الإضراب العام الفاشل.. اعتراض تحت عباءة السلطة

خضر حسان

السبت 2019/01/05
بات ثابتاً أن الوضع الاقتصادي لم يعد يُحتمل، وسط تصاعد الأزمات السياسية، التي لا هدف منها سوى إعادة توزيع المغانم بين أقطاب السلطة. أما الأصوات المعترضة، فتتناقض مع ذاتها، وترددها برفع الصوت للخروج من الأزمة. فيما سقف السلطة يبقى حاجزاً أمام التغيير الحقيقي.

دعوة مجهولة – معلومة
بإستثناء الحزب الشيوعي اللبناني، لم يدعُ أي حزب أو تجمّع إلى تظاهرة واضحة المطالب وواضحة الانتماء، ضد السلطة السياسية العاجزة عن تشكيل حكومة. لا يبدو الأمر غريباً إذا ما أُخِذَت المسألة من زاوية سيطرة السلطة على النقابات والروابط، وبالتالي على تحرّكاتها وقراراتها.

مع ذلك، لاح في المشهد المعترض بريق تحرّك جديد، مجهول الأب، إذ إنتشر فيديو على مواقع التواصل الإجتماعي والوتساب، يدعو إلى "إضراب عام وشامل (يوم الجمعة 4 كانون الثاني) للضغط على السياسيين لتشكيل حكومة أخصّائيين، تتخذ خطوات وقرارات سريعة، لأن البلد لم يعد يحتمل التأخير". ولأن النزول إلى الشارع ليس بمقدور كل اللبنانيين، فضّل أصحاب الدعوة إلتزام المواطنين منازلهم، بدل النزول إلى الشارع، وإعتبار هذا الإضراب يوم عطلة. والإضراب لن يكون وحيداً، فهو "أوّل إنذار، يليه تصعيد، ومن بعده المطالبة بانتخابات نيابية جديدة، لأن الذين نجحوا في الانتخابات، فشلوا في تشكيل حكومة جديدة". هكذا يقول الفيديو. وحزب سبعة كان أول الداعمين للإضراب، بالتزامن مع إنتشار الفيديو، من دون أن يتبنّاه رسمياً.

لاحقاً تلقّف الإتحاد العمالي العام الدعوة، وبات أباها الروحي ومحرّكها. فاعتبر رئيس الاتحاد بشارة الأسمر أن "المشاركة في الإضراب ضرورية. وهو إضراب حضاري"، داعياً المواطنين إلى "إلتزام المنازل وعدم النزول إلى الشارع، لأننا لسنا هواة إغلاق ولا نبتغي الخسارة في الإقتصاد الوطني". وسأل الأسمر "لكن هل تقاس خسارة اليوم بخسارة 8 أشهر من دون حكومة؟ وهل المطالبة بحكومة بعد 8 أشهر أصبح جريمة وهل المطلوب أن نسكت أكثر؟".

تفاوت في الإلتزام
منذ يوم الخميس 3 كانون الثاني، أخذت الروابط والنقابات، خصوصاً في المؤسسات الرسمية، تأييد الإضراب، كلّ وفق ما يتناسب مع طبيعة عمله. فأعلنت نقابات العمال والمستخدمين، مؤسسة مياه البقاع، نقابة عمال الأحذية في الشمال، نقابة عمال بلدية طرابلس، رابطة العاملين في الجامعة اللبنانية، اتحاد نقابات عمال وموظفي البترول في لبنان، نقابة موظفي وعمال مرفأ بيروت، اتحاد جبل عامل للعمال الزراعيين في الجنوب، نقابة موظفي وعمال شركة "هولسيم" لبنان، مستخدمو وعمال مؤسسة مياه لبنان الجنوبي... وغيرهم، إلتزامها الإضراب.

توقّف عن العمل عمال ومستخدمي شركة طيران الشرق الأوسط، والشركات التابعة، لمدة ساعة "في خطوة رمزية تضامناً مع الدعوة إلى الإضراب". كما توقف اتحاد النقل الجوي، ونقابة مستخدمي الشركة اللبنانية لتموين المطار، عن العمل لمدة ساعة أيضاً. واعتبر رئيس الاتحاد علي محسن، أن التوقف عن العمل "هو صرخة بوجه الأوضاع التي وصل إليها حال العمال الذين تآكلت رواتبهم، وللمطالبة بتصحيح أوضاعهم والإسراع في تشكيل الحكومة". أما موظفي الملاحة الجوية وكل الأقسام التي لها علاقة بسلامة الطيران، فقد استثنوا من الإضراب لعدم التسبب بأي أضرار. وكذلك توقفت نقابة المهندسين عن العمل في الثانية من بعد ظهر الجمعة، ولم تلتزم بالإضراب العام. كما نفذ موظفو وعمال المواصلات السلكية واللاسلكية في أوجيرو، وقفة تضامنية من الساعة التاسعة وحتى العاشرة صباحاً.

في السياق، إلتزم موظفو المستشفيات الحكومية بالإضراب من الساعة 10 حتى الساعة 11 صباحاً. وكان الإضراب مناسبة للتذكير بمطالبهم المتعلقة بتنفيذ "مرسوم سلسلة الرتب والرواتب في أكثرية المستشفيات الحكومية، والإفراج عن المستحقات المالية عن العام 2018 وحل أزمة الرواتب المتأخرة لعدة اشهر، ودفع مبلغ 33 مليار لزوم دعم سلسلة الرتب والرواتب، التي تم التأكيد عليها خلال الاجتماعات الأخيرة في وزارة الصحة. إلى جانب إنصاف الفئة الخامسة، وتطبيق سلسلة الرتب والرواتب على جميع موظفي المستشفيات من مستخدمين ومتعاقدين وأجراء. وعدم مصادرة حقوقهم تحت ذرائع ومسميات مختلفة".

من ناحية أخرى، تابعت بعض المؤسسات الرسمية عملها بشكل طبيعي، على غرار موظفي الإدارة العامة في جبيل، والموظفين في سراي صيدا الحكومي. وبررت رابطة الموظفين الإداريين عدم المشاركة في الإضراب بأنه "لم يتم التنسيق المسبق معها بهذا الخصوص".

عدم إحراج الأحزاب
في الأصل، تمثّل النقابات والروابط والاتحادات، التي شاركت في الإضراب، الفئات الوظيفية المتضررة من التراجع الإقتصادي والتعقيدات السياسية. لكنها، ومنذ سيطرة السلطة عليها، عبر التحالف في انتخاباتها الداخلية، أصبحت هذه المرجعيات انعكاساً للإصطفاف الشعبي حول السلطة. وعليه، حاولت المرجعيات العمّالية رفع صوتها، مع مراعاة عدم إزعاج السلطة، وعدم إستعمال الشارع الذي يمثّل مكان الإعتراض الحقيقي.

والتزام المنازل، كان مؤشراً واضحاً على أن السلطة ليست هي الخصم في هذا الإضراب. أما التذرّع بالسلمية، فكان يمكن ان يُتَرجَم بتحركات منظّمة في الشارع، مركزية كانت أم مناطقية، طالما أن المشاركين هم موظفون وعمال، وليسوا أحزاباً وتنظيمات سياسية قد تحتمل تحركاتها مجالاً للنقاش.

عدم الإحراج إذن، هي كلمة السر التي قالتها الأحزاب للمرجعيات النقابية التابعة لها. فجمهور الأحزاب لم يعد يحتمل الأوضاع، والأحزاب لا تحتمل فتح باب الإعتراض في وجهها، فكان لا بد من توليفة لتنفيس الإحتقان من جهة، وللضغط على الخصوم السياسيين، من أجل تشكيل الحكومة. وفي هذا المجال تحديداً، كان لافتاً قراءة عدم الإلتزام في جبيل وصيدا.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024