الصرّافون أشطر من الدولة: أغلقوا شتورا وفتحوا دكاكين بديلة

لوسي بارسخيان

الثلاثاء 2021/03/09
بعد أيام على محاولة شبان إغلاق سوق الصرّافين في ساحة شتورا، وتحميلهم مسؤولية فلتان سعر صرف الدولار، وصولاً إلى تخطيه سقف عشرة آلاف ليرة في نهاية الأسبوع الماضي، أقفل صرّافو شتورا مؤسساتهم طوعاً، صباح اليوم الثلاثاء 9 آذار، ولليوم الثاني على التوالي. وهم حاولوا استعادة المبادرة  في واحدة من أبرز تجمعاتهم، فأحكموا السيطرة على منافذ الساحة نحو الطرق المؤدية إلى البقاع وأقفلوها!

لماذا يحتج الصرافون؟!
بدا المشهد سوريالياً هذه المرة. ففيما الطرق في البقاع، كتعلبايا وسعدنايل وغيرها، تقفل احتجاجاً على ارتفاع سعر صرف الدولار، كان الصرّافون أيضا يقفلون الطريق في ساحة شتورا بسياراتهم الفخمة وبالإطارات المشتعلة، مستعينين بفتية لإبقاء الإطارات ملتهبة، ولمنع كل محاولة لخرق الحصار الذي فرضوه على الساحة. وقد عرقلوا حركة عبورها من المواطنين. والتبس الأمر بدايةً على المارين. ولولا بضعة لافتات تتحدث عن عدم السماح بتحول الصرافين كبش محرقة، لظن بعضهم أنه أمام مشهد آخر من مشاهد "غضب الشارع" بوجه الدولار والمتسببين بارتفاعه.

حركة الصرّافين جاءت احتجاجاً على مداهمات وتوقيفات نفذها جهازا أمن الدولة والأمن العام في حق عدد من صرّافي الساحة. وعن أسباب إقفال الساحة المعلنة قال صرافون، إنهم يرفضون تحويلهم "كبش محرقة" وتحميلهم مسؤولية رفع سعر الدولار، متهمين المصارف بالتسبب بالقفزة الأخيرة للدولار، بسبب امتصاصها مبالغ طائلة من الدولارات المتداولة في السوق الموازية.

لكن الأسباب الفعلية، هي ضغط الصرّافين للإفراج عن زملائهم الموقوفين. أحدهم كانت قد شُمِّعت أبواب مؤسسته بالأحمر، عملاً بإشارة النيابة العامة المالية، وبمحضر ضبط من شعبة البقاع في دائرة الأمن القومي في الأمن العام.

وطالب الصرّافون بحرية زميلهم، أسوة بصرّاف آخر كان جهاز أمن الدولة قد داهم منزله على بعد أمتار من ساحة شتورا، قبل أن يخلي سبيله بعد ساعات من توقيفه.

مداهمة منزل الصرّاف وجهت الأنظار إلى أماكن وزوايا رديفة لمحلات الصيرفة، نقل إليها معظم الصرافون نشاطهم بعيداً عن رقابة الأجهزة الأمنية والقضائية، ووصولا لتأمين خدمة الديليفيري إلى المنازل.

أماكن جانبية بديلة
كان ذلك في زحمة أزمة الليرة اللبنانية، قبل عام تقريباً، عندما اتخذ القضاء قراراً بإقفال جميع محلات الصيرفة في ساحة شتورا، وشمع عدداً كبيراً منها بالأحمر، واعتقل عدداً من الصرافين. لكن بدت حينها محاولة "غير مجدية" لفرملة نشاط صرافي الساحة، لوقف تدهور قيمة العملة اللبنانية، وامتصاص نقمة الناس على فلتان سعر الدولار.

أدى إقفال مؤسسات الصرافة في ساحة شتورا، إلى تحفيز الصرّافين لإيجاد أماكن تداول بديلة. وهذا للحفاظ على رمزية ساحة شتورا التي لا تزال واجهة هذه التعاملات، وعنواناً لـ"قبضايات" الساحة، ممن تضخمت أحجام بعضهم وحيازتهم كميات كبيرة من "السيولة النقدية"، سواء بالليرة اللبنانية أو بالدولار.

يصر الصرّافون على مزاولة نشاطهم في أي مكان ليس مخالفا للقانون، طالما أنهم يملكون رخصاً بتداول العملة. وليسوا هم من يحدد سعر صرف الدولار في السوق السوداء، إنما حجم الطلب الذي بات يوازي أضعاف حجم المعروض في السوق الرديفة. وهم يؤكدون أنهم يحاولون التعايش مع تداعيات أزمة ليسوا هم من افتعلها، بل المصارف التي جففت الأسواق من الدولارات، تاركة الناس يتهافتون على شراء الدولار، ومن دون سقف محدد لسعره الأسود.

تنفيسة شعبية
أما التحركات الشعبية لـ"غضب" الناس في منطقة البقاع كما في سائر المناطق اللبنانية، فبدا أنها بحاجة إلى "تنفيسة". وقد شارك الصرافون أنفسهم بتوفير هذه التنفيسة، فأقفلوا واجهات مؤسساتهم في العلن، وتداولوا الدولار خفية.

وإقفال الصرّافين واجهات مؤسساتهم طوعاً، يشبه إلى حد بعيد ما اتخذته الدولة عبر وزارة الاقتصاد من "إجراء تنفيسي": ملاحقتها المنصات والتطبيقات والمواقع الإلكترونية التي تتناقل أسعار صرف الدولار، فيما الجميع مدرك أن حجب معلومات هذه الوسائل في العلن، لا يحجب تداولات الصرافين في السر، تماما كما أن إقفال الصرافين واجهات محلاتهم، لا يعني أنهم توقفوا عن بيع الدولار وشرائه.  

وعندما احتج عدد من الشبان قبل أيام على فلتان سعر صرف الدولار، ووجّهوا احتجاجهم في اتجاه ساحة شتورا، قال هؤلاء إنهم لن يتركوا الصرافين يهنأون داخل مؤسساتهم، وسيلزموهم على إبقائها مغلقة حتى يتوقف التلاعب بسعر صرف الدولار.

لكن تحرك الشبان ظل يتيماً، واختفى هؤلاء من المشهد سريعاً، مرسخين القناعة بصعوبة إلزام محلات الصيرفة بالإغلاق، حتى من قبل الدولة وأجهزتها الأمنية. وإذا أغلقت واجهاتها، فذلك لا يعني أن تداولها بالدولار يتوقف. وبالتالي لن ينجح ذلك في لجم سعر صرفه. ففوضى سعر الدولار سببه بات معلوماً: أزمة مالية شديدة العمق. وبالتالي لا عودة إلى الاستقرار النقدي السابق، إلا بإعادة ضخ الحياة مجدداً في الاقتصاد اللبناني.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024