طهران واختبار القوّة من جديد

عصام الجردي

الإثنين 2019/07/08

دخل المسار الأميركي الإيراني بدءاً من اليوم، منعطفاً غير مسبوق منذ توقيع الاتفاق النووي في 2015. أقرت طهران بتجاوزها معدل التخصيب المحددّ في الاتفاق، وكميات الخزين من اليورانيوم الضعيف التخصيب. وأعلنت عزمها على المضي في الطريق نفسه حتى تفي الدول الأوروبية الموقعة الاتفاق التزاماتها. وبينما حذر الرئيس الأميركي دونالد ترمب طهران من "اللعب بالنار"، عادت المخاوف تتأرجح بقوة بين  الحرب وبين تسوية أميركية إيرانية، قد تشمل منطقة الخليج والشرق الأوسط.

اختلالات ثلاثة
إيران قررت زيادة معدل تخصيب اليورانيوم فوق 3.67 في المئة. وتجاوزت فعلا مستوى 300 كليو غرام من اليورانيوم الضعيف التخصيب في إثر انتهاء مهلة 60 يوماً حددتها كي تفي الدول الأوروبية التزاماتها الإقتصادية. وفي مقدمها العلاقات المالية والمصرفية وتصدير النفط الإيراني. المهلة الجديدة المماثلة التي قطعتها طهران 60 يوماً تنتهي في السابع من أيلول المقبل. لم توضح طهران نسبة التخصيب التي تنوي الوصول اليها قبل أيلول. بيد أنها كانت أعلنت أكثر من مرة حاجتها إلى 5 في المئة من اليورانيوم المخصّب لتشغيل مفاعل الطاقة الكهربائية. في حين تقول الوكالة الدولية للطاقة النووية أن نسبة 3.67 في المئة كافية. الخشية الآن أن تقوم طهران برفع معدل التخصيب إلى 20 في المئة لغاية البحوث البحوث العلمية. وأن يتجاوز خزين المياه الثقيلة 130 طناً. وهو أمر ألمح اليه مسؤولون إيرانيون في السابق. مع ذلك، فتصنيع السلاح النووي حسب الخبراء يحتاج إلى 90 في المئة تخصيباً. لكن الوقت اللازم للتخصيب على درجات أعلى أقل منه في التخصيب على درجات أقلّ. ويقدر الخبراء أن بلوغ طهران اليورانيوم المخصّب بدرجة 20 في المئة، ستتوفر لديها القدرة لإنتاج سلاح نووي في أقل من عام. وهذا الأمر كان مستبعداً كلياً.

بانسحاب ترمب من الاتفاق النووي، انكشف الاتفاق على اختلالات ثلاثة بنيوية لمصلحة طهران. لم تقل طهران ولا مرة إنها تنوي امتلاك السلاح النووي. وتصر على حقها بالطاقة النووية السلمية. على الورق نفذّت طهران كل التزاماتها. الدليل تقارير الوكالة الدولية للطاقة النووية المكلفة مراقبة تنفيذ الاتفاق. الإختلال الأول، لا يوجد بند في الاتفاق يحدد مسؤوليات الدول فرادى في الإلتزامات المتبادلة بين اطرافه في حال انسحاب طرف من جانب واحد. واعتُبر الاتفاق منظومة واحدة لا تتجزأ. إنسحبت واشنطن وفرضت عقوبات اقتصادية لا تحملها طهران. وواشنطن خارج المحاسبة بأي وجه من الوجوه. الإختلال الثاني الذي استولد حنقاً كبيراً لدى طهران، جاء بعد تمسك الفريق الأوروبي بالاتفاق، إنما من دون أن يفي بالشق الإقتصادي، ولا تمكن من الإلتفاف على العقوبات الأميركية. هنا برز الإختلال الثالث بالأمر الواقع، وظهر ما لم يكن في الحسبان. الفريق الأوروبي راغب في الذهاب نحو علاقات اقتصادية كاملة مع طهران، خصوصاً في الجانب الاستثماري لعدم النكول بالتزاماته من جهة، وللمنافع التي يمكن أن يجنيها من تلك العلاقات من جهة أخرى. لكن شركات القطاع الخاص الأوروبية أعرضت عن ذلك خيفة سقوطها في فخ العقوبات الأميركية، ووقف تعاملها المالي والإستثماري والتجاري مع  الولايات المتحدة. علماً أن شركات الدول الأوروبية واقتصاداتها نفسها خسرت المليارات نتيجة العقوبات الأميركية على طهران. إعلان الإتحاد الأوروبي الجمعة الماضي تفعيل آلية الدفع الخاصة "إنستكس" التي أُنشئت لمساعدة إيران في الالتفاف على العقوبات وإنقاذ الاتفاق لا يؤتي أُكله. القسم 36 من الاتفاق النووي يتيح لأيٍ من أطرافه تقديم شكوى رسمية في حال نكول طرف ما بتعهداته. وفي انتظار بت الشكوى يمكن لصاحبها تعليق التزاماته في الاتفاق. هناك غموض غير بنّاء حيال ما اذا كانت طهران استخدمت حقها في هذا المجال.

مشاريع جيوسياسية
من حق إيران امتلاك الطاقة النووية السلمية. غيرها يملكها عسكرياً. ومن حق أفرقاء الاتفاق النووي الإعتقاد في أن السلاح النووي هو هدف إيران النهائي. فلديها من احتياطات النفط والغاز ما يكفي ويزيد لتأمين الطاقة الكهربائية. والطاقة المتجددة والنظيفة أيضاً. وتعلن جهارة استمرارها في مشاريعها الجيوسياسية في المنطقة للسيطرة على دول عربية ذوات سيادة. وتأمين التمويل لمشاريعها رغم أزمتها الإقتصادية وظروف الإيرانيين المعيشية. من الصعوبة أن تستمر طهران في نهجها مهما تمكنت من تطويع الشعب ومحاولة إقناعه بجدوى سياساتها الخارجية وبـ"النصر المبين". الرئيس حسن روحاني لم يخف في تصريح لوكالة "إرنا" الحكومية في أيار الماضي وطأة العقوبات الثقيلة. قال في إشارة إلى الحرب العراقية الإيرانية، لا يمكن الحديث عمّا إذا كانت الظروف أفضل من فترة (1980-1988) أم أسوأ. لكن خلال فترة الحرب لم تكن لدينا مشكلات مع مصارفنا أو مبيعات النفط أو الواردات والصادرات. وكانت هناك عقوبات فقط على مشتريات السلاح". ختم، "ضغوط الأعداء حرب غير مسبوقة في تاريخ ثورتنا الإسلامية".

نموذج كوريا الشمالية
قد تعتقد طهران أن تجربة كوريا الشمالية مفيدة لها. النظام الكوري في عزلة عن العالم منذ عقود. لكن كل العقوبات التي اتخذت ضده، والمقاطعة السياسية والدبلوماسية مع الكثير من دول العالم لم تحمله على الإذعان للإملاءات الأميركية. لأن في جعبة كيم جونغ أون السلاح النووي. ومستمر في تجاربه النووية كل فترة خلافاً للاتفاقات الدولية على كتف كوريا الجنوبية حليف واشنطن الأول في شرق آسيا. أقامت كوريا الشمالية علاقات حسنة مع روسيا والصين. تتحول جيدة بحسابات الدولتين حين تكون الولايات المتحدة العدو بيونغيانغ الأول. وتستخدمان الأخيرة تبعاً لمصالحهما الجيوسياسية والتجارية.

مع ذلك، دعونا نقول إن إسرائيل غير دول الخليج العربية في اعتبارات ترمب. لو افترضنا أن كل حساباته قائمة على ولاية ثانية في البيت الأبيض في انتخابات 2020. ومزاج الرأي العام الأميركي يعارض الحرب في المنطقة ومع طهران. لكن لنا أن نعتقد بعد التطورات الأخيرة في الملف النووي سيناريوين. أمّا الأول، فلن تسمح الولايات المتحدة حتى بالحرب، وكذلك أوروبا، بأن تصبح إيران قادرة على إنتاج سلاح نووي. حتى ولو لم تمتلكه. والثاني، أن يتوصل ترمب إلى اتفاق مع طهران بموافقة حلفائه في الخليج العربي والمنطقة، أو من دونهم. بعد أن أثبتت طهران إنها الرقم الصعب في السلم والحرب.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024