المصارف توحّد إجراءاتها "القاسية": الهلع مستمر

عزة الحاج حسن

الثلاثاء 2019/11/19
تستأنف المصارف اللبنانية فتح أبوابها، يوم الأربعاء 20 تشرين الثاني، بعد نحو 11 يوماً على الإغلاق، تحت ذريعة إضراب موظفيها. وقد تركت لمدراء الفروع حريّة اتّخاذ القرار المناسب بشأن فتح أبوابها اليوم الثلاثاء، نظراً لانطلاق تظاهرات شعبيّة وسط بيروت تزامناً مع انعقاد الجلسة العامة لمجلس النواب.

في نهاية المطاف سيعود القطاع المصرفي إلى عمله. لكن ليس كالمعتاد. فالمصارف ستبدأ رسمياً باعتماد تدابير قاسية بحق زبائنها ومودعيها، الذين لا خيارات أمامهم سوى الخضوع لتلك الإجراءات تحت طائلة المواجهة مع عناصر القوى الأمنية، المتواجدة في الفروع المصرفية. فما هي الإجراءات المصرفية الجديدة؟ وهل ستعيد بناء الثقة لدى زبائن المصارف وتردعهم عن التهافت على السحوبات النقدية؟ وهل ستتمكن التدابير الجديدة من ضبط الفوضى في المصارف؟ وهل فعلاً تحتاج المصارف إلى مؤازرة أمنية للوقوف في وجه الزبائن؟

ضوابط تصاعدية
دأبت المصارف منذ أشهر، أي منذ بروز أزمة شح الدولار، على تطبيق إجراءات تصاعدية ضابطة لحركة الأموال، وصلت إلى مستوى متشدّد جداً أحدث هلعاً بين الزبائن، قابله فوضى في المصارف وإرباكاً لدى الموظفين، أضف إلى أن الإجراءات المصرفية المستجدة بحق الزبائن والمودعين تجاوزت كل الاعتبارات القانونية.

كل تلك الأجواء عزّزت حالات التصادم بين موظفي المصارف وعملائها، ما دعا باتحاد نقابات موظفي المصارف إلى تنفيذ إضراب مفتوح، على الرغم من عدم تسجيل أي حالة تعدي مباشر على موظف مصرفي، إلى حين اتخاذ إجراءات أمنية لحماية الفروع المصرفية وموظفيها من جهة، ووضع تدابير موحدة لدى المصارف في تعاطيها مع عملائها من جهة ثانية، وكان لها ما أرادت.

فيما يتعلّق بالشق الأمني، فقد تجاوبت وزارة الداخلية والمديرية العامة لقوى الأمن الداخلي ووضعت خطة أمنية متكاملة لحماية المصارف من "زبائنها"! أبرزها فرز ما لا يقل عن 1567 عنصراً أمنياً وتوزيعهم على 947 فرعاً من فروع المصارف المنتشرة على كامل الأراضي اللبنانية. وكأن المصارف تسعى من خلال الإجراءات الأمنية إلى لجم الزبائن "بالقوة" عن المطالبة بحقوقهم، حتى أن البعض ذهب إلى اعتبار أن المصارف تقوم بتحميل الدولة اللبنانية كلفة حماية "قرصنتها" لأموال زبائنها.

أما لجهة التدابير التي وضعتها جمعية المصارف، لتسهيل وتوحيد وتنظيم عمل الموظفين اليومي، في ظل الأوضاع الاستثنائية الراهنة، والتي وصفتها بـ"المؤقتة"، فلا تختلف عما كان يواجه الزبائن في الفترة الأخيرة، مع فارق أساسي هو توحيدها بين جميع المصارف واعتمادها رسمياً، وتتلخص التدابير بالآتي:

1-لا قيود على الأموال الجديدة المحولة من الخارج.

2-التحويلات إلى الخارج تكون فقط لتغطية النفقات الشخصية الملحّة.

3-لا قيود على تداول الشيكات والتحاويل واستعمال بطاقات الائتمان داخل لبنان.

4-تحديد المبالغ النقدية الممكن سحبها بمعدل ألف دولار أميركي كحد أقصى أسبوعياً لأصحاب الحسابات الجارية بالدولار.

5-الشيكات المحرّرة بالعملة الأجنبية تدفع في الحساب.

6-يمكن استعمال التسهيلات التجارية داخلياً ضمن الرصيد الذي وصلت إليه بتاريخ 17 تشرين الأول 2019.

7-دعوة الزبائن إلى تفضيل استعمال بطاقات الائتمان، خصوصاً بالليرة اللبنانية، لتأمين حاجاتهم.

تدابير "مقلقة"
التدابير المذكورة، وإن كان توحيدها بين المصارف أمراً ملحاً، غير أنها غير مطمئة للمودعين وزبائن المصارف، وإذا فنّدنا بعض البنود ومنهم البند رقم 2 (أن تكون التحويلات إلى الخارج فقط لتغطية النفقات الشخصية الملحة)، من المرجح انه سيدفع إلى استمرار المواجهة بين المودعين وموظفي المصارف لأسباب عديدة، أولها التباس تعبير النفقات الشخصية الملحة وفتح المجال للتعامل باستنسابية مع الحالات التي تنطبق عليها صفة "الملحة"، أضف إلى رواج معلومات تؤكد تسلّل أموال طائلة إلى خارج البلد خلال فترة إقفال المصارف، في حين تُمنع أي تحويلات مالية إلى الخارج من قبل الشركات والمؤسسات، رغم دخولها مرحلة ركود خطيرة.

أما فيما خص البند رقم 3 (لا قيود على التحاويل واستعمال بطاقات الائتمان داخل لبنان) و7 (دعوة الزبائن إلى تفضيل استعمال بطاقات الإئتمان) فما لم تأخذه المصارف بالإعتبار هو أن هذا البند جاء متأخراً، إذ أن شح السيولة في الأسواق دفع بعدد كبير من المحال والمتاجر والمؤسسات إلى رفض تقاضي الأموال من الزبائن عبر بطاقات الائتمان، وحصرها بالدفع النقدي (الكاش) فقط.

أفضل الممكن
التدابير المصرفية الجديدة، وإن كانت قاسية، غير أنها ضرورية في المرحلة الراهنة، وفق ما يرى الخبير الإقتصادي والأستاذ الجامعي لويس حبيقة في حديثه إلى "المدن"، فالمصارف تتعرض لضغط الطلب على الدولار، في حين أنها تواجه شح العملة الأجنبية في الفترة الأخيرة لأسباب عديدة. وفي الوقت الحاضر، لا تملك المصارف خيارات سوى اتخاذ هذه الإجراءات الوقائية. لكن يبقى الأهم هو توحيدها بين جميع المصارف.

وإذ يشدد حبيقة على أن الإجراءات الوقائية من شأنها حماية المصارف في هذا الظرف الاستثنائي، وبالتالي هي وقائية لأموال الناس وللبلد عموماً، يرى أنه كان لا بد من طريقة تلجم خروج الدولار من البلد إلى حين انتهاء الأزمة السياسية، التي تسببت بالأزمة المصرفية وليس العكس، "ونحن غير مسرورين بالإجراءات المصرفية القاسية ولكننا نتفهم أسبابها"، يقول حبيقة.

لضمان الودائع
الإجراءات "الوقائية" التي ستعتمدها المصارف تبقى منقوصة وغير كافية لإعادة الثقة المتزعزعة حالياً بالمصارف، وفق الخبير الاستراتيجي في أسواق البورصة العالمية والشؤون الاستثمارية جهاد الحكيّم، في حديث إلى "المدن". إذ لا بد أن تقترن برفع قيمة الضمانة على الوديعة أقله إلى 100 مليون ليرة. فمن شأن ذلك أن يخفّف من هلع الزبائن ومخاوفهم حول ودائعهم وأموالهم.

ويكاد يكون أخطر ما غاب عن تلك الإجراءات، وفق الحكيّم، عدم تقديم أي حلول أو تسهيلات تضمن ديمومة القطاعات الإنتاجية والقطاع الخاص، في ظل الضوابط القاسية على حركة الأموال والتحويلات، فإن ذلك سيُفقد المؤسسات نشاطها وسيزيد بالتالي حالات الصرف العمالية. ويرى الحكيّم أنه كان على جمعية المصارف مصارحة الجمهور بالأسباب الحقيقية لتلك الإجراءات وتحديد الفترة الزمنية لاعتمادها وقوننتها. والأهم من كل ذلك، ضرورة زيادة قيمة الضمانات على الودائع، "فكل إجراء مصرفي متشدّد سيزيد القلق والهلع بين الزبائن. من هنا، لن يكون الحل بمنع السحوبات، بل بتقديم تطمينات وضمانات تردع الناس عن السحب".

يُذكر أن القانون الرقم 110 عام 1991 تناول إصلاح الوضع المصرفي، وتضمن تعديل قيمة الضمانة للوديعة من مليون ليرة إلى 5 مليون ليرة أو ما يعادلها بالعملات الأجنبية، ثم خضع عام 2008 لمطالبات بتعديله ورفع قيمة الضمانة على الوديعة إلى 100 مليون ليرة، إلا أن البنك المركزي تريث آنذاك. واليوم حان الوقت لتعديل القانون المذكور وتقديم ضمانات للمودعين تعيد إليهم الثقة بالقطاع المصرفي.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024