الرقة.. "داعش" تقطع الكهرباء وتجبي الفواتير!

الرقة - هادي سلامة

الإثنين 2014/06/16

ألفٌ ومئتا عائلةٍ في محافظة الرقة هي عوائل موظفي الشركة العامة للكهرباء الذين حرموا من مستحقاتهم المادية لما يقارب عاماً كاملاً!
حيث أن "مكتب الكهرباء" كما أطلقت عليه قيادات تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" يشهد صراعاً حيناً ومساومات حيناً آخر، بين مسلحيه وجنود النظام السوري على مورد من أهم مورد في المحافظة، ألا وهو الطاقة الكهربائية التي يولدها سدّ الفرات المجاور لمطار الطبقة العسكري، والذي يبعد قرابة 50 كيلو متراً عن المدينة. هذا ما صرح به موظفو الشركة الذين أصبحوا ورقة تفاوض!
مفاوضات وشروط:
"روحي ولقمة أولادي"، هي كلمات الموظف أبو محمد عن ماهية المفاوضات، وبعد التوضيح من قبل زملائه تبين أن النظام اشترط إعادة إمداد الكهرباء لمحافظة الحسكة، التي تشهد عوزاً ضخماً للطاقة الكهربائية منذ أكثر من عام نتيجة توقف إمدادها بالطاقة التي يولدها السد، مقابل عودة صرف رواتب الموظفين، وقوبل هذا الشرط بالرفض من قبل قيادات "داعش"، كون الفرقة 17 تأخذ حاجاتها للكهرباء من الإمداد ذاته، بالإضافةً إلى إصلاح المحطة التي تضخ الكهرباء إلى مطار الطبقة العسكري، وتم رفضه أيضاً، ما حمل النظام إلى تنفيذ تهديداته بقصف مبنى الشركة وقسم كبير من محطات المحافظة، فأسفر ذلك عن مقتل واصابة فنيين وموظفين تابعين لورشات الإصلاح.
شكاوى وشكوك:
يستفيض أحد موظفي الإدارة السابقة للشركة شارحاً لـ"المدن" إن "وضع مؤسسة الكهرباء منذ سيطرة قوى المعارضة عليها مر بمراحل ومطبات عديدة تتجلى بنهب وسرقات من قبل جهات عديدة، سواءً كانت تتمثل بفصائل مسلحة أو حتى أفراد بحد ذاتهم مع غياب أي مسؤولية جزائية فاعلة للردع.
محركات، آليات ضخمة، روافع، إلخ، والكثير غيرها تم فقدانه، إلا أن الخسارة الفادحة ليست من منظور القيمة المادية الضخمة للسرقات فحسب، بل أن هذه التجهيزات من غير الممكن الاستعاضة عنها أو تأمين مثيلها حالياً، وهي تؤثر سلباً في إمكانية تفادي وإصلاح أي أعطال تلحق البنية التحتية لشبكة الطاقة ضمن المحافظة. بل والأكثر سوءاً أن النظام توقف تماماً عن إمداد المخازن بقطع الغيار وماكينات البدل، فالوضع في المرحلة الحالية هش للغاية، بحيث أن أي عطل ناتج عن زيادة الحمولة أو القصف قد يدخل المدينة في ظلام تام لأجل غير مسمى، وهي المشكلة التي تواجهها مناطق واسعة من ريف الرقة.
أما علامات الاستفهام التي تطرق الأذهان فهي أن المجلس المحلي يخصص ميزانية خاصة لقطاع الشركة العامة للكهرباء، ضمن دراسة دورية لاحتياجات ونواقص التجهيزات، أو هذا ما تم الحديث عنه، فلم لا يتم ترميم النقص؟ تساؤلٌ نتج عنه الكثير من أصابع الاتهام المتبادلة بين مختلف الأطراف، والضفة الوحيدة التي اجتمعوا عليها هي أن طواقم العمل الإدارية جميعاً مغيبة وبشكل كامل عن أي قرار أو تدخل بطبيعة العمل.
سياسة كف الأيادي هذه كانت وليدة تصريح عن أمير الكهرباء المكلف من قبل قيادات "داعش" بالرقة أمام حشد من الموظفين ضمن أكثر من لقاء جمعه بهم، حيث أشار إلى أن مكتب الكهرباء ليس كسائر المؤسسات الأخرى في الولاية، فتبعيته لن تكون شكلية أو ثانوية، وأي إجراء ضمن نطاق عمل هذه المؤسسة "خدمياً كان أو إدارياً" هو عائد لسلطة مباشرة من قبله دوناً عن مجلس الإدارة السابق القائم على الشركة والتابع لوزارة الكهرباء لدى النظام السوري.
سد الفرات: 
أمّا في مبنى السدّ الخاضع لسيطرة مسلحي "داعش"، القسم العام للمؤسسة المسؤولة عن توليد الطاقة، فكان البناء أشبه ما يكون بفرع أمني أكثر منه منشأةً تقنيةً خدمية، هذه السوداوية كانت عذراً للعاملين الذين التزموا الصمت الممزوج بنظرات أفصحت عن الكثير.
على أن "المدن" إلتقت بأحد مهندسي الشبكات وعدد من موظفي الطوارئ العامة، خارج نطاق ساعات عملهم الرسمي بناء لرغبتهم، حيث أوضحوا أن إنتاج السد للطاقة يصل إلى 1000 ميغا لحظياً كحد أقصى، ما يغطي حاجات الكثير من المدن السورية الغارقة في الظلمة، ويسهم السد بشكل ثانوي بتغذية المنطقة الوسطى من سورية، فتوزيع الطاقة على أنحاء البلاد يتم من خلال شبكتين أساسيتين، إحداهما في القطاع الشمالي والأخرى في الجنوب، يتم الربط بينهما ربطاً حلقياً ويصب إنتاج السد والمحطات الحرارية ضمن هذه الحلقة. غير أن خروج السد عن هذه السلسلة منذ تحرير المحافظة، سبّب خللاً ضخماً في عمل الشبكتين الأساسيتين تأثرت به إمدادات الكهرباء في ريف حلب الشرقي وقطاع من المدينة وريف حماه وإدلب إضافة لمدنهما. أما التأثير المباشر فكان من نصيب كل من محافظتي الحسكة ودير الزور.
أضاف أحد موظفي الطوارئ قائلاً: إن قصف الشبكات الفرعية ومحطات الطاقة، مع محاولة سيطرة كل من قوى المعارضة والنظام على المحطات واستخدام الطاقة كأداة ضغط على الطرف الآخر هو المشهد الذي أصبحنا جزءاً منه، وخير مثال عن ذلك هو السد بذاته، فالقرار الوحيد هنا بيد مسلحي داعش، يشمل ذلك ميكانيكية عمل السد وداراته المسؤول عنها إختصاصيون وأكاديميون، ما قد يوقعنا في أضرار جمة متفاوتة الخطورة، بالإضافة إلى أن مرجعية العمل أصبحت عائدة لما يدعى "مكتب الكهرباء"، علماً أن مؤسسة الكهرباء في السد وقراراتها كانت مستقلة تماماً عن الشركة العامة للكهرباء في الرقة، والإشراف سابقاً كان من قبل رئاسة مجلس الوزراء بشكل مباشر.
ولدى السؤال عن حقيقة العجز الضخم في تغذية الكهرباء لمدينة الرقة مؤخراً، ومدى إرتباطه بالإنخفاض الملحوظ لمنسوب المياه  في البحيرة، أجاب المصدر: لاشك في أنَّ فساد الإدارة الجديدة المتمثل بعدم ترشيد استهلاك روافد البحيرة، أثّر سلباً على توليد الطاقة، لكننا لم نصل بعد إلى مرحلة فقر الإنتاج المزعومة، هذه الرواية ليست سوى ما أرادت داعش تداوله في المدينة، فالحقيقة أن الأخيرة سمحت حديثاً بإعادة إرسال التغذية لبعض خطوط الطاقة الموجّهة نحو الداخل ( مسكنة1، مسكنة2، حماه1، حماه2 ) إثر مساومات مع النظام لا يمكن الإحاطة بشروطها وتبعاتها، ناهيك عن أنها منحت تلك الخطوط تغذية فاقت مستحقاتها من الطاقة المعهودة قبل تحرير السد بأضعاف (من50 ميغا لحظياً إلى 150 ميغا لحظياً)، بينما حاجات مدينة الرقة الكاملة للطاقة لا تبلغ سوى 100 ميغا لحظياً!

الجدير بالذكر أن داعش أمرت بجباية فواتير الكهرباء في قطاعات عديدة من المحافظة متجاهلة إستياء الأهالي، بالإضافة إلى إجراء جولات مسلحة على منازل السكان بحجة "ملاحقة سرقات الكهرباء" المقطوعة أصلاً.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024