إجراءات جديدة من بنك بيبلوس: عمولات تفوق قيمة الفوائد

خضر حسان

الإثنين 2020/10/12
حافَظَت المصارف على مسارها الذي انتهجته منذ ما قبل الأزمة المالية والاقتصادية. إذ دائماً ما كانت سبّاقة إلى ابتكار آليات وشروط وأحكام تُطبّقها على "خدماتها" المُقَدَّمة لعملائها. وفي حين كانت تصف نفسها بأنها رافعة الاقتصاد وحاميته، أكّدت المصارف أنها رافعة النظام الفاشل وحاميته. وليس العملاء سوى ضحايا الاضطرار الذي فرضه تحالف السياسة والمال.

فائدة بغلاف العمولة
ليست قرارات المصارف وإجراءاتها سرّاً، فهي تجاهر بخطاياها وتبرّرها، وتمارس لعبة الربح لنفسها، فيما الخسارة تُحمّلها للعملاء أو الدولة التي تُحاصِصها في السِلم، وتنبذها في الأزمات. ومِن هنا، أتى هجوم المصارف بالأمس القريب على حاكم مصرف لبنان والحكومة، حين قالت المصارف أنّها موَّلَت الدولة، لكنها غير مسؤولة عن سُبُل إهدار الأموال وسوء استخدامها. 

الدولة وحاكم مصرفها المركزي غائبان تماماً عن ضبط الأمور، تاركين للمصارف حرية اختيار القرارات المناسبة لها، وإن بعشوائية. وآخر القرارات الجائرة، هو لجوء بنك بيبلوس إلى إلزام عملائه - ممّن يحملون البطاقات الائتمانية Credit cards ذات الحسابات الدولارية، ويرغبون بسداد المبالغ الشهرية المستحقّة بالليرة اللبنانية وفق السعر الرسمي - بسداد القيمة مع فائدة بنسبة 15 بالمئة، أي بنسبة سنوية تبلغ 180 بالمئة، علماً أن الفائدة الشهرية على المشتريات، تبلغ 1.5 بالمئة، وعلى السحوبات النقدية Cash تبلغ 2.5 بالمئة، وفق ما يؤكّده أحد عملاء البنك، الذي تبَلَّغَ عدم كفاية المبلغ الموضوع في الحساب لسداد قيمة الدفعة الشهرية للبطاقة. ولدى تأكيد العميل أن المبلغ الموجود في الحساب يفوق قيمة الدفعة التي اعتاد سدادها، أكّد البنك بأنّه عدَّلَ العمولة على السحوبات، لتصبح 15 بالمئة على القيمة الاجمالية للدفعة، أو يمكن للعميل سداد القيمة بالدولار من دون العمولة المذكورة.

فارق سعر الصرف
يُلقي البنك بالمسؤولية على مصرف لبنان "فهو يعطينا الدولار وفق سعر 3900 ليرة، ونحن نأخذ من العملاء ليرة لبنانية مقابل قروض الدولار، وفق سعر 1515 ليرة"، حسب ما تقوله مصادر في بنك بيبلوس.

في عُرف المصارف، هذا الفارق في القيمة يجب أن يدفعه المواطن. إذ لا يحتمل الأمر تسعير الخلاف بين المصارف والمصرف المركزي. والأخير، لن يتحرّك لنصرة المواطنين الذين باتوا الحلقة الأضعف في هذه المعركة.

وعليه، تؤكّد المصادر في حديث لـ"المدن" أن "البنك لجأ إلى زيادة العمولة لتعديل فارق القيمة، لأن استمرار العملاء بتسديد القروض الدولارية وفق السعر الرسمي، يكبّد المصارف خسائر كبيرة. وبين مصلحة المصارف ومصلحة المواطن، تختار المصارف مصلحتها، فهي اليوم أمام معركة وجود".

وتعيد المصادر قرار البنك إلى وجود "أشخاص لديهم حسابات بالدولار ويصرّون على سداد قيمة التزاماتهم بالليرة، بعد تصريف الدولار في السوق السوداء ودفع المستحقات بحسب السعر الرسمي". وترفض المصادر تسمية نسبة الـ15 بالمئة بالفائدة، "لأنها عمولة. ويحق للمصارف تعديل عمولاتها بحسب الشروط والأحكام".

ما هي تلك الشروط والأحكام؟ بنظر المصادر "هي إجراءات تُتَّخَذ بناءً على معطيات لدى الإدارة". وما هي تلك المعطيات؟ لا أحد يعرف، فهي أشبه بالمعلومات السرّيّة ظاهراً والمفضوحة علانيّة. فتتَبُّع طريق المصارف وإجراءاتها، يدلّ على أن المعطيات هي حجم أرباح أصحاب المصارف.

قرار عشوائي
حتى الآن، قرار بنك بيبلوس يقتصر على البنك وحده، فهو غير صادر عن جمعية المصارف، وجرى تنفيذه منذ نحو اسبوعين، من دون تعميم ذلك بشكل علني، تفادياً لردود فعل جماعية من قِبَل حاملي البطاقات، وكذلك درءاً لتسليط الإعلام الضوء على القرار بشكل مكثَّف. 

لكن "من غير المستبعد أن تتبنّى المصارف الأخرى قرار بنك بيبلوس، لأنها جميعها متضررة"، على حدّ قول المصادر التي تعترف بأنه "كان على إدارة البنك لَحْظُ قيمة تسلسلية للعمولة، تتناسب مع حجم المبلغ المسحوب بواسطة كل بطاقة، ويراعي حجم الأموال التي يحملها كل حساب دولاري، فمن غير المقبول وضع العمولة عينها على أصحاب الحسابات التي تحتوي على مئات ألوف الدولارات، وعلى أصحاب الحسابات الصغيرة. لكن في النهاية مصلحة البنك هي الأَولى".

استسهال الإدارة اعتماد نسبة مئوية تفوق قيمة فوائد القروض الشخصية، التي عادةً ما لا تتجاوز الـ11 بالمئة، يدلّ على عشوائية اتخاذ القرار. خصوصاً وأن المصارف ترفض سداد المستحقات دفعة واحدة، بل تفرض دفعها شهرياً، تحسّباً لأي قرار مُحتَمَل من مصرف لبنان يرفع سعر الصرف الرسمي، فتتقاضى المصارف عندها قيمة أكبر. كما أن قرار بنك بيبلوس، يعني الإطاحة بصغار العملاء غير القادرين على احتمال الفوائد الجديدة، وبعضهم يواجه وقتاً طويلاً لسداد قيمة سحوبات البطاقة الائتمانية، يصل إلى نحو سنة، من دون ضمان عدم ارتفاع نسبة العمولة مستقبلاً أو اختراع قيمة أخرى لتحصيل أرباح إضافية.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024