ترحيل إصلاحات 2019 إلى 2020: المجتمع الدولي ينتظر

خضر حسان

الأحد 2019/07/14
قدّمت السلطة السياسية مشروع موازنتها للعام 2019 على أنه مشروع الخلاص. حاولت من خلاله التكفير عن خطاياها السياسية والإقتصادية بحق المال العام على مدى عقود. لكن العقلية المؤامراتية التي تدير بها تلك السلطة البلاد، حالت دون إحداث تغيير فعلي في مشروع موازنة العام 2019. لأن أركان السلطة استعملوا الأدوات نفسها وجلسوا ينتظرون نتيجة مغايرة، فأي إصلاح سيكون مع السير في النهج السياسي والاقتصادي نفسه؟ والمؤسف، أن مؤشرات الإصلاح الحقيقي غير ملموسة حتى اللحظة رغم انطلاق عملية التحضير لموازنة العام 2020.

إجراءات غير كافية
تمخّضت جلسات لجنة المال والموازنة النيابية عن إحالة مشروع موازنة العام 2019 إلى الهيئة العامة لمجلس النواب لإقرارها. ثلاث جلسات تبدأ يوم الثلاثاء في 16 تموز، يفترض بالهيئة التشريعية أن تحسم خلالها موقفها من المشروع الذي لم يحمل سوى إصلاحات، أفضل ما يقال عنها إنها متواضعة، ضمن موازنة حملت إصلاحات حسابية رقمية ليس إلاّ.
الموقف من مشروع الموازنة معروف سلفاً، فالهيئة العامة ستقرّ موازنة جرت هندستها بما لا يخدش شعور أقطاب النظام السياسي وكبار تجّاره ومصرفييه. وما التعديلات التي أجرتها لجنة المال والموازنة على المشروع المحال من الحكومة، سوى ذرّ رماد في عيون منتقدي أداء أقطاب النظام، فبدا في خطوة اللجنة، أنها "أكرم" من الحكومة وأحرص منها على المال العام، إذ خفّضت نسبة العجز إلى 6.59 في المئة. لكن مع ذلك، ظلّت موازنة العام 2019 مفتقدة "إلى الرؤية الإقتصادية والإجتماعية"، وفق الخبير الإقتصادي غازي وزني الذي يرى في حديث لـ"المدن"، أن إصلاحات هذه الموازنة "متواضعة، ومستوى التقشف فيها غير كافٍ".
وعن تقديرات الحكومة لنسبة العجز، وإلى جانب تعديلات لجنة المال والموازنة، يقول وزني إن "تقدير العجز بنسبة 6.59 في المئة، هو تقدير غير واقعي، وهو تقدير ورقي فقط، ويعود ذلك إلى سوء تقدير الواردات والنفقات العامة".

الحل في العام 2020؟
تكمن إيجابيات موازنة العام 2019 في أنها أعطت صورة حسنة، وأنها، في الظاهر، جهد أقطاب السلطة في سبيل تخفيض العجز وإجراء إصلاحات تمهّد لإنتشال البلاد من الأزمة الاقتصادية. غير أن الاقتصاد لا يُدار بالنوايا، ولا يُلتَمَس التغيير ما لم تتعدّل المؤشرات وأداء الإدارات العامة. وهذا يوجّه الأنظار حكماً باتجاه ضرورة العدول عن الاختباء خلف الإصبع والإصرار على عدم الذهاب نحو نبع المشكلة الاقتصادية والمالية للدولة.
واستناداً إلى ما أقرته لجنة المال والموازنة، يرى وزني أن الإصلاحات الحقيقية ستُحال إلى موازنة العام 2020، التي انطلق قطار تحضيرها مع تعميم رئيس الحكومة سعد الحريري على جميع الإدارات والهيئات والمؤسسات العامة بوجوب إيداع مشروع موازناتها للعام 2020 لدى وزارة المالية قبل الأول من شهر آب المقبل.
وبنظر وزني، "يُتوقع من موازنة العام 2020 أن تكون الموازنة الأساسية التي تبدأ منها الإصلاحات الحقيقية، والتي ينتظرها المجتمع الدولي والدول المانحة ووكالات التصنيف العالمية". وأولى بوادر الإصلاحات يتمحور حول "هيكلة القطاع العام"، على أن تليها إجراءات "لاحتواء الدين العام وكلفته، على عكس ما شهده مشروع موازنة العام 2019". في حين يبقى الإجراء الثالث مهماً جداً إذا ما أرادت السلطة القول بإنها أجرت إصلاحات، وهو إجراء يتعلق بالتخلص من عجز مؤسسة كهرباء لبنان. وعليه، "يفترض بموازنة العام 2020 أن تتضمن إصلاحات في قطاع الكهرباء، وتحديداً لجهة زيادة التعرفة وزيادة الطاقة الإنتاجية، وهو ما لم تشهده موازنة العام 2019". ورابعاً، "يجب التركيز على تحصيل إيرادات فعلية للخزينة من التهرّب الضريبي والجمركي والأملاك البحرية".
لا خيار أمام السلطة إلا إجراء الإصلاحات في العام المقبل. لأن تجاهلها في موازنة العام 2019 يعني السماح بتدهور الأوضاع أكثر فأكثر. ففي العام المقبل، حسب وزني، "تحتاج البلاد إلى إصلاحات جذرية، فالوضع صعب، والسلطة لم تعد مخيّرة، لأن أي تدهور سيكون كارثياً". وعلى الحكومة "إرسال إشارات إيجابية للمجتمع الدولي ومؤسسات التصنيف، لأن المخاطر باتت كبيرة جداً، والفرصة مفتوحة من الآن حتى إنجاز موازنة حقيقية للعام المقبل".
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024