طرابلس "المضطهدة" حكومات وعهوداً: المنطقة الاقتصادية موقوفة

جنى الدهيبي

السبت 2020/11/07

المنطقة الاقتصادية في طرابلس أسيرة المثالثة الطائفية  

 

عمليًا، مضى عهد الرئيس ميشال عون نصف سنواته في تكليف الرؤساء وتشكيل الحكومات. وطوال 4 سنوات من الجمود والتقهقر، وما تخللها من انهيارات اقتصادية وانتفاضة شعبية ثم انفجار مرفأ بيروت، كانت مدينة طرابلس تعيش على أمل تحقيق مطالبها التنموية، ولكن من دون جدوى.  

وفي كل مرة، كانت طرابلس تدفع إمّا ثمن المحاصصات الطائفية والمناطقية، وإمّا ثمن غياب مطالبها عن أولويات بلدٍ يزدحم بالأزمات. لذا، حُرمت عاصمة الشمال، التي تتمتع بجغرافيا استراتيجية وموارد غنية، من مختلف المشاريع التنموية القادرة على نهضتها. وليس غريبًا أن تصبح مدينة "الميمات المعطلة": من المنطقة الاقتصادية ومعرض رشيد كرامي الدولي، إلى ملعب طرابلس الأولمبي ومصفاة طرابلس ومحطة القطار، وصولًا إلى مطار رينيه معوض في عكار. أمّا مرفأ طرابلس، ورغم انطلاق دورة عمله، فما زال يواجه الكثير  

وفي هذا التقرير، تبدأ "المدن" باستعادة النقاش عن مرافق طرابلس المعطلة. والسؤال: ما الذي يعطّل تنفيذ المشاريع الحيوية للمرافق؟ وإلى متى ستبقى أسيرة في أدراج الحكومات ومجرد وسيلة دعائية – شعبوية للرؤساء وقيادات المدينة؟  

المنطقة الاقتصادية  
منذ العام 2008، ولد مشروع "المنطقة الاقتصادية"، بقرارٍ من حكومة فؤاد السنيورة. ولم يصدر مرسومها التنظيمي حتى العام 2009. فتمّ تأليف هيئة إدارية خاصة بها وتعيين مجلس إدارة يتألف من مدير عام و6 أعضاء و4 دوائر. لكن، خمس سنوات مرّت على تعيين مجلس إدارة المنطقة الاقتصادية في طرابلس برئاسة ريا الحسن في العام 2015. ومنذ توليها وزارة الداخلية في شباط 2019 - في حكومة الرئيس سعد الحريري السابقة – شغر منصبها، إلى أن صدر عن الحريري في نيسان 2019، قرارًا يحمل رقم 89/2019 قضى بتفويض مستشار الحسن في المنطقة الاقتصادية حسّان ضناوي بـ"تسيير أعمال الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية الخاصة في طرابلس، بسبب شغور وظيفة رئيس مجلس إدارة – مدير عام الهيئة".  

ومن ذلك الحين، ينكب ضناوي على إنجاز ما أمكن من مهمته، حسب ما أشار في حديث خاص مع "المدن"، لا سيما بعد أن تركت ريا الحسن وراءها مسيرة نوعية في المنطقة الاقتصادية، واستطاعت أن تسوق لها لدى البنك الدولي، ووضعت مخططها التوجيهي، وعملت على رفع مستواها وشروط العمل فيها، بما يوازي شروط التجارة العالمية والشروط الدّولية. (راجع "المدن": رئاسة المنطقة الاقتصادية بطرابلس.. من بعد ريّا الحسن؟).  

عمليًا، تهدف المنطقة الاقتصادية إلى إقامة مشاريع استثمارية وأعمال في التجارة والصناعة والخدمات والتخزين، على أن يعفى المشروع الاستثماري الذي ينفذ في حرمها من سلة رسوم وضرائب. كما تشكل المنطقة مدخلًا مهمًا لتنشيط الحركة الاقتصادية شمالًا، وتوفير المئات من فرص العمل. لكن، ماذا حلّ بهذا المشروع المجمّد؟  

حتّى الآن، ما زالت المنطقة الاقتصادية تنتظر صفارة الدولة لإطلاق دورة عملها المنتظرة منذ سنوات. ويشير الضناوي أن المخطط التوجيهي للمنطقة صار جاهزًا، ويحتاج فقط لقرار الحكومة،  فيما ينكبّ مجلس الإدراة الذي يديره الضناوي بالنيابة إلى البحث عن مانحين أجانب لتغطية كلفة تعيين إستشاري للمنطقة، لا سيما أن المجلس دخل أيضًا مرحلة تسيير الأعمال بعد انتهاء مهلة عمله منذ 7 أشهر. قال: "تحتاج المنطقة الاقتصادية لمناقصة تتيح تعيين استشاري يساعدها على تحضير دفتر شروط عملها، وإطلاق مناقصة الشراكة مع القطاع الخاص".  

ويكشف الضناوي أنّ الخطّة الخمسية التي سبق للحسن أن وضعتها في المنطقة الاقتصادية، كان من المفترض أن تنتهي في آب 2020، كما أطلقوا مناقصة البنى التحتية في المرفأ بالشراكة مع مجلس الإنماء والإعمار منذ العام الماضي، لكن كل شيء توقف بعد انتفاضة تشرين 2019 وتدهور الأوضاع الاقتصادية".  

يأسف ضناوي لتراجع فرص المنطقة الاقتصادية، لا سيما بعد خفض تصنيف لبنان الإئتماني إلى فئة "التعثر". وهو ما يعيق فرص الحصول على التمويل من المؤسسات الدولية، ويمنع نيل القروض من الجهات المانحة بسبب عدم استقرار الوضع الاقتصادي. يضيف الضناوي أزمة الدولار إلى لائحة  المعوقات التي تواجه المنطقة الاقتصادية، مذكرًا أن عدم استقرار سعر صرف الدولار وانهيار العملة الوطنية، يُنفّر المستثمرين، ويجعل من لبنان بيئة غير حاضنة للأعمال، لأنه يخلق أزمة في تسعير البضائع، لا سيما أن لبنان لا يصنّع أي شيء من المواد الأولية، فيضطر المستثمرون إلى استيراد مختلف المواد التي يحتاجها تنفيذ مشاريعهم.  

ورغم كل هذه المعوقات، تعمل إدارة المنطقة الاقتصادية على وضع خريطة عملها المستقبلية وفق مستويين: نظام التراخيص وشباك الخدمات الموحد. أضاف الضناوي: "نكمل بخطتنا في كل الأحوال ونهيء المنطقة الاقتصادية لتستطيع الانطلاق بالعمل في أي لحظة، والعمل على هذين المستويين يسهّل التعامل مع المستثمرين في المستقبل بهدف بناء الثقة معهم، لا سيما أن قانوننا الداخلي يسمح بذلك".  

من طعن المدينة؟  
على مستوى آخر، يبدو أن أمام المنطقة الاقتصادية في طرابلس معوقات أكثر تعقيدًا، نتيجة منطق المثالثة الطائفية الذي يحكم البلاد. وللتذكير، فإنّ اللجان النيابية المشتركة أقرت في آذار 2019 اقتراح قانون إنشاء المنطقة الاقتصادية الخاصة في البترون (مسقط رأس جبران باسيل) وفي صور أيضًا. ورغم كل المبررات التي قيلت في هذا الاقتراح، فلم يكن سوى تجسيد لمعركة المحصاصة بين السنة والشيعة والمسيحيين. حينها، وبينما كان باسيل يحتفل بانجازه للبترون، كان نائب تيار المستقبل محمد كبارة يصف اقتراح القانون بـ"الطعنة" للمنطقة الاقتصادية في طرابلس، انطلاقًا من مبدأ أن تعدد المناطق الاقتصادية في لبنان، سيحوّل فكرتها إلى ما يشبه "السوبرماركت". (راجع "المدن": "المنطقة الاقتصادية" في البترون: ليس لطرابلس باسيلها).  

وفي المقابل، يعتبر مراقبون لهذا الملف أن كل اقتراحات المشاريع التي سعى إليها باسيل، يتحمل الحريري الجزء الأكبر من مسؤوليتها، وهي الثمن الطبيعي الذي كان يدفعه مقابل التسوية الرئاسية. وفي السياق، يشير عضو تيار المستقبل مصطفى علوش لـ"المدن" أن ثمة أسبابًا متعددة تقف خلف عرقلة مشروع المنطقة الاقتصادية. أولًا، أن الحكومات المتعاقبة لم تبلغ أي درجة من الاستقرار للبحث في هكذا مشاريع. وكانت دومًا تعيش في أجواء المشاحنات والسباق مع الوقت. ثانيًا، وهو السبب الأهم وفق علوش، أن مشروع المنطقة الاقتصادية في طرابلس اختصر منطق التعاطي في البلد كأنه أشبه بمقاطعات، معتبرًا أن إنشاء منطقة اقتصادية في البترون تقع على بُعد كيلومترات قليلة من طرابلس، سيقضي على كثير من امتيازاتها. وثالثًا، حسب علوش، صار من الصعب على لبنان أن يجذب المشاريع الاستثمارية التي أنشئت لأجلها المنطقة الاقتصادية، سواء من الداخل أو الخارج.  

إذن، متى يمكن أن يبصر النور إطلاق العمل في المنطقة الاقتصادية؟ يجيب حسان الضناوي: "هذا أصعب سؤال، طالما نعيش تحت وطأة الأزمات والصراعات الطائفية والسياسية".  

ما يعني أن البدء بدورة العمل في المنطقة الاقتصادية في طرابلس ما زال حلمًا.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024