خضر حسان
لكن رغم اتجاهها ضمنياً نحو تأييد المرونة، إلاّ أن الإسكوا توصي الدول العربية بـ"تقييم مدى إمكانية تطبيق هذه العملية (مرونة سعر الصرف)، والإستناد إلى هيكل اقتصاداتها لتحديد نظام سعر الصرف المناسب. والإنتقال إلى نظام سعر الصرف المرن، يجب أن يترافق مع شرط أساسي، وهو الإنضباط المالي، وذلك للحفاظ على دين عام مستدام. لذلك، تُعدّ الإصلاحات المالية، مثل الجمع الفعال للضرائب وإستئصال الفساد، أمراً حاسماً".
ماذا يحمي لبنان؟
في حين تتجه دول عربية نحو تحرير سعر الصرف، يتمسّك لبنان بتثبيته، في محاولة لحماية الليرة، وفق ما يبرره حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الأب الروحي لفكرة تثبيت السعر في لبنان. غير أن هذا التمسّك، يُخالف الرأي الإقتصادي الذي اعتمدته كبريات الاقتصادات العالمية التي أسقَطَت فكرة تثبيت سعر الصرف، بدءاً من "الولايات المتحدة الأميركية التي سقطت فيها فكرة التثبيت منذ العام 1971، ولحقها النموذج الأوروبي في العام 1991"، على حد تعبير الخبير الإقتصادي إيلي يشوعي، الذي إعتبر في حديث الى "المدن"، أن تثبيت السعر في دولة ما: "يمكن تنفيذه لبضع سنوات، لكن التثبيت لـ25 سنة، مع تقرير سعر الفائدة مركزياً، بمعزل عن سوق النقد، كما في لبنان، فذلك أمر غير مقبول".
ويتساءل يشوعي على أي أساس يقوم لبنان بتثبيت سعر عملته؟ "يستند لبنان اليوم على دخول رساميل غير مؤكدة، تتأثر بأكثر من عامل. وقد شهد لبنان تشنجاً للعلاقات مع بعض دول الجوار، وأهمها السعودية. وعلى المستوى الداخلي توتّرت العلاقات بين حزب الله وتيار المستقبل، وهذا الأمر انعكس قراراً خليجياً بعدم التوجه إلى لبنان، فخسر لبنان بين 4 إلى 5 مليارات دولار كانت تأتي سنوياً بفعل السياحة والإستثمارات. كما أن لبنان خسر الكثير من تحويلات المغتربين المصروفين من شركات في دول الخليج".
فوائد تحرير السعر
إلى ذلك، يلعب الضغط الداخلي المتمثل بـ"عجز الموازنة العامة ودين عام متراكم على مدى 25 سنة من السلم الأهلي، دوراً سلبياً في الاقتصاد، وهو يدعو، إلى جانب الكثير من المؤشرات، إلى ضرورة جعل سعر صرف العملة مرناً. وما الإنفاق العام الذي لم يساهم في تحفيز النمو الإقتصادي وتشجيع الإستثمارات والدخول في إقتصاد المعرفة في ظل مورد بشري متميّز في لبنان يهاجر إلى الخارج، ناهيك عن البنى التحتية سيئة الشروط، سوى أدلة على ضرورة التخلّي عن تثبيت سعر الصرف".
وعليه، ماذا يحمي المصرف المركزي عبر تثبيت سعر صرف الليرة؟ واقع إقتصادي على شفير الإنهيار، أم مالية متداعية ومرهونة للمصارف؟.
تحرير سعر الصرف وجعله مرناً، لا يعكس بالضرورة تأثيراً سلبياً على الإقتصاد، بل يمكنه الإسهام بتحريك العجلة الإقتصادية من خلال "إكساب السلع المنتجة في البلاد، قدرة تنافسية في الأسواق الأجنبية، لأن إنخفاض العملة يعني إنخفاض كلفة الإنتاج، وبالتالي إنخفاض الأسعار. وهذا ما يزيد من معدلات الإنتاج ويرفع معدلات التصدير ويخفض عجز الميزان التجاري ونسبة البطالة".
ويخلص يشوعي إلى أن "هناك نوع واحد من الدول يمكن أن تقوم بتثبيت عملتها على عملة عالمية مثل الدولار، وهي الدول النفطية التي لديها كميات هائلة من مخزونات النفط والغاز، والتي تعتبر واردات يومية سهلة وسريعة"، ومع ذلك، فإن هذه الدول تبحث إمكانية التحرير.