نصف اللبنانيين بلا طبابة.. ولا مساعدة دولية

خضر حسان

الإثنين 2021/04/05
حَاصَرَ ارتفاع سعر الدولار إلى معدّلات غير مسبوقة في تاريخ لبنان، كافة القطاعات، وأهمّها القطاع الصحي. وبما أن المستشفيات الحكومية تعاني الإهمال الرسمي منذ عقود، كانت المستشفيات الخاصة ملاذاً حقيقياً، لما تمتلكه من معدّات ومستلزمات وأطقم طبية مواكبة للتقدّم العلمي. ونَجَحَ الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في إفادة شريحة واسعة من اللبنانيين، من خدمات المستشفيات الخاصة، عبر تغطياته المشمولة بفرع المرض والأمومة، في ظل عدم التزام الدولة بدفع حصّتها من المساهمة المالية، حتى وصل عجز الدولة لصالح الضمان، نحو 4500 مليار ليرة.

خياران حاسمان
لم تعد المستشفيات قادرة على تقديم الاستشفاء بمعزل عن تبدّل سعر الصرف، الذي فَرَضَ نفسه عاملاً حاسماً في إدارة أمور البلاد بكل جوانبها. فطغى الارتفاع الهائل والمتواصل على جشع أغلب المستشفيات الخاصة، التي كانت تمارس فوقيّتها وانتقائها للمرضى بحسب قدراتهم المادية. واليوم، بات الانتقاء أمراً واقعاً لا يمكن للدولة كبحه.

وما يزيد الطين بلّة، هو قرار المستشفيات رفع تعرفتها، فيما الضمان الاجتماعي غير قادرٍ على مواكبة الارتفاع، ما يضعه أمام خيارين أحلاهما مُر. أفضلهما "العمل على غرار الضمان الاختياري. أي التغطية حسب ما يصل للضمان من أموال، مع إعطاء الأولوية لمرضى السرطان والأمراض المستعصية". والأسوأ هو "وقف التقديمات لكل المضمونين، إلى أن تدفع الدولة مستحقاتها"، على حد تعبير المدير العام للصندوق، محمد كركي، الذي يؤكّد لـ"المدن"، بأن ما يواجهه الضمان "ليس خطِراً عليه (كمؤسسة)، بل هو خطرٌ على الأمن الاجتماعي والصحي للناس". فالصندوق مستمر في تقديم خدماته، وخاصة في فرع نهاية الخدمة، إذ أنّ "أموال وتعويضات الناس مكفولة حتى العام 2065. والتعويضات العائلية ستشهد هذا العام توازناً وقابلية لتحقيق فائض بين 30 و40 مليار ليرة، بعد أن سجّلت عجزاً وصل إلى 300 مليار ليرة".

انخفاض عدد المضمونين
الإيجابية الذي يشهدها فرع نهاية الخدمة لم يعد يمكنها تغطية عجز فرع المرض والأمومة، لأن هذا النهج سيستنزف الموجودات. على أنّ أبرز معاني استمراره، هو إعطاء صك براءة للدولة، وإعانتها على استمرار تجاهلها للصندوق الذي يطالبها بدفع مستحقاتها، وليس تقديم مساعدات استثنائية أو تقديم سلفات مالية يعجز الصندوق عن سدادها، على غرار مؤسسة كهرباء لبنان. وبالتالي، بات من الضروري اعتماد الصندوق لنهج سداد متوجباته في حال تأمين الأموال من الدولة، وإلاّ، مواجهة النتائج.

تلك النتائج كارثية بلا شك. خصوصاً وأن أعداد المشمولين بتغطية الصندوق تتناقص تباعاً، إلى جانب انخفاض القدرة الشرائية لما يقدّمه الضمان من تغطية. إذ يقول كركي أنّ "عدد الأجراء المسجّلين في الصندوق، بين العامين 2019 و2020، تراجع بحدود 50 ألف أجير، بعد أن كان يتزايد حتى حدود العام 2018. كما أن 50 بالمئة من المضمونين، يتقاضون أجراً أقل من مليون ليرة".
وتضغط الأزمة الاقتصادية وانتشار فيروس كورونا، باتجاه إقفال أبواب المزيد من المؤسسات والشركات، ما يؤدّي إلى انخفاض أعداد المضمونين وارتفاع معدّلات انكشاف الأمن الصحي والاجتماعي، خصوصاً وأن أرقام البنك الدولي تشير إلى وصول الفقر في لبنان إلى حدود الـ50 بالمئة. وهو ما يؤكّده نائب رئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فريد بلحاج. فيما بعض التقديرات تشير إلى 60 بالمئة للفقر، و22 بالمئة لما دون خط الفقر.

الدولة خارج اللعبة
ما يواجهه فرع المرض والأمومة في الضمان، لا يمكن لوزارة الصحة تغطيته. بل إن اتّخاذ الصندوق للخيار الأسوأ، سيعني انتقالاً جماعياً للمضمونين، نحو الوزارة غير القادرة على تأمين كلفة استشفاء هؤلاء. ويقدّر كركي أعداد المنتقلين مستقبلاً إلى كنف وزارة الصحة، بـ"نحو 130 ألف شخص". والمستشفيات لن ترضى تقديم خدماتها لمرضى الوزارة، وهي التي كانت توصد أبوابها في وجههم في عهد استقرار سعر الصرف، فكيف الحال في ظل التقلّب وارتفاع التكلفة؟

إذاً، الدولة ستكون خارج لعبة الاستشفاء. فلا مؤشر يؤكّد قدرتها على تسديد مستحقات الضمان، مع أنها مكفولة في قوانين الموازنات المتعاقبة، وواقع وزارة الصحة معروف. والأخطر، هو إمكانية إعلان الدولة رسمياً انسحابها من الضمان، أي توقّفها عن دفع حصّتها من الاشتراكات المقسّمة بينها وبين العمال وأصحاب العمل. وهذا الخيار غير مستبعد في ظل الوضع المالي الكارثي للدولة.

لا أفق
نصف اللبنانيين سيصبحون فقراء، أغلبهم من دون تغطية صحية، ومَن يحظى بواحدة، فهي بلا قيمة فعلية، وغير معترف بها لدى المستشفيات. أما الحل، فلا أفق له من دون استعداد المنظومة الحاكمة لاجراء تغييرات فعلية، ليس لقلب الوضع رأساً على عقب، بل على الأقل للحصول على المساعدات الدولية. ذلك أن مستوى الانهيار يحتّم الحاجة إلى مساعدات على شكل هبات وليس قروض. وهو أمر غير مطروح على مستوى دولي. فلا أحد يثق بالمنظومة الحاكمة. وإلى حين اجتراح مخرجٍ ما، تتحوّل الطبابة مع الوقت إلى تَرَفٍ لن يحظى به سوى قلّة من اللبنانيين. وهو ما يؤكده رئيس ​لجنة الصحة النيابية​ النائب ​عاصم ​عراجي​،​ الذي يرى أن رفع التعرفة الصحية سيؤدي إلى "إنهيار المؤسسات الضامنة"، فيما تحميل الكلفة للمرضى سيعني أن الاستشفاء أصبح "للأغنياء فقط".

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024