تطوير تكنولوجيا المعلومات: الفقراء لا يأكلون الإنترنت

خضر حسان

الأربعاء 2019/03/20
يشارك سياسيو البلاد في المؤتمرات المحلية والإقليمية والعالمية. يتأكدون من إتمام مراسيم الاستقبال. يطمئنون إلى التقاط الكاميرات لصورهم. يُطلقون الشعارات والوعود، ويغادرون قاعة المؤتمر. وأحياناً كثيرة من دون تناول أيّ من أصناف الحلويات أو العصير المخصص للضيافة.

هو حال "المنتدى العربي الثاني الرفيع المستوى للقمة العالمية لمجتمع المعلومات وأجندة 2030 للتنمية المستدامة"، الذي افتُتح في مبنى الإسكوا في بيروت، يوم الثلاثاء 19 آذار. إذ احتشدت الكلمات التي سبقت جلسات المناقشة. وكلّها أكدت على أهمية تكنولوجيا المعلومات وانعكاسها على النمو الإقتصادي في البلاد العربية والعالم. أمّا على أرض الواقع، فالدول العربية ما زالت تغرّد بعيداً عن الاقتصاد الرقمي وتكنولوجيا المعلومات، مقارنة مع الكثير من دول العالم.

واقع تكنولوجيا المعلومات العربية
تختلف معدّلات التنمية والنمو الاقتصادي بين الدول العربية، غير أنها تجتمع معاً في هدرها للإمكانات التكنولوجية الكامنة لديها، إذ "لا تزال بلداننا العربية في عداد البلدان التي لم تقم بتطويع التكنولوجيا لتحقيق التنمية المستدامة"، وفق ما تقوله الأمينة التنفيذية للإسكوا، رولا دشتي، التي كشفت أن "91 في المئة من الإمكانات التكنولوجية في الدول العربية، غير مستغَلّة. والصادرات العربية من المنتجات التكنولوجية لا تتعدى 1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلدان العربية". 

وبرأي دشتي، فإن واقع تكنولوجيا المعلومات في العالم العربي يعود إلى "ضعف السياسات المعنية بالتكنولوجيا، والمحفّزة للإنتاج التكنولوجي والإبتكار، وتدنّي كفاءة الإنفاق في البحث والتطوير العلمي، إلى جانب ضآلة الإنفاق على البنية الأساسية للتكنولوجيا، وعدم التنسيق بين مراكز الإبتكار والبحث العلمي".

تأتي هذه المعطيات كدليل على ان الأنظمة العربية لم تُعر بعد اهتماماً كافياً بقطاع تكنولوجيا المعلومات، مع أن الكوكب كله بات محكوماً بالتكنولوجيا الرقمية بكافة أشكالها، حتى أن الاقتصادات المتقدمة، لم تكن لتحقق خطوات أوسع في مسار تطوّرها، فيما لو لم تعتمد على التكنولوجيا عموماً، والتكنولوجيا الرقمية خصوصاً. وانطلاقاً من هذه العلاقة، تؤكّد الإسكوا على العلاقة التأثيرية بين تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والنمو الإقتصادي. فتكنولوجيا المعلومات والاتصالات أثّرت جلياً في تطوير المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، حين أضحت الشركات الصغيرة قادرة على تحسين كفاءة عملياتها الداخلية.

لبنان يتخبّط
يحاول سياسيو لبنان، مع تشكيل الحكومة الحالية، التي تجهد لتصوير نفسها بأنها حكومة مختلفة عن الحكومات السابقة، الظهور وكأنهم آتون من حقبة زمنية لا تمتّ لما ولمن اختبرهم اللبنانيون لعقود. حتى أن هؤلاء فاقوا أنفسهم تحدياً حين تسابقوا لطرح ملف مكافحة الفساد، حتى خُيِّل إليهم، ولجماهيرهم، أن حال البلاد ستتغيّر، وسيزدهر الاقتصاد، وسنسابق الدول الأوروبية.

في خضمّ الأوهام التي يصر السياسيون على نشرها، يعمل هؤلاء على اللحاق بركب تكنولوجيا المعلومات وإدخال لبنان إلى عصر الاقتصاد الرقمي، لكن من دون الركون الى أرضية علمية صلبة، يفتقر إليها لبنان، الذي يحلم اليوم بإنجاز شبكة الألياف الضوئية، وتحسين خدمات الإنترنت والاتصالات وتخفيض كلفتها. ومع ذلك، يرى وزير الدولة لشؤون تكنولوجيا المعلومات عادل أفيوني، أن إنشاء وزارته "يدل على أهميتها بالنسبة لنا، وعلى أهمية اقتصاد المعرفة وبناء قطاع مزدهر يستقطب الاستثمارات". ويذهب أفيوني بعيداً في تصوراته حول مستقبل الاقتصاد الرقمي في لبنان. إذ يأمل بدعم الدولة للقطاع الخاص المتعلق باقتصاد المعرفة، عن طريق "تحديث التشريعات والقوانين وتسهيل الاستثمارات واستقطاب الشركات للعمل في لبنان...".

كلام أفيوني نابع من حرصه على تحقيق خطوة إيجابية في ملف الاقتصاد الرقمي، أثناء توليه الوزارة، لكنه يتناسى أن الطبقة السياسية التي ينتمي إليها، لا تعمل وفق أمنياته الإيجابية، وإنما وفق أجندة سياسية "صفقاتية" معدّة سلفاً، وما الحقيبة التي يتولاها اليوم سوى ضرورة سياسية لا أكثر، وقد تذهب أدراج الرياح في الحكومة المقبلة، على غرار وزارة الدولة لشؤون مكافحة الفساد.

ومع ذلك، نسي أفيوني خلال حديثه في المنتدى، أن يبيّن حرصه على القطاع العام، بالتوازي مع حرصه على القطاع الخاص. فالقطاع العام والمواطنون اللبنانيون يحتاجون، قبل القطاع الخاص، إلى تقوية ارتباطهم بقطاع التكنولوجيا وبالاقتصاد الرقمي. والشهادة تأتي من "أهل البيت"، إذ أكّد وزير الاتصالات محمد شقير في مقابلة سابقة له مع "المدن"، أن التجار ورجال الأعمال يعانون كثيراً في العلاقة مع لبنان، بسبب عدم إقرار قانون التوقيع الإلكتروني. إذ يضطرون للقدوم إلى لبنان للتوقيع على أوراق خاصة بأعمالهم مع غرفة التجارة، رغم إتمام كل الإجراءات المطلوبة. فإن كان التشريع اللبناني الخاضع للعبة السياسة قاصر عن تسهيل عمل بعض التجّار ورجال الأعمال، فهل هو قادر على مواكبة التقدّم في الاقتصاد الرقمي؟.

لمعالجة الفقر أولاً
إذن، تركض الحكومات العربية لتسجيل تقدم، على صعيد الاقتصاد الرقمي وتكنولوجيا المعلومات، لكنها لم تلتفت حتى الآن إلى وجود خلل في طريقة تعاطيها مع الملفات الرئيسية التي تهم مواطنيها، مع ان التقارير العالمية تؤكد تأزّم الأوضاع المعيشية في العالم العربي. واستناداً إلى دراسات الإسكوا، فإن الاقتصادات العربية تشهد "ارتفاع معدلات البطالة، وانخفاض معدلات المشاركة في القوى العاملة في المنطقة العربية، مقارنة بالمناطق الأخرى، والنساء أكثر حرماناً من الرجال..".


وتصرّ الحكومات العربية على رفع شأن التحول نحو الاقتصاد الرقمي، مقارنة مع الحاجة لسد الثغرات المتعلقة بالبطالة والفقر وغيرها. علماً أن الفقراء كانوا أقل استجابة مع تنفيذ سياسات الحد من الفقر عن طريق تنمية الصناعة والقطاع الخاص بدعمٍ من تكنولوجيا المعلومات. لذلك، وجدت الإسكوا انه "على الحكومات معالجة الفقر مباشرةً، وليس فقط من خلال المداخلات في الاقتصاد لتحفيز النمو الذي تتوقع أن يفيد الفقر".

ولا يخرج لبنان عن طاعة الإجماع العربي، الذي تجاهل الفقر والضغوطات الاقتصادية والاجتماعية الناتجة عن أزمة النزوح السوري إلى دول الجوار، وأفرَدَ لتكنولوجيا المعلومات 200 مليون دولار، تُجمَع في "صندوق للاستثمار في مجالات التكنولوجيا والاقتصاد الرقمي"، في حين كان يمكن استعمال هذا المبلغ لخلق فرص عمل أكبر ومحاربة الفقر في العالم العربي، لأن الفقراء لا يمكنهم الاستفادة من التطور التكنولوجي.

أما إهمال الفقر والتركيز فقط على التطوير الرقمي، فسيؤدي لاحقاً إلى هوّة بين شكل الاقتصاد الحديث، في حال إنجاز المساعي العربية في هذا الشأن، وبين من يُفترض بهم استخدام هذا التطور، وهم غالبية الشعب العربي الذي تزداد معاناته مع الفقر. فتخلق الحكومات العربية عندها مجتمعين عربيين، أحدهما معتمد كلياً على التكنولوجيا، وحجمه قليل، والآخر شديد الفقر ويفتقر إلى التكنولوجيا، وحجمه واسع. وبذلك، فإن تطوير حجم الاقتصاد العربي وشكله، من دون تطوير قدرات المواطنين العرب وتلبية حاجاتهم الأساسية، يعني بناء مصنع عملاق من دون تأهيل العمال لتشغيله والاستفادة منه.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024