رسوم على الواتساب:شقير ينفّد وعده وحزب الله يتواطأ

خضر حسان

الخميس 2019/10/17
كَتَب هذا العهد على نفسه التنقّل من فضيحة إلى أخرى. كل القوى السياسية "أبدَعَت" في ابتكار الفضائح والمخالفات، وفي تغطية مثيلاتها. كلٌّ بحسب اختصاصه ونفوذه في الوزارات والإدارات العامة. وتبقى الموازنات بمثابة مظلّة كل الفضائح. فهي العنوان العام والمختصر لقوننة الصفقات بحجة ترتيب أمور مالية الدولة وانتظامها. فقد اعتبرت حكومة العهد أن إنجاز الموازنة هو خطوة نوعية بعد التوقف عن إنجازها لسنوات. وبعد ابتداع الضرائب والمحسومات التقاعدية للموظفين ضمن موازنة 2019، ها هي الحكومة تضيّق الخناق على المواطنين بفرض رسم 20 سنت على أول مكالمة يجريها المشترك يومياً، عبر تطبيق الواتساب والتطبيقات الأخرى المجانية التي تستخدم الإنترنت.

الوقت المناسب
إجماع الحكومة على فرض رسم جديد على خدمة مجانية، هو إجراء تطبيقي لرؤية وزير الاتصالات محمد شقير. إذ تؤكد مصادر مقرّبة من الوزير في حديث لـ"المدن"، أن فرض رسم على التخابر عبر التطبيقات التي تستخدم الإنترنت "كان من المفترض اقتراحه منذ لحظة تولي الوزير منصبه، لأن القرار يؤمّن واردات إضافية للدولة. لكن الوزير فضّل عدم طرح الموضوع حينها، وانتظار الوقت المناسب حتى لا يؤجج القرار تحركات شعبية ضد الوزير".

ودعماً لزميله، اعتبر وزير الإعلام جمال الجراح أن فرض الرسم محق، لأن "الدولة تدفع ثمن الانترنت وهو "مش ببلاش" وهناك كلفة على الدولة جراء الواتساب من فايبر اوبتك وغيرها".

إذاً، الوقت المناسب في توقيت شقير أتى، لكنه لم يتوافق مع توقيت الأزمة الاقتصادية والمالية والاجتماعية والسياسية والبيئية التي تمر بها البلاد وسكانها. ولا عجب في ذلك، فمنذ متى كان توقيت حكومات السلطة مطابقاً لتوقيت الناس وهمومها؟ 

ولتأكيد فارق التوقيت الذي يصل أحياناً إلى حد التغريد خارج الواقع برمّته، يصحّ التذكير بما قاله رئيس الجمهورية ميشال عون في شهر آب الماضي، عن ورقة بعبدا الإصلاحية المرافقة للموازنة، حين أكد عون أن "الاقتراحات التي أقرت لبدء مسيرة النهوض الاقتصادي يجب أن تأخذ طريقها إلى التنفيذ، خصوصاً أن المهلة قصيرة ولا تتعدى الستة أشهر، ليثبت لبنان قدرته على مواجهة التحديات الاقتصادية والمالية الراهنة، ما يعيد الثقة وينعش الحياة الاقتصادية من جديد".

وعليه، فإن رأس هرم العهد، داخل أيضاً في لعبة التوقيت وتحديد مهل زمنية للنهوض الاقتصادي وبدء العد العكسي لإصلاح مسار الدولة. ومن الواضح أن وقف فرض الضرائب والرسوم على الناس ليس ملحوظاً في التوقيت الرئاسي أيضاً.

تواطوء وخداع
الرسم المفروض على التخابر عبر التطبيقات، سيطبّق في البدء على اتصالات مشتركي ألفا وتاتش، وليس عبر انترنت WIFI الآتي عبر هيئة أوجيرو. ولاحقاً سيُستوفى الرسم من إشتراكات الإنترنت عبر أوجيرو. 


هذا القرار الذي يفترض به رفد الخزينة بحوالى 219 مليون دولار سنوياً، لم يحدد آلية ضمان إيصال الأموال الى خزينة الدولة. ومن المعروف أن الأموال تجبيها شركتي الخليوي التي يؤكد رئيس لجنة الإعلام والاتصالات النيابية حسين الحاج حسن، أن نفقاتها التشغيلية والرأسمالية ارتفعت، فيما إيراداتها انخفضت. وعلى الأثر، طالبَ الحاج حسن "بخطة استراتيجية للقطاع".

كما أن الحاج حسن كان قد أعلن بعد استماع اللجنة إلى إفادات مسؤولين في شركتي ألفا وتاتش "وجود عشرات بل مئات الوثائق حول مخالفات قانونية" في الشركتين. موجهاً علامات الاستفهام نحو وزارة الاتصالات.

وإذا كان الحاج حسن يطرح التساؤلات حول خفض الإيرادات، ويريد خطة استراتيجية، فكيف يوافق حزبه على فرض رسوم إضافية تحقق إيرادات يشوب صرفها أو تخزينها، علامات استفهام؟

الإجابة عن السؤال موجودة في تفاصيل تأييد الحاج حسن لما أسماه في حزيران الماضي "الرؤية الإصلاحية لوزير الاتصالات محمد شقير وللجنة الاتصالات". فتطبيق الرؤية بالنسبة إلى الحاج حسن، سيؤمن إيرادات في ظل وجود "أرباح فائتة تذهب على الدولة".

شعار رفض الضرائب
اعتادت أحزاب السلطة خداع جمهورها وإقناعه أنها ضد فرض الضرائب على الفئات الشعبية والفقراء، وأنها ستستعيد أموال الدولة من أصحاب الرساميل المتخلّفين عن الدفع. هي شعارات فضفاضة يستعملها كل جمهور ليزايد بها على الجمهور الآخر، وكأن القرارات لا تُتخذ داخل حكومة واحدة تشارك بها كل القوى السياسية.

وإن كانت كل القوى "تستثمر" في بقائها في السلطة وتقاسمها الوزارات والنفوذ، تعترف أنها تمارس لعبة تحاصص متّبعة منذ اتفاق الطائف ولا مشكلة لدى أحد بتغيير قواعد اللعبة في حال جرى الاتفاق على ذلك، إلا أن حزب الله يتنصل من المشاركة أو التواطوء وتمرير المشاريع لقاء مواقف سياسية داخلية وخارجية يحتاجها من حلفائه، وعلى رأسهم التيار الوطني الحر. لكن الفعل يوضح عكس القول، فوزراء الحزب يوافقون على فرض الضرائب في الجلسات المغلقة، وليست زيادة الرسوم على الاتصالات هي آخر الموافقات. علماً أن الحزب هدد السلم الأهلي في العام 2008 حين اعتبر أن هناك مسّاً باتصالاته وأمنه، لكنه لم يحرك اليوم ساكناً مع تهديد أمن واتصالات وأموال الناس.

وتجدر الإشارة الى أن ترتيب ضريبة أو رسم على المواطنين، لابد من ربطه بخدمة تُقابل الكلفة المجباة. وفي حالة الرسوم على مكالمات الواتساب، فلا يوجد خدمة إضافية تقدمها الدولة، بل أنها بذلك تتقاضى رسماً على خدمة انترنت هي الأسوأ من نوعها في العالم.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024