع بأن وعي الحكومة اللبنانية قد إرتقى إلى مستوى هذا الزلزال الكبير الذي يضرب لبنان والمنطقة. إذ اقتصر على التغني بنظامنا المالي الذي حمى لبنان من مفاعيل الأزمة المالية العالمية، فضلاً عن استرجاعه معدلات النمو الإقتصادي المرتفعة التي دأب لبنان على تسجيلها قبيل وصول حمم الحرب السورية إليه.
ذاك ان كلاماً من هذا النوع، يوحي بان لبنان كان يشهد إزدهاراً غير مسبوق قبيل الأزمة السورية، وان مشاكله البنيوية مستجدة، ومردها إلى تدفق اكثر من مليون نازح سوري إلى أراضيه هرباً من بطش النظام. والحال ان البون شاسع جداً بين "الحقائق" التي يتحدث عنها سلام وبين واقع الحال قبيل الأزمة. وهو ما تشهد عليه الدراسة الوطنية للأحوال المعيشية للأسر (2007) التي أعدتها إدارة الإحصاء المركزي بطلب من وزارة الشؤون الإجتماعية، والتي تكشف حجم الإختلالات الفادحة الناجمة عن النموذج اللبناني.
واقع الحال إن ما لا يجرؤ رئيسا البنك الدولي والحكومة اللبنانية على قوله ان مشاكل لبنان الإقتصادية والإجتماعية والمعيشية كانت كبيرة وبنيوية قبيل الأزمة السورية، بفعل النموذج الإقتصادي المعتمد. هذا فضلاً عن ان تدفق النزوح السوري إلى لبنان لم يظهر ان هذا النموذج معطوب فحسب، بل أظهر أنه غير قابل للحياة أيضاً. وانه، بالنتيجة، في حاجة إلى إصلاحات هيكلية محورها وضع الإقتصاد في خدمة المجتمع، لا تحويل المجتمع برمّته إلى موظف صغير في خدمة ربحية الشركات المسيطرة عليه.
وفيما كل المعطيات تشير إلى ان لبنان في حاجة ماسة إلى توسيع نفقاته الإجتماعية والإستثمارية، الأرجح أن كيم طلب من سلام تقليص نفقات الموازنة بما لا يزيد العجز فيها، وبما يبقي عجزها ضمن الحدود التي يطلبها خبراء البنك. الأرجح أيضاً انه طلب منه عدم إقرار سلسلة الرتب والرواتب إلّا بعد إجراء الإصلاحات التي نبّهت لها تقارير البنك السابقة، وجلّها يقتصر على ترشيق الإدارة العامة، وخصخصة بعض القطاعات ذات الربحية العالية بالنسبة للقطاع الخاص.   
المضحك المبكي أنه بعد لقائه وزير المال، قال كيم: تأثرنا كثيراً بما قدمه لبنان على المستوى الإنساني، وهو موجه للعالم بأسره، وننادي الجميع بالمبادرة إلى تقديم الهبات للبنان من جميع أنحاء العالم لمساندته في المحافظة على المجهود الذي قام به.
بعد هذا الكلام المؤثر، لا شيء يصف زيارة رئيس البنك الدولي إلى لبنان ولقائه المسؤولين فيه أكثر من ذاك المثل اللبناني البليغ:
"إجتمع المتعوس على خايب الرجا!".

 

 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024