من يتلاعب بمحاضر مجلس الوزراء.. لمصلحة البواخر؟

خضر حسان

الثلاثاء 2018/06/12
أقر مجلس الوزراء في 21 أيار الماضي التجديد لبواخر الطاقة لمدة 3 سنوات، وأتى الإقرار بناءً على جملة من المعطيات، أبرزها، كما قال وزير الطاقة سيزار أبي خليل حرفياً، "تخفيض كلفة التعاقد ورفع ساعات التغذية لتغطية الذروة خلال فصل الصيف، والحصول على طاقة إضافية من خلال استجرار باخرة ثالثة تؤمّن طاقة إضافية 200 ميغاوات ببلاش، وهذه تؤمن نحو الساعتين طاقة إضافية".

حرفية كلام أبي خليل التي أدت إلى موافقة الحكومة على التجديد، تم تعديلها في المحاضر النهائية للمجلس، فقد ورد في الصيغة النهائية، "الموافقة على تمديد العقد مع شركة "Karpowership Company limited" المالكة والمشغلة للباخرتين العاملتين حالياً، وذلك لمدة 3 سنوات بسعر (4.95 سنتاً للكيلوات ساعة) مع قبول إضافة باخرة ثالثة بحد أدنى 200 ميغاوات، بدءاً من صيف 2018، على أن تكون مجاناً لأول ثلاثة أشهر. وفي حال التمديد لمدة سنة واحدة يكون السعر (5.60) للكيلوات ساعة. وتكليف وزير الطاقة والمياه اتخاذ الإجراءات اللازمة لذلك، وتكليف مؤسسة كهرباء لبنان التوقيع على عقد التمديد. ويمكن للدولة اللبنانية بعد انقضاء سنتين من العقد، أن تقوم بفسخه، على أن تقوم بإعلام الشركة بذلك قبل ستة أشهر".

هذا النص مغاير لما اتُفق عليه خلال الجلسة التي أقر فيها التجديد، بحسب ما أكده وزيرا الصحة غسان حاصباني والتربية مروان حمادة. وقد طلب حاصباني في كتاب إلى رئاسة مجلس الوزراء، توضيحات بشأن الصيغة التي صدر فيها القرار رسمياً، والتي تخالف ما تم الاتفاق عليه خلال الجلسة. ويقول حاصباني إنه "لم يتم الاتفاق على استخدام الباخرة الثالثة خارج إطار المجانية، بل الاستفادة منها مجاناً طيلة مدة تشغيلها لكامل طاقتها الانتاجية". ويضيف: "في حال فسخت الدولة اللبنانية العقد بعد انقضاء سنتين من تاريخه، لم ينص القرار المذكور على عدم ترتيب أي أعباء مالية على الدولة جراء هذا الفسخ مع الشركة كما اتفق عليه بوضوح في جلسة مجلس الوزراء تاريخ 21/5/2018. ونتمنى إضافة هذه الفقرة على نص القرار". أما حمادة فسأل في كتاب وججه إلى الأمين العام لمجلس الوزراء فؤاد فليفل، عن "مدى الصلاحية المعطاة لوزارة الطاقة، والتي قد تتعارض مع اللجوء إلى إدارة المناقصات".

حتى أن تبرير الأمانة العامة لمجلس الوزراء، "تعديل" بعض ما ورد في الجلسة، لم يقنع حاصباني. ففي نظر الأمانة العامة، إن "كل ما حصل هو بمثابة تصحيح مادي لبعض العبارات بخصوص القرار المذكور، استناداً إلى مراجعة محضر جلسة مجلس الوزراء بهذا الخصوص. وقد تم إرسال كتاب التصحيح إلى جميع الوزراء لإبلاغهم بفحوى التصحيح المادي في ما يخص البندين 1 و3 من قرار مجلس الوزراء رقم 84 تاريخ 21/5/ 2018. وتم استبدال عبارة لمدة ثلاثة أشهر بعبارة لأول ثلاثة أشهر". لكن حاصباني كشف أنه "حتى تاريخه لم نتبلغ بفحوى التصحيح المادي في ما يخص البندين 1 و3 من قرار مجلس الوزراء رقم 84 تاريخ 21/5/2018، كما جاء في بيان الأمانة العامة، وتبلغنا القرار بصيغته المتداولة فحسب، من دون الإشارة فيه إلى أي تصحيح ومن دون الاطلاع على نص المحضر".

هذه التعديلات تزيد الغموض بشأن مجانية ومدة التعاقد مع الباخرة الثالثة. فالصيغة النهائية للمحضر الرسمي حملت عبارة "بحد أدنى 200 ميغاوات". فهل يعني ذلك امكانية رفع معدل التغذية طالما أن القدرة المعلن عنها هي حد أدنى؟ يبدو أن الأمر كذلك. فالحد الأقصى لم يُتفق عليه، وامكانية خلق حد أقصى يعني امكانية سداد الدولة ثمن زيادة التغذية، إنطلاقاً من أن المجانية تنحصر في 200 ميغاوات، وليس بالقدرة التي استجدت. كذلك، تضمنت الصيغة عبارة "وفي حال التمديد"، ولم توضح حيثيات التمديد واحتمالاته ومن يتخذ القرار بشأنه، إلا إذا كان الوزير يفترض حكماً أن هذا القرار من صلاحياته منفرداً أو من صلاحيات مؤسسة كهرباء لبنان. "بالتأكيد ليس من صلاحيات المؤسسة"، وفق ما تقوله مصادر في المؤسسة.

أمام هذه الاحتمالات المفتوحة، هل يبقى للوزير ما يوضحه، أم أنه كان يقدم منذ البداية عرضاً دعائياً يهدف إلى تجميل صورة التجديد، في حين أن خفاياه تورّط اللبنانيين وخزينة الدولة، تماماً كما تفعل المصارف حين تجمّل الصورة الدعائية للقروض؟

في المقابل، تطرح التغييرات السابقة لمحاضر مجلس الوزراء تساؤلات بشأن حسن النية في القضية الراهنة. ففي 21 حزيران 2017، وافقت الحكومة على إحالة "كامل الملف" المتعلق باستجرار معامل توليد الكهرباء إلى إدارة المناقصات، وإعدادها تقريراً كاملاً عن استدراج العروض. غير أن القرار الرسمي حصر مهمة إدارة المناقصات بـ"فض العروض المالية"، ويحصر "التقرير الكامل"، المطلوب منها إعداده، بـ"استدراج العروض المالية". ويؤكد أبي خليل هذا التعديل في تصريح أوضح فيه أن "إدارة المناقصات ستفض العروض المالية وتعيد النظر بالعروض التقنية والإدارية، ثم ترفع إلي التقرير".

ما تقدّم يعني أنه بات على كل وزير أو نائب أو صحافي أو متابع للشأن العام، من الحريصين على الدولة وأموالها، دراسة الحقوق واللغة العربية وعلم النفس، للوقوف على كل كلمة وعبارة ينطق بها وزير الطاقة، وللوقوف على محاضر مجلس الوزراء بدقة متناهية. على أن أخطر ما في الأمر، هو التساؤل عن عدد التلزيمات التي يمكن أن تكون قد وقعت ضحية تغيير المحاضر دون ان تُكتشف، أو اكتُشفت وجرى التعتيم عليها.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024