الأمن "السيبراني" بخطورة أمن الحدود: حماية الدولة والمواطنين

خضر حسان

السبت 2019/08/31
استغرب اللبنانيون، قبل يومين، الاهتمام الخاص الذي أبداه مجلس الوزراء حول ما يسمى "الأمن السيبراني". وقد كان - حسب بيان الحكومة - الموضوع الأهم الذي اختتمت به الجلسة. و"كان فخامة الرئيس يحب الاستماع إلى الاستراتيجية الخاصة بالأمن السيبراني. ولقد تم عرضها من السيدة لينا عويدات، في حضور رئيس المجلس الأعلى للدفاع. وحصل شرح مفصل لهذه الاستراتيجية، ونحن نعلن انطلاق هذه الخطة التي هي أساسية وضرورية لحماية شبكات الاتصالات والوزارات والحكومات من مخاطر الأمن السيبراني. اليوم وضعت هذه الخطة موضع التنفيذ، بعد عرضها على فخامة الرئيس، وستبدأ اللجنة المكلفة باتخاذ كل الإجراءات اللازمة لتدخل حيز التطبيق". ولا ننسى أن هذه الحكومة تضم وزير دولة لشؤون تكنولوجيا المعلومات، عادل أفيوني، الذي يضع خطة التحول الرقمي للاقتصاد اللبناني.  

من الواضح أن تكنولوجيا المعلومات لم تعد تفصيلاً ثانوياً في حياة غالبية سكان الكوكب، على مستوى الأفراد أو الدول. إذ دخلت تكنولوجيا المعلومات بشكل عميق إلى تفاصيل حياة البشر، وأصبح الحديث عن سيطرة تلك التكنولوجيا على البشر أمراً مشروعاً، خصوصاً في ظل اعتماد شبكات الإنترنت المتصلة بالأقمار الإصطناعية، والتي تجعل الفضاء الإلكتروني رقعة رقمية واحدة، تختزن معلومات من كل انحاء العالم، بدءاً من المعلومات الشخصية للأفراد المتصلين بشبكة الإنترنت، وصولاً الى المعلومات الأمنية الخاصة بالدول. وهذا ما يدعو للبحث حول آليات الحماية.

إقرار مبهَم
يبحث لبنان كما دول العالم عن إستراتيجيات حماية فضائه الإلكتروني، أو ما يُعرَف بالأمن السيبراني Cybersecurity، فالسايبر هو الفضاء الإلكتروني. وهذا البحث يتعدى النطاق الجغرافي اللبناني ليطال إيجاد آلية عربية وعالمية، نظراً إلى أن الهَمّ الحمائي للفضاء الإلكتروني، مشتركٌ بين الدول بقدر اشتراكهم في الرقعة الرقمية العالمية.

على مدى سنوات عمل لبنان على بلورة استراتيجية للأمن السيبراني، وأفرَدَ للموضوع مؤتمرات كثيرة تبادل فيها الخبرات مع خبراء من شتّى الدول لبحث "الوسائل التقنية والتنظيمية والإدارية لمنع الاستخدام غير المصرح به للمعلومات الالكترونية ونظم الاتصالات والمعلومات التي تحتويها، وذلك بهدف ضمان توافر واستمرارية عمل نظم المعلومات وتعزيز حماية وسرية وخصوصية البيانات الشخصية واتخاذ جميع التدابير اللازمة لحماية المواطنين والمستهلكين من المخاطر في الفضاء السيبراني"، على حد توصيف الهيئة المنظّمة للإتصالات.

ولغاية اللحظة لم تصدر تشريعات خاصة بالأمن السيبراني على مستوى كامل، لكن مجلس الوزراء، أرسى خطوة إيجابية في ذلك الإتجاه عبر إعتماده الاستراتيجية الخاصة بالأمن السيبراني، وهي خطة "أساسية وضرورية لحماية شبكات الإتصالات والوزارات والحكومات". وفق ما أشار إليه وزير الإعلام جمال الجراح عقب الجلسة. وأكد الجراح بأن اللجنة المكلفة متابعة هذا الموضوع "ستبدأ باتخاذ كل الإجراءات اللازمة لتدخل (الاستراتيجية) حيز التطبيق".

ما وصلت إليه الحكومة يندرج ضمن الإجراءات العملية لخلاصات الكثير من المؤتمرات المتعلقة بالأمن السيبراني، وآخرها على سبيل المثال لا الحصر، مؤتمر التعاون الدولي في الأمن السيبراني، الذي انعقد في نيسان الماضي، والذي خلص إلى "تعزيز التعاون والتنسيق في مجال الأمن السيبراني بين مختلف الأجهزة الأمنية والقضائية". وركزت توصيات المؤتمر على ضرورة أن تعكس استراتيجية الأمن السيبراني "مفهوم حقوق الإنسان وأن تحترم الحريات والخصوصية الشخصية. وأن تكون استراتيجية الأمن السيبراني شاملة، واضحة، محددة زمنياً وخاضعة للمراجعة"، وهي بنود لم توضحها الحكومة بُعيد موافقتها على الاستراتيجية، وهو ما يُنتظَر من اللجنة إيضاحه قَبل إدخال الإجراءات اللازمة حيز التطبيق.

إجراءات بلا أرضية
لا يوجد في لبنان أرضية قانونية تحدد صلاحيات الإدارات الرسمية والوزارات والأجهزة الأمنية تجاه الأمن السيبراني. ولا يملك آليات لتطوير قطاع المعلوماتية وما يتصل به، والقطاع هو الذراع التقني لتحقيق الأمن السيبراني. فالجامعة اللبنانية لا تملك الإمكانيات بفعل إهمال السلطة السياسية لتطوير الجامعة ومختبراتها في كافة المجالات.

وبفعل افتقار الدولة، ليس مستبعداً لجوءها إلى شركات خاصة تعمل على توفير الأمن والحماية للفضاء الإلكتروني، وهو ما يضع المعلومات الشخصية والأمنية بيد شركات خاصة. وهذه الفرضية واردة، إذ أن بيانات قطاع الإتصالات مخترقة ومتاحة للشركات الخاصة وذوي النفوذ في السلطة، وليس من الصعب الولوج الى أي بيانات بحجة تطوير إستراتيجيات الحماية.

ويساعد في الإختراق وتوسيع رقعة الفوضى، أن مجال الإنترنت مجال مفتوح على كل الإحتمالات، وليس فيه آلية ثابتة للحماية لأن أخطاره متشعبة ومتطورة بتطور هذا المجال. فكما تطوّر الفيروسات والبكتيريا نفسها في جسم الإنسان، ويصبح على الجسم تطوير مناعة لضمان أمنه، في مجال الإنترنت هناك فيروسات تُضعِف المواقع والبرامج الإلكترونية الخاصة والعامة.

وفي حال عدم قدرة الأجسام على المقاومة، يصبح من الضروري اللجوء الى الأدوية، أي إلى الدفاعات الجديدة والمتطورة، وكذلك إلكترونياً، يجب اللجوء الى برامج الحماية التي تتطور باستمرار. والغلبة في النهاية لمن يملك القدرة على تطوير برامجه وحماية ممتلكاته ومعلوماته. على أن التطوير يحتاج الى قدرات علمية يملكها الخبراء اللبنانيون بشكل منفرد، لكن الدولة لا تقدم لهم التسهيلات والإمكانيات اللوجستية والمعرفية لتطوير قدراتهم والإستفادة منها على مستوى الدولة. وهذا ما يجعل تبنّي الحكومة لاستراتيجية حمائية، حبراً على ورق، وفي أحسن الأحوال، إقرارٌ فارغ المضمون.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024