صفقات وزير الطاقة ومشاريعه: السمسرة باقية.. والكهرباء مؤجلة

خضر حسان

الأربعاء 2020/06/24
بعد نحو 10 سنوات على موافقة الحكومة على خطّة الوزير السابق، جبران باسيل، لإنقاذ قطاع الكهرباء، وفي ذروة الحاجة إلى مؤشرات إيجابية تساهم في الخروج من الأزمة التي يتخبّط بها لبنان، يأبى وزير الطاقة ريمون غجر النطق بغير الحقيقة: لا تطوير لقطاع الكهرباء.

لا مؤشرات سوى على استمرار النزف في القطاع. فلا إصلاحات، بل رهان على الوقت المكتسب تحت وطأة الأزمة الاقتصادية والنقدية، لتمرير المشاريع التي تشوبها العراقيل السياسية، وأبرزها معمل دير عمار 2، أحد المشاريع التي يسعى لتحقيقها "التيار الوطني الحر".

سمسرة علنية
يلخّص مشروع إنشاء معمل دير عمار 2، مجمل المماطلة التي يبرع بها القابضون على قطاع الطاقة. إذ مرّ مشروع دير عمار بسلسلة من المحطّات التي لم تخلُ من الشبهات، حتى رسى الملف على انتظار الشركة اليونانية، المفترض بها التزام المشروع، لقرار صندوق النقد الدولي حيال الأزمة اللبنانية، لتتّخذ قراراً إما بترك المشروع أو التزامه بشكل رسمي. وفي المقابل، ينتظر لبنان ما ستقرره الشركة، من دون البحث عن جهة أخرى قد تهتم بالتزام المشروع، فيما لو قررت الشركة اليونانية الاعتذار.

لا يجد غجر ما يعلل به الانتظار، فهو يقرّ بأن لا عقد رسمياً ونهائياً مبرماً بين الدولة والشركة اليونانية، ولا غرامات تترتّب على أي طرف، في حال أعلن أحد الطرفين عدم رغبته في استكمال المشروع، أو التعاقد مع الطرف الآخر. ومع ذلك، تصرّ الطبقة السياسية على ربط مصير المعمل بالشركة عينها.

يبطل العجب إذا ما عُرِفَ أن تحوّلاً جذرياً أصاب نوع العقد المنوي إنشاء المعمل وفقه، فهو انتقل شكله من عقد يُبقي ملكية المعمل بيد الدولة، إلى عقد خصخصة بنظام BOT تنتقل ملكية المعمل بواسطته إلى الدولة بعد 20 عاماً من استثماره من قبل الشركة اليونانية، التي وقّعت عقد شراكة مع شركة أخرى يملكها كلٌّ من الأخوين ريمون وتيدي رحمة وعلاء الخواجة!

وعموماً، يخضع قطاع الطاقة إلى جملة من القيود التي تكبّل تقدّمه، إحداها الإصرار على تنفيذ معمل دير عمار من دون ضوابط محددة، وعلى رأسها المهلة الزمنية. وذلك لترك المجال مفتوحاً أمام أي تعديل لصالح القوى السياسية. واللافت أن وزير الطاقة يرمي الكرة في ملعب الحكومة، باعتبارها قد وافقت على المشروع. وكأنّ موافقة الحكومة على مشروع بشروط مبهمة، هو أمر طبيعي.
لم يقصد غجر أن يكون كلامه بهذا الوضوح، لكن لم يملك حيلة وسط علامات الاستفهام البديهية التي تُطلَق حول مشاريع الكهرباء التي لم تُنفَّذ، وتلك التي صُوِّرَت على أنها خشبة الخلاص للقطاع، وعلى رأسها مشروع مقدّمي الخدمات وبواخر الطاقة، فيما الحقيقة عكس ذلك.

ضمانة صندوق النقد
سلّمت القوى السياسية عنق قطاع الطاقة إلى الشركة اليونانية وشركائها، وليس ذلك وليد صدفة، بل هو فعل مقصود للضغط على الدولة لتنفيذ المشروع وفق مصلحة الجهات المستفيدة.

لكن انفجار الأزمة النقدية والاقتصادية في لبنان، أجّل الآمال المعقودة على المشروع، ورجّحَ الكفّة أكثر لصالح الشركة اليونانية وأعوانها. فالشركة تشترط حالياً لقبولها المشروع، باجراء لبنان الإصلاحات التي طلبها صندوق النقد الدولي بما يتعلّق بقطاع الطاقة، وعلى رأسها تعيين مجلس إدارة لمؤسسة كهرباء لبنان وتعيين الهيئة الناظمة للقطاع.

هو مطلب قديم، كانت القوى السياسية ترفض تحقيقه، مخافة عرقلة إتمام الصفقات والسمسرات. ومع ذلك، يصوّر غجر المطلب بصورة الشروط التعجيزية، متناسياً ان أوضاع البلاد لم تعد تؤثر فقط على مشروع معمل دير عمار، وانما على كافة المشاريع المنوي إجراؤها. فكل الشركات الأجنبية باتت تنتظر الضمانات التي سيقدّمها صندوق النقد. أي أن البلاد ما عادت جاذبة للاستثمارات، ولن يصطلح حالها إلاّ إذا وافق الصندوق على تعديل توصيفه للبنان، من سيء إلى جيد.
هذه الضمانات هي شهادة من الشركات العالمية على الفساد المستشري في أكثر من قطاع، ودلالة على عمق الفساد، وعدم الثقة بالطبقة السياسية، التي وعدت سابقاً باجراء الاصلاحات منذ مؤتمر سيدر وما قبله.

إذاً، معمل دير عمار معلّق، ومعه أي مشروع تطويري في قطاع الكهرباء. ومع ذلك، يؤكد غجر أن الإصلاح ممكن. فلماذا لم يحصل؟ 
التعقيدات لا تقف عند عرقلة التنفيذ. إذ من الممكن أن تطالب الشركة اليونانية تعويضات من لبنان، لقاء انتظارها إجراء الإصلاحات لتنفيذ المشروع. ووزير الطاقة لم ينفِ هذا الاحتمال، رغم تأكيده عدم ترتيب أي كلفة على لبنان. وهذا التناقض المبهَم، دليل إضافي على قطبة مخفية موجودة في صيغة العلاقة بين وزارة الطاقة والشركة.

التخبّط الذي وقع به غجر، أوصله إلى وضع خلاصة واضحة لمشروع دير عمار: "هناك صعوبة في المشروع، بسبب استحالة تأمين الشروط التي تطلبها الشركة". أي عدنا إلى نقطة الصفر.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024