أقسى رمضان يشهده لبنان.. الصيام بلا دولارات

بلقيس عبد الرضا

الأربعاء 2021/04/28

شكلت عبارة "أقسى رمضان يشهده لبنان" حديث اللبنانيين من دون استثناء، فلا يخلو حديث بين التجار، الموظفين، العمال، من الإشارة الى صعوبة تدبير شؤونهم اليومية في الشهر الكريم، نتيجة ضعف قدرتهم المعيشية، وتآكل قيمة رواتبهم لأكثر من 90 في المئة. فالأزمة الاقتصادية التي تمر على لبنان، وهي الأولى من نوعها في تاريخه الحديث، جعلت العائلات تتجه قسراً إلى اختزال أصناف عديدة من المأكولات الرمضانية، في مقدمتها أطباق اللحوم والحلويات، بعدما تخطت أسعارها قدرة شريحة كبيرة من اللبنانيين، وخصوصاً الطبقة المتوسطة، التي باتت أقرب اليوم إلى الطبقة الفقيرة.

لا عصائر ولا مكسّرات
أزمة ارتفاع أسعار اللحوم والحلويات الرمضانية ليست العائق الوحيد أمام الصائمين، فحتى العصائر الرمضانية، التي تعد مصدر رزق  عدد كبير من الباعة الموسميين، الذين تنشط أعمالهم في فترة رمضان، برزت بشكل لافت بعد ارتفاع أسعار المواد الأولية، كالتمر لصناعة الجلاب، والمكسرات. ولم يعد هؤلاء الباعة الذين ينتظرون الشهر الكريم لكسب أموال إضافية، متواجدون في الشوارع العامة أو الساحات كالسابق.

"أبو محمود"، أحد الباعة المتجولين في منطقة زقاق البلاط، عزف هذا العام عن تحضير الجلاب، والتمر هندي، وعصير الليموناضة، أو البرتقال، وهي العصائر الأساسية التي يتطلبها الصائم خلال إفطاره. وفق أبو محمود، لم يعد بمقدوره شراء التمر لصناعة الجلاب، لأن سعر الكيلوغرام تخطى 230 ألف ليرة في بداية الشهر الكريم. كذلك الأمر بالنسبة إلى المكسرات، وفي مقدمتها سعر الصنوبر، إذ بات يساوي راتب موظف شهرياً، بعدما بلغ سعر الكيلوغرام مليون و200 ألف ليرة لبنانية.

يرى "أبو محمود" أن التكاليف الأولية لصناعة ليتر جلاب على سبيل المثال، قد تتخطى حاجز 30 ألف ليرة، من دون احتساب قيمة المكسرات، ما يجعله في عجز تام عن تأمين السلع الأولية. ولذا، قرر هذا العام الاستغناء عن مهنته الموسمية.

فوارق اجتماعية
في جولة سريعة على الأسواق اللبنانية، تظهر بشكل كبير الفوارق الاجتماعية التي خلفتها الأزمة الاقتصادية، بشكل لا لبس فيه، من خلال نوعية وكمية السلع الأساسية التي تقوم الأسر بشرائها.

إذ عادة، يتميز الشهر الكريم بوجود أصناف معينة، من شأنها أن تشكل جزءاً من هوية الشهر، في مقدمتها المكسرات والعصائر، والحلويات الموسمية، كالكلاج، أو حتى المخبوزات الرمضانية والفطائر.

إلا أن أسعارها، أجبرت اللبنانيين قسراً على التخلي عنها، والاستعانة بحواضر البيت كوجبة رئيسية على الإفطار.

هوة اجتماعية
ويرى الخبير الاقتصادي لويس حبيقة، أن الأزمة الاقتصادية بدأت تظهر انعكاساتها في المناسبات الدينية، والاحتفالات والأعياد، لأن هذه المناسبات تتطلب عادة ميزانية مخصصة لتأمين احتياجاتها، ومع ضعف قيمة العملة اللبنانية، ظهرت المشكلة بشكل أعمق، لتظهر هشاشة الوضع الاجتماعي والمعيشي. ويقول في حديث لـ"المدن": أفرزت الأزمة الاقتصادية انهياراً في مكونات المجتمع اللبناني، ولم يعد الحديث اليوم مقتصراً على غياب الطبقة الاجتماعية المتوسطة، واندثارها في الطبقات الأكثر فقراً، كما لم يعد الحديث عن الهوة بين الطبقات الغنية والفقيرة بوصفه جوهر الأزمة، بل بات الحديث عن من يتقاضى راتبه بالدولار، ومن يتقاضاه بالليرة اللبنانية، هو أساس الأزمة الحقيقية.

الهوة الجديدة بين اللبنانيين، بسبب من يملك الدولار ومن لا يملكه، انعكست اجتماعياً ومعيشياً وظهرت ملامحها في شهر رمضان المبارك. فلم تعد العائلات اللبنانية، قادرة على المحافظة على التقاليد الاجتماعية، المتمثلة بالعزائم على سبيل المثال، إذ كانت العائلات تجتمع في بيت العائلة مرة أو مرتين أسبوعياُ، لكن هذا التقليد بدأ يختفي تدريجياً، لأن أي مائدة رمضانية تضم أكثر من 10 أشخاص، قد تصل تكاليفها الى نحو مليون ليرة لبنانية، وهو ما يساوي قيمة راتب شهري.

لا تقف حدود الانعكاسات المعيشية على موضوع التجمعات العائلية. إذ يمكن ملاحظة التأثيرات الأخرى من خلال عدم قدرة اللبنانيين على حضور احتفالات الجمعيات الخيرية، والتبرع بالأموال. وهو ما سيكون له انعكاس ملموس على واقع هذه الجمعيات.

غياب الزينة
الجولة في الأسواق اللبنانية كفيلة لتبيان واقع الأزمة. فقد اختفت تقريباً، الكثير من مظاهر الاحتفال بالشهر الكريم. لم تعد الزينة الرمضانية بأنوارها وأشكالها المتنوعة، حاضرة في الساحات العامة. وقد اقتصر الأمر على بعض الزينة التقليدية. حتى أن الزينة قد اختفت بشكل نهائي من المحال التجارية التي تبدأ من منتصف الشهر الكريم، في استقبال الزبائن لشراء احتياجات العيد. وهو ما يعني أن الأزمة لم تعد تطال العمال أو الموظفين، بل وصلت حتى إلى التجار. ما ينذر باستمرار انهيار الطبقات الاجتماعية اللبنانية.

أهل الخير
تعج صفحات التواصل الاجتماعي في لبنان بالعديد من "الوسوم"، و"الهاشتاغ" التي تظهر كماً من المؤسسات الخيرية المدنية المعنية بتقديم أطباق رمضانية وحصص غذائية للمواطنين. كما تظهر بشكل واضح الحملات الفردية التي يقوم بها بعض الميسورين لمساعدة الأقل اجتماعياً، من خلال التبرعات الشخصية، والمساعدات الشخصية التي يقوم بها الأفراد تجاه العائلات المستورة.

إن كان لهذا الواقع الجديد وجهه الإيجابي، والذي يظهر اللحمة بين اللبنانيين ومساعدة بعضهم البعض لتخطي نتائج الأزمة، إلا أن الحقيقة المؤلمة تكمن في أن تكاتف اللبنانيين لمواجهة الأزمة جاء بعد فشل أو غياب الدولة اللبنانية المولجة قانوناً وتشريعياً واجتماعياً بتقديم المساعدات للطبقات الفقيرة، من خلال برامج اجتماعية، فهي نفسها مفلسة.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024