الضمان يهزّ "امبراطورية" مستشفى الجامعة الأميركية ويتحدّاها

عزة الحاج حسن

الثلاثاء 2019/02/12
بعد نحو عامين من المفاوضات والإنذارات والنكث بالوعود، طفح كيل الضمان الإجتماعي من ممارسات مستشفى الجامعة الأميركية بحق المرضى المضمونين، وقرر وقف التعاقد معها. ليس ذلك وحسب، بل علّق أيضاً السلف المالية المستحقة للمستشفى. والسبب، وفق الضمان، "مخالفة العقد"، أو بمعنى أدق وأوضح: "سرقة المرضى واستغلالهم".

يستوعب مستشفى الجامعة الأميركية العدد الأكبر من مرضى الضمان، على مدار السنة. وقد وصل العدد في العام 2018 إلى 16000 مريض، منهم 700 مريض سرطان. لكن مخالفات المستشفى تتراكم وتتكرر، بشكل مستمر، على حساب المريض، الذي تلزمه المستشفى بسداد 70 في المئة من فاتورته، باعتبار تغطية الضمان لا تتجاوز 30 في المئة من الفاتورة، علماً أن الضمان يغطي 90 في المئة من فاتورة مرضاه.

نكث بالوعود
في شهر أيار من العام 2017 تلقت مستشفى الجامعة الأميركية أول إجراء عقابي، بعد سلسلة إنذارات، تمثّل حينها بوقف السلفات المالية على حساب معاملات الاستشفاء للمستشفى. وتقدّر السلفة المالية الشهرية من الضمان للمستشفى بـ4.5 مليار ليرة أي نحو ثلاثة ملايين دولار. وعقب وقف السلفات الشهرية وعدت إدارة الـAUH بتسوية المخالفات، والتزام بنود العقد الموقع مع الضمان الإجتماعي، لاسيما لجهة التعرفات. لكن لم يتم أي تصحيح لتعامل المستشفى مع المرضى، فرفعت مصلحة المراقبة الإدارية على المستشفيات في الضمان الاجتماعي تقريراً لإدارة الضمان، في شهر تموز من العام 2018، بتفاصيل المخالفات واستمرارها. حينها أصرّت إدارة المستشفى على منحها فرصة جديدة لتسوية الأمور، تجنباً لفسخ العقد، وبدأت المفاوضات واللقاءات الدورية بين الجانبين، لتسوية كل بند على حدة، وتوحيد الأسعار، تجنباً لتكبيد المرضى فواتير ضخمة.

وخلال فترة المفاوضات والبحث مع المستشفى، بتسعيرة كل خدمة أو منتج، قدّم الضمان الإجتماعي العديد من التنازلات، وغض النظر، وفق رئيس مصلحة المراقبة الادارية للمستشفيات، فؤاد حليحل، في حديث إلى "المدن" عن أمور تتعلّق بطريقة تقديم الخدمة الاستشفائية، وتحتّم على المستشفى تعرفة تفوق تلك التي يغطيها الضمان: "ولكن المستشفى كانت تلتزم فترة قصيرة ثم تعود إلى سابق عهدها بالتعرفات والفواتير، فخفض الفاتورة 5 في المئة أو 10 في المئة لا يعني تغييراً أو تصحيحاً، لاسيما أن تضخيم الفواتير يتجاوز هذه النسب بأضعاف".

مخالفات وأسعار
تكبّد مستشفى الجامعة الأميركية مرضى الضمان فواتير ضخمة، مبنية على فروقات تعرفاتها الخاصة، وتتقاضى فارق تغطية الضمان من فاتورة عملية الولادة، على سبيل المثال، نحو 3000 دولار، في حين ان الفارق لا يتجاوز 500 دولار كحد أقصى في المستشفيات الخاصة كافّة. وفارق فاتورة عملية المرارة تبلغ في مستشفى الجامعة الأميركية 4500 دولار، في حين أن الفارق لا يتجاوز 800 دولار في المستشفيات كافّة. أما عملية زرع نقي العظم فيبلغ فارق فاتورتها في الـAUH بين 40 و50 ألف دولار، في حين لا يتجاوز الفارق وفق أسعار الضمان الـ15 ألف دولار، وهكذا دواليك...

ولا تقتصر مخالفات مستشفى الجامعة الأميركية على الأسعار وحسب، بل على ممارسات أخرى كإلزامها مرضى الضمان، في بعض الحالات المرضية، للنزول في غرف الدرجة الأولى (first class)، رغم أن الضمان الاجتماعي يغطي مرضاه بالدرجة الثانية وليس الأولى، ما يرتّب على المرضى مبالغ طائلة، مقابل فارق التكاليف بين الدرجتين، وتقوم المستشفى بإلزام المريض بتوقيع طلب خطي يقضي بإدخاله وفق الدرجة الأولى.

يضاف ذلك كله إلى العديد من المخالفات المتعلقة بفرض مبالغ إضافية على مرضى الضمان الاجتماعي، كفارق بين تعرفة الضمان التي لا تلتزم بها المستشفى وتعرفتها الخاصة. كما تعتبر المستشفى العديد من التقديمات والمستلزمات الطبية خارج تغطية الضمان بخلاف الواقع، وتفرض بالتالي تكلفتها على المريض.

مرضى السرطان
استثنى الضمان من قرار فسخ التعاقد مع مستشفى الجامعة الأميركية مرضى مركز سرطان الأطفال (سان جود)، باعتباره المركز الوحيد لمعالجة الأطفال المرضى بالسرطان. لكن من المعروف أن هناك حالات مرضية محددة تقدمها مستشفى الجامعة الأميركية دون سواها من المستشفيات، لاسيما في بعض حالات مرضى السرطان. من هنا يتجه الضمان الإجتماعي إلى منح موافقات استثنائية للمرضى المضمونين، الذين لا تتوافر علاجاتهم سوى في مستشفى الجامعة الأميركية، بموازاة سعيه لتوزيع مرضاه على باقي المستشفيات.

ويتوقع مصدر إداري في الضمان الإجتماعي، في حديث لـ"المدن"، ألا تطول مدة فسخ العقد مع المستشفى. إذ من المتوقع أن تتعهد المستشفى بالتزام بنود العقد الموقع مع الضمان، فلا خيارات سوى الالتزام. ولا يمكن للمستشفى أن تستغني عن مرضى الضمان. إذ يشكلون غالبية نزلائها. كما أن الغالبية العظمى من مرضى الضمان، الذين يدخلون مستشفى الجامعة الأميركية، يستفيدون من التأمين، ما يعني أن خروج مرضى الضمان من المستشفى سيخفّض أيضاً فواتير التأمين التي تتقاضاها المستشفى من شركات التأمين. وهذا يُعدّ دافعاً لالتزام المستشفى تعرفات الضمان، وتسوية وضعها من جديد لاستئناف تنفيذ العقد.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024