محلات القمار تُخسّر الدولة وتفتك بالمجتمعات المحلية

عزة الحاج حسن

الأحد 2019/06/16
عندما يتعلّق قرار "قطع الأرزاق" بإقفال محال، تعتاش منها مئات العائلات في مقابل تدمير حياة ألوف العائلات، يصبح القرار صائباً لا بل حاجة ملحّة. نتحدث هنا عن محال يمارس روادها ألعاب القمار والرهانات على أنواعها من دون حسيب أو رقيب. يتخذون من بعضها ممراً لممارسة الدعارة ومقراً لترويج المخدرات. تلك المحال وإن كانت تعمل بموجب قرار وزير أو تصريح محافظ، إلا أنها مخالفة لقانون صادرعام 1995، يمنح كازينو لبنان حق الاستثمار الحصري لألعاب الميسر، كما أنها مخالفة لشتى معايير الأمان المرتبطة بهذا النوع من المحال.

في سبيل ضبط مسارب الهدر في مرافق الدولة، وتعزيز إيرادات الخزينة العامة، قرر مجلس الوزراء مؤخراً إقفال المحلات التي تمارس أعمال الميسر أو القمار بصورة مخالفة للقانون. قرار الحكومة اللبنانية لم يكن الأول من نوعه. فقد تعهّدت إحدى الحكومات منذ سنوات أمام كازينو لبنان بإقفال المحلات المخالفة، ولم تفِ بوعودها، غير أن القرار الأخير يبدو أنه يتّسم بالجدية، لاسيما أن نتائجه بدأت تتجلى من خلال إقفال محلين لممارسة القمار في الشويفات والمعاملتين، وختمهما بالشمع الأحمر، من قبل مكتب مكافحة القمار في وحدة ​الشرطة القضائية، وتوقيف 26 شخصاً بالجرم المشهود، بينهم مطلوبون للقضاء بموجب مذكرات توقيف بجرائم مخدرات وشيكات من دون رصيد.

"دكاكين" قمار
تعمل محلات القمار المنتشرة في بعض المناطق اللبنانية والتي يعتزم مجلس الوزراء إقفالها، وفق محامي أحد المحال (فضّل عدم ذكر اسمه) في حديث إلى "المدن"، بموجب تراخيص من عدد من القائمقامين. وبعضها يعمل بموجب قرار يعود إلى وزير داخلية سابق. وهي تستوفي الشروط القانونية. وإقفالها سيشرد مئات العائلات وربما الآلاف، بحسب المحامي.

لكن واقع الحال يشير إلى خلاف ذلك، فالحقائق تجعل من إقفال "دكاكين" القمار غير الشرعية أمراً بالغ الضرورة. وتكمن خطورة تلك المحال في أمرين، الأول أنها تنافس كازينو لبنان، وتساهم بخفض إنتاجيته، وبالتالي تضيّع على خزينة الدولة ملايين الدولارات، والثاني أنها تخفي ممارسات مشبوهة قد تطيح بمئات وربما آلاف العائلات اللبنانية.

هدر للملايين
بالنسبة إلى الأمر الأول، المرتبط بمنافسة المحال لكازينو لبنان، فإنها تخالف القانون الذي يمنح كازينو لبنان حق الاستثمار الحصري لألعاب الميسر. وجميع تلك المحلات التي استحصلت في السنوات الماضية على تراخيص استثمار ألعاب التسلية، تمارس لعب الميسر. وهو ما يوضحه رئيس مجلس إدارة كازينو لبنان، رولان خوري، في حديث الى "المدن". إذ أن كل الماكينات التي تدخل إليها وتخرج منها الأموال، بمعنى أن كل الألعاب التي تخضع لعملية الربح والخسارة للمال، هي ألعاب محظورة وفق القانون في كافة الأماكن باستثناء كازينو لبنان. وإذ يذكّر خوري بأن القانون واضح لجهة حظر ألعاب القمار خارج كازينو لبنان، يطالب بإقفالها وفضح كل من أمّن او سهّل عملية استحصال محلات القمار على تراخيص مخالفة للقانون، من  سياسيين وغير سياسيين، وتحديد المسؤوليات في هذا الملف.

ممارسة المحلات المخالفة للقمار يحرم الدولة من إيرادات مالية تقدر بملايين الدولارات، فبموجب قانون حصرية ممارسة ألعاب الميسر في كازينو لبنان، تتقاضى الدولة سنوياً من الكازينو نسبة 50 في المئة من مداخيله، بصرف النظر عن حجم أرباحه، في حين أنها تتقاضى سنوياً مبالغ مقطوعة من المحال غير القانونية بقيمة مليون ليرة عن كل ماكينة. ويشرح خوري أن "كل 600 ماكينة قمار في كازينو لبنان تتقاضى الدولة منها نحو 40 مليون دولار. أما من محلات القمار غير القانونية فمن كل 600 ماكينة تتقاضى الدولة 400 ألف دولار فقط. وليست الأرقام سوى دليلٍ دامغٍ على أحد طرق هدر أموال خزينة الدولة.

يُذكر أن موازنة العام 2019 تحدد حجم التحصيل من كازينو لبنان بـ138 مليون و896 ألف دولار مقابل 123 مليون و514 الف دولار في العام 2018، ومن المتوقع أن يصيب الكازينو هذه الأرقام وربما يفوقها، حسب خوري: "في حال شهدنا موسما سياحياً ناشطاً".

ممارسات مشبوهة
أما بالنسبة إلى الأمر الثاني، المتعلق بممارسات مشبوهة تخفيها غالبية محلات القمار غير القانونية، والبالغ عددها نحو 600 محل منتشر على كامل الأراضي اللبنانية، فيشير رئيس بلدية الدكوانة، المحامي أنطون شختورة في حديث إلى "المدن"، انطلاقاً من متابعته لنحو 11 محلاً للقمار في المنطقة، أن غالبيتها لا تعتمد التسلية، إنما يمارس روادها لعب القمار. كما أن بعض روادها هم من القاصرين (دون السن القانونية) وذلك بحكم قربها الجغرافي من المدارس والمعاهد. ويؤكد شختورة أن مشغّلي تلك المحلات يتغاضون عن تعاطي وترويج المخدرات بين الزبائن، إضافة الى تسهيل الدعارة تشجيعاً للزبائن على صرف الأموال.

وإذ يكشف شختورة أن أصحاب محلات القمار غير القانونية يعمدون إلى برمجة الماكينات للتواطؤ على الزبون، وسلبه أمواله، يأسف للسياق القضائي الذي أعاد فتح تلك المحلات عام 2018، بقرار من مجلس شورى الدولة، بعد إقفالها لمدة 4 أشهر بقرار صادر عن محافظ جبل لبنان السابق منصور ضو، "على أمل أن يستكمل  مكتب مكافحة القمار في وحدة ​الشرطة القضائية تنفيذ قرار مجلس الوزراء بإقفال محال القمار المخالفة".

ويكاد يكون أخطر ما في تلك المحال غير قانونية، أنها تعمل خارج إطار الرقابة الدائمة، بخلاف كازينو لبنان، الذي يخضع للرقابة من قبل جهاز أمن خاص، يشرف على كل ما يحصل داخل صالات الألعاب، إضافة الى وجود أجهزة أمنية رسمية بصورة دائمة كمخابرات الجيش اللبناني وغيرها، إضافة الى الرقابة الضريبية عبر وزارة المال، للعمل على ضبط أعمال الكازينو والتزامه عدم إدخال قاصرين أو مطلوبين أو مشتبه بهم أو موظفي القطاع العام أو محدودي الدخل أو أفراد العسكريين أو أي من الأشخاص المحظور دخولهم إلى صالات القمار.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024