خفضُ موديز لتصنيف لبنان لن يكون الأخير

عزة الحاج حسن

الأربعاء 2019/01/23
استهل الاقتصاد اللبناني العام 2019 بحصاد ما زرعه، ويزرعه سياسيو هذا البلد من نزاعات وعراقيل، وتعطيل حكومي، على مدى الأشهر الماضية. وجاءت أولى الضربات من وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني، التي خفضت تصنيف لبنان من B3 إلى CAA1، مع تعديل النظرة المستقبلية إلى مستقرة.


هذا الخفض لم يكن مباغتاً، إنما جاء استكمالاً وتنفيذاً لتحذيرات، وتنبيهات سابقة، أصدرتها الوكالة تباعاً العام الماضي، وكان آخرها في شهر كانون الأول الفائت، أي منذ قرابة الشهر حين أبقت موديز على تصنيف لبنان عند مستوى B3، مع خفض رؤيتها للآفاق المُستقبلية للبنان من ثابت إلى سلبي.

لا حياة لمن تنادي
لم يعر المعنيون اهتماماً كبيراً بتحذيرات موديز الشهر الفائت "لعدم خطورتها". ولم يمتثلوا في الوقت عينه إلى الدعوات والنصائح الدولية، بضرورة الإسراع في تشكيل حكومة، والمباشرة في تنفيذ الإصلاحات. واستمرت التجاذبات حول تقسيم الحصص في الحكومة المقبلة، إلى أن وقع المحظور، وتراجع التصنيف الائتماني للبنان إلى CAA1، ولعل أبرز تداعيات خفض التصنيف سيتجلى في ارتفاع المخاطر الائتمانية، ورفع معدّل الفوائد على سندات الدين، خصوصاً بالعملات الأجنبية.

وعزت موديز خفضها لتصنيف لبنان إلى أمور عديدة، منها التأخّر في تشكيل حكومة قادرة على وضع السياسات الإصلاحية العاجلة، للسيطرة على الدين العام وكلفته، ولتحريك عجلة النمو الاقتصادي، بالإضافة إلى ازدياد مخاطر السيولة والإستقرار المالي، نتيجة غياب الحل الجدّي لخفض العجز في الموازنة، وخلق فائض مرتفع في الميزان الأولين في سياق تقلّص التحويلات وتراجع نمو الودائع المصرفية بشكل ملحوظ. وجميع هذه الأسباب، تدور في فلك الإصلاحات المنتظرة والمرتبطة بتشكيل الحكومة.

مزيد من التراجع؟
وحسب تصنيف لبنان الائتماني عند CAA1، وإن تم تعديل النظرة المستقبلية من سلبية إلى مستقرة، فإن نظرة المستثمرين الدوليين إلى تصنيف لبنان، باتت موازية للعراق وأوكرانيا والغابون وزامبيا. إلا أن التصنيف ممكن أن يعود ويرتفع إذا قامت حكومة جديدة بإصلاحات مالية مهمة، تدعم استقرار الاقتصاد الكلي، مع خفض نسبة الدين العام، من دون الحاجة إلى هيكلته. كما يمكن أن يؤدي تفاقم المشاكل المالية والتمويلية، حسب موديز، إلى خفض التصنيف أكثر.

وفي حال استمر الوضع السياسي والإقتصادي على ما هو عليه، فإن تخفيضاً آخر سيطال تصنيف لبنان من قبل وكالة ستاندر أند بورز، بين شهري آذار ونيسان المقبلين. إذ تجري وكالات التصنيف الثلاث (موديز وفيتش وستاندرد أند بورز) تحليلات مالية، وتقييم القدرة المالية والائتمانية لدول ومؤسسات، من بينها لبنان، بشكل دوري.

تشكيل الحكومة
في كانون الأول من العام الماضين حينما أبقت موديز على تصنيف لبنان الائتماني عند مستوى B3، وخفض رؤيتها المستقبلية من مستقرة إلى سلبية، كان واضحاً أن الاستمرار بالوضع القائم، سيدفعها إلى خفض التصنيف الائتماني في المرحلة المُقبلة درجة واحدة، بالحد الأدنى. أي إلى CAA1، ما يعني تدهوراً إضافياً للمالية العامّة وتراجعاً للاقتصاد، ومعه القدرة الشرائية.
تحذير وكالة "موديز" الشهر الفائت ربط تأكيد التصنيف عند B3 بفرضية تشكيل حكومة في المدى القريب، وهو ما لم يحدث. كما اشترطت حينها تنفيذ الإصلاحات التي من شأنها أن تضبط أوضاع المالية العامة، والإستحصال على القروض الدولية من مؤتمر CEDRE. فلا الحكومة تشكلت ولا الإصلاحات بوشر بتنفيذها. ولم تجر أي محاولات لضبط المالية العامة حتى اللحظة.

بين CAA1 و B3
ولتوضيح الفارق بين التصنيفين، ومدى خطورة كل منهما، لا بد من التذكير بأنه بموجب التصنيف الإئتماني B3 تعتبر إلتزامات البلد تخمينية، ومعرضة لمخاطر ائتمانية مرتفعة. أما CAA1 فتشير إلى أن إلتزامات البلد ضعيفة، وتحمل مخاطر ائتمانية مرتفعة جداً، وذات كلفة عالية جداً، على صعيد خدمة الدين العام. وعادة ما تكون المؤسسات أو الدول التي تحمل هذا التصنيف متأخرة مالياً عن السداد، أو معرّضة للتأخر.

وعلى الرغم من مخاطر خفض تصنيف لبنان، أكد وزير المال علي حسن خليل بأن الوضع المالي والنقدي يحافظ على استقراره، واحتياجات الخزينة مؤمنة، وقادرة على الإيفاء بكل الإلتزامات لاسيما الديون. وفي تغريدة لخليل عبر حسابه على "تويتر" أوضح ان "تقرير موديز يستكمل ما قالته الشهرالماضي، بحيث تتأكد الحاجة إلى الإسراع في تشكيل حكومة لإطلاق عملية الإصلاح المالي، وصولا إلى تخفيف نسبة العجز، والبدء بالمشاريع المقررة في مؤتمر سيدر، وإنجاز سريع للموازنة العامة من ضمن هذه التوجهات، حتى لا نخسر المزيد من الفرص".

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024