اقتصاد فنزويلا.. بالأرقام

إعداد عزة الحاج حسن

السبت 2019/01/26
أعادتنا الأزمة القائمة في فنزويلا إلى سنوات "الحرب الباردة"، حين كانت دول العالم منقسمة  إلى معسكرين متحاربين، الرأسمالي والشيوعي. ودوماً ما كانت تدور تلك الحرب على أنقاض الدول المُتنازع عليها. وفنزويلا اليوم تعبث فيها أزمات سياسية واقتصادية متداخلة، دفعت بالبلد إلى "شبه انهيار".

ويكفي عرض بعض الأرقام المالية في الاقتصاد الفنزويلي، لنلتمس حجم الأزمة الاقتصادية وصعوبة الخروج منها، في الأمدين القريب والمتوسط. لكن لا بد من المرور بمسار الاقتصاد الفنزويلي، الذي تعرّض لنكسات عديدة أعقبت مرحلة من الازدهار، ومهّدت لانهيار محتّم.

النكسات
بعد أن صُنّفت فنزويلا من بين أكبر الدول المصدرة للنفط عالمياً، لتمتعها بأضخم احتياطي نفطي، يقدّر بنحو 300 مليار برميل، وشكل نحو 80 في المئة من عوائد صادرات فنزويلا عام 1999، ثم تطور بعد ذلك إلى أن وصل إلى 95 في المئة.. تعرّضت البلاد  لسلسلة نكسات، لعل أخطرها تراجع أسعار النفط عالمياً. وتحولت فنزويلا إلى واحدة من بين الدول الأكثر فقراً على الإطلاق.

وبين عامي 2004 و2011 سجّلت فنزويلا نمواً اقتصادياً مطرداً، وبنسب تتراوح بين 5 في المئة و20 في المئة، كما تمكنت من تحسين وضع الأسر، وزيادة نسبة الأسر التي تعيش فوق خط الفقر، من 52 في المئة إلى 72 في المئة، أي أنها تمكّنت من تسجيل تراجع منتظم في الفقر المدقع، من عام 2003 وحتى  العام 2012.

الانحدارات
وبعد أن كانت تنتج فنزويلا 3.2 ملايين برميل نفط يومياً قبل 10 أعوام، تراجع إنتاجها النفطي بشكل ملحوظ، خلال السنوات الماضية، إذ بلغ أقل بكثير من 1.4 مليون برميل يومياً. ومنذ أن بدأ التدهور في أسعار النفط عالمياً، عام 2015، سلكت مالية فنزويلا المسار الانحداري، وبسرعة فائقة. إذ سجلت نسبة عجز مالي نحو 20 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، في نهاية عام 2015. وبلغ الدين الخارجي 150 مليار دولار، وكرّت سبحة الانحدارات.

ومنذ منتصف العام 2015، دخلت فنزويلا في النفق المظلم، حين انخفضت أسعار النفط عالمياً من 115 دولار في منتصف عام 2014 إلى مستوى نحو 27 دولار في بداية العام 2016، قبل أن يعود ويتعافى نسبياً ويدور في محيط الـ60 دولاراً للبرميل.

ففي عام 2015، بلغ العائد الفنزويلي من الصادرات النفطية نحو 27.8 مليار دولار، مقابل 71.7 مليار دولار في العام 2014، ومع تطور الأزمات السياسية والاقتصادية في فنزويلا، انخفض إنتاج النفط في السنوات الثلاث الماضية، وتراجع بنحو 20 في المئة عن مستواه في العام 2015.

ومع تراجع عائدات النفط تقلّصت برامج فنزويلا الاجتماعية، وانخفض نصيب الفرد من الناتج الإجمالي المحلي، بأكثر من الثلث، منذ عام 2012. واتسعت دائرة الفقر المدقع، وشملت أكثر من 1.5 مليون شخص، وارتفعت وفيات الرضع بأكثر من 30 في المئة، بين عامي 2015 و2016. وبلغت نسبة الأطفال الذين يعانون سوء تغذية حاد أكثر من 11 في المئة.

انهيار العملة
ومنذ انتخاب الرئيس الفنزويلي الحالي نيكولاس مادورو عام 2013، تعرّضت فنزويلا لعقوبات اقتصادية أميركية، وانخفضت العملة المحلية "البوليفار" بنحو 99 في المئة، وتقوم عملة فنزويلا حالياً بثلاثة أسعار للصرف، وفقاً لسعر صرف البنوك المركزية، والسعر في السوق السوداء، وسعرها المستخدم في الصادرات.

وفي تموز 2018، أعلن صندوق النقد الدولي أن فنزويلا في حالة "انهيار اقتصادي"، وسط معاناة البلاد من تضخم مفرط، غير مسبوق، منذ منتصف القرن الماضي. ورغم ارتفاع أسعار النفط عالمياً، إلا أن فنزويلا سجّلت مزيداً من الإنكماش الاقتصادي، مع وصول التضخم في العام 2018 إلى 14.000 في المئة. ويُعَدّ، حسب صندوق النقد، رقماً مفرطاً لا يوازيه سوى زيمبابوي، والتضخم التاريخي الكبير بين الحربين العالميتين.

وقامت فنزويلا بخفض قيمة العملة بشكل هائل، وعمدت السلطة إلى حذف 5 أصفار، كجزء من الإجراءات الهادفة لوقف انهيار الاقتصاد، ولجم التضخم الكبير. إلا أن الأزمة الاقتصادية التي ترافقت مع ارتفاع في الأسعار بمعدل 50 في المئة شهرياً، ونقص في المواد الغذائية والأدوية دفعت نحو 3.2 مليون فنزويلي إلى الهجرة منذ عام 2015، غالبيتهم توجهوا إلى دول في أميركا اللاتينية، هرباً من البؤس والفقر، وبحثا عن أدنى مقومات العيش.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024