أي ثقة من دون معالجة قنبلة الدين؟

علي نور الدين

الأربعاء 2016/12/28

لا يبدو البيان الوزاري مختلفاً عن البيانات الوزاريّة السابقة لجهة غياب المقترحات والخطط الفعليّة عنه. فقد غلبت على صفحات الست العموميّات والعناوين لجهة المشاريع المرتقبة. وبدا من جهة العناوين السياسيّة أشبه بفسيفساء تجمع عناوين متنافرة بحسب أولويّات كل قطب من المشاركين في الحكومة.

يحتل مجمل الصفحة الأولى استطراد فصيح في توصيف الأجواء الإيجابيّة التي تنطلق منها الحكومة، التي أطلق عليها تسمية "استعادة الثقة". هنا يطول الكلام عن أهميّة استعادة الثقة بالمؤسّسات والدولة، وإعادة التأكيد على الوفاق الوطني وروح الميثاق وحل المشاكل عبر الحوار. ولا يُمكن بسهولة فهم سبب تضمين البيان الوزاري كل هذه المساحة لهذا النوع من البلاغة في الكلام.

في الجزء التالي، ينطلق البيان من تعداد الخطوات التي ستتخذها الحكومة على الصعيد المالي، وأبرزها إقرار موازنة 2017 "وتقديم مشاريع قوانين لتعزيز القطاعات الإنتاجيّة". لكن ما يعدّده البيان هنا هو الدور الطبيعي والدستوري للحكومة، ولا يتضمّن أي خطوة يمكن أن نقيّم على أساسها الأداء المتوقّع منها.

فمثلاً، لا يصف البيان- بمناسبة الكلام عن الموازنة- أي فكرة للسيطرة على العجز المتفاقم في الموازنة، خصوصاً أنّ تكريس العجز السنوي فاقم الدين العام، إذ احتل لبنان المرتبة الثالثة عالميّاً في نسبة الدين من الناتج المحلّي. فكيف يمكن للمواطن أن يستعيد الثقة في حكومة لا تملك خطّة لمعالجة قنبلة موقوتة بهذا الحجم، خصوصاً في ظلّ التجارب المريرة التي رأيناها في دول أخرى جرّاء أزمة الديون السياديّة؟

ولا يقدّم البيان أفكاراً للقوانين أو الخطوات المرتقبة لتعزيز القطاعات الإنتاجيّة، في ظلّ مشاكل متراكمة في القطاعين الزراعي والصناعي بعد فقدان القدرة على التصدير البرّي. لا كلام عن حل أزمة الطاقة التي تهدّد قدرة هذه القطاعات على الاستمرار، ولا عن خطوات لدعم قدرتها التنافسيّة. كان يمكن للبيان أن يتناول حلولاً لبحرٍ من المشاكل التي تغرق فيها هذه القطاعات. لكنّ الحكومة الجديدة استعاضت عنها بجملة لا تعطي كثيراً من التفاؤل في هذا المجال.

وعلى هذا المنوال يتابع البيان تعداده الرتيب لعناوين سريعة تختصر أزمات عميقة ومزمنة، بأقل جديّة ممكنة ومن دون ذكر أي حل أو فكرة حقيقيّة. فيمر في جملة واحدة على "المشاكل المزمنة (...) من الكهرباء وصولاً إلى المياه مروراً بأزمات السير ومعالجة النفايات الصلبة".

هكذا، تختصر هذه الجملة بكلمة واحدة مشكلة مؤسسة كهرباء لبنان المزمنة منذ التسعينات، وهي مؤسسة مسؤولة وحدها عن 29% من العجز في ميزانيّة العام 2015. وتختصر كذلك مسألة معالجة النفايات، التي مازالت تراوح بين حلول مؤقّتة ومضرّة من دون أي حلٍّ فعلي. ويمرّ البيان مرور الكرام على مشكلتي السير والمياه المرتبطتين بمشاكل أكثر عمقاً تخصّ البنى التحتيّة والتنظيم المدني.

الأهم من ذلك، هو أسلوب البيان في تناول قضيّة الفساد، إذ يشدّد على الوقاية منه بكف اليد السياسيّة عن الجهات الرقابيّة. ومن المفيد ذكره أنّ تناول قضيّة الفساد بهذا الشكل هو نقطة مشتركة بين معظم البيانات الوزاريّة السابقة. وهي بيانات صاغتها القوى السياسيّة نفسها المنضوية في الحكومة اليوم. وهي بالإضافة إلى ذلك مجمل (أو معظم على أقل تقدير) القوى السياسيّة المطلوب كف يدها عن الجهات الرقابيّة.

لا كلامَ إضافياً عن الأدوات التي ستتّبعها الحكومة في مكافحة هذه الظاهرة المتفشّية في إدارات لبنان الرسميّة، والمسؤولة عن قدرٍ كبيرٍّ من الهدر في موارد البلد الماليّة. ولا كلام عن الإدارات التي سيتمّ تعزيز دورها في المرحلة المقبلة لمكافحة هذه الظاهرة، ولا عن طريقة تعزيز هذا الدور.

ربما يعكس البيان الوزاري تركيبة الحكومة نفسها، بوصفها مجموعة من الأفرقاء الذين لا تجمع بينهم أي رؤية متجانسة، وربّما حتّى لا يملك كلّ منهم على حدة أي أفكار أو حلول. ولا يبدو من البيان الوزاري أنّ هناك نيّة بتغيير أسلوب تعاطي الحكومة مع المشاكل المطروحة أمامها.

أخذ الثّقة نيابيّاً مضمون بحكم الأكثريّة المشاركة في الحكومة، لكنّها شعبيّاً لن تُمنح من دون خطوات لتغيير أسلوب إدارة الشأن العام. فكيف إذا كانت ثقةً مفقودة والمطلوب "استعادتها"؟

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024