مفاعل نووي لبناني لإنتاج الطاقة الكهربائية

البروفيسور جاسم عجاقة

الأربعاء 2017/03/08
مع عودة ملف الكهرباء إلى الواجهة، يُطرح السؤال عن الإستراتيجية الحرارية اللبنانية، وعن غياب سياسة Mix-Energy التي من الواجب اتباعها حفاظًا على الأمن الحراري للدولة اللبنانية، بهدف تقليل الفاتورة الحرارية على الإقتصاد اللبناني. فهل للطاقة النووية مكان في هذه الاستراتيجية؟

الطاقة النووية هي عبارة عن طاقة اكتشفها في ثلاثينات القرن الماضي العالمان نيل بوهر وألبير أنشتاين. وأظهر هذا الاكتشاف أن عملية إنشطار نواة ذرّة اليورانيوم تولّد طاقة هائلة يُمكن إستثمارها في مجالات عدة، منها الطبّي، العلمي، الإقتصادي والعسكري.

المكان الذي يتمّ فيه توليد هذه الطاقة يُسمّى بالمفاعل النووي الذي يُصنّف إلى ثلاثة أنواع، بحسب نسبة تخصيب الوقود النووي (اليورانيوم):

أولاً: التخصيب بنسبة ٢٠٪ الذي يسمح باستخدام المفاعل في الأبحاث العلمية والمجال الطبّي.

ثانياً: التخصيب بنسبة ٥٠٪ الذي يسمح بتوليد الطاقة الكهربائية.

ثالثاً: التخصيب بنسبة ٨٠٪ الذي يولّد طاقة تُستخدم في المجال العسكري وخصوصاً البرامج النووية العسكرية.

أدّى استخدام القنبلة الذرّية في الحرب العالمية الثانية، والأضرار التي نتجت عنها، إلى جعل هذه الطاقة محصورة في عدد ضئيل من البلدان في العالم. بالتالي، فإن الحصول على هذه التكنولوجيا يبقى مساراً طويلًا يمتد على مدى ٢٠ إلى ٣٠ عاماً، إذ تبقى المهمّة الرئيسية للهيئة الدولية للطاقة الذرية هي التأكد أن هذه التكنولوجيا لن تُستخدم لأغراض عسكرية.

البعد الإقتصادي والاجتماعي
مما لا شك أن الاستخدمات الطبية للمفاعل النووية لها أهمية كبرى في حياتنا اليومية على مثال المعالجة الطبية التي تنتج عن استخراج النظائر الفيزيائية (Isotop). وعلى صعيد توليد الطاقة، هناك فائدة هائلة من خلال الكلفة المتدنيّة والاستقلال الحراري اللذين يتمتّع بهما البلد الذي يُنتج الكهرباء من خلال الطاقة النووية.

فعلى صعيد الكلفة، نرى أنّ غراماً واحداً من اليورانيوم المستخدم في إنتاج الطاقة الكهربائية يعادل طنين من الفيول أو ٣ أطنان من الفحم. بالتالي، فإن الحاجة إلى استيراد اليورانيوم لا تخضع للمعايير نفسها التي يخضع لها النفط، ولا إلى ديناميكية التغيّر في الأسعار.

في فرنسا، تبلغ نسبة الكهرباء المُنتجة من أصل نووي ٨٠٪ من مُجمل الطاقة الكهربائية. ما يجعل فرنسا شبه مُستقلّة حرارياً، خصوصاً أن مصدر الوقود النووي هو مُستعمرة قديمة لها (مالي). ويُقدّر التوفير في الفاتورة الحرارية الفرنسية نتيجة الاعتماد على الطاقة النووية بعشرات المليارات من الدولارات سنوياً.

أما في اليابان، البلد الذي يعتمد بشكل كبير على الكهرباء من أصل نووي، فقد أدّت حادثة فوكوشيما في العام ٢٠١١ إلى قرار الحكومة بوقف العمل بكل المفاعل النووية في البلاد. ما أدّى إلى رفع الفاتورة الحرارية. بالتالي، ارتفعت المديونية العامّة إلى أكثر من ٢٧٠٪ من الناتج المحلّي الإجمالي (المرتبة الأولى في العالم من ناحية المديونية).

وفي العالم هناك أكثر من ٤٤٠ مفاعل نووياً، في الولايات المُتحدة الأميركية (١٠٤)، فرنسا (٥٩)، اليابان (٥٣)، روسيا (٣١).

الملاحظ أن عدد العاملين في هذا القطاع يختلف بحسب البلدان، لكن التقديرات تُشير إلى تراوح نسبة العاملين فيه بين ١ و٢٪ من مُجمل اليد العاملة. أما مالياً، فيبقى البعد الاستراتيجي والمخاوف من امتلاك البلدان السلاح النووي عائقاً أساسياً أمام رفع مُساهمة هذا القطاع في الناتج المحلّي الإجمالي، إذ تبقى هذه المساهمة أقلّ من ١٪.

مُفاعل نووي في لبنان؟
من المعروف أن معهد البحوث العلمية اللبناني قام منذ أعوام باتصالات مع الهيئة الدولية للطاقة الذرية بهدف البحث في إمكانية إنشاء مفاعل نووي للأبحاث. لكن هذه الاتصالات ما لبثت أن توقفت نظراً إلى الشروط التي تفرضها الهيئة الدولية للطاقة الذرية، والتي يُمكن تلخيص أهم نقاطها بالآتي:

أولاً: الثبات السياسي والأمني، وهو ما يفتقد له لبنان، حيث طالبت الوكالة بمرحلة تجريبية تتخطّى العشرين عاماً؛

ثانياً: القدرة على رصد موازنة صيانة سنوية للمفاعل في الموازنة العامّة. وهذا ما لا يُمكن تحقيقه في لبنان نظرًا لغياب الموازنة والعجز المُزمن الذي يضع الدولة في موقف صعب تجاه المفاعل النووي والذي توازي إلزامية صيانته أهمية خدمة الدين العام (الأهمية وليس الكلّفة)؛

ثالثاً: الحوكمة الرشيدة التي تفرض غياب الفساد والهدر في الإدارة العامّة أقلّه في مجال إدارة القطاع النووي. وهذا ما لا يُمكن التأكّد منه في لبنان.

هذه النقاط وحدها جعلت من شبه المُستحيل للبنان طلب امتلاك مُفاعل نووي للأبحاث، مع العلم أن بعض الدول الأوروبية منها هولندا أعلنت استعدادها لتقديم مفاعل نووي مجاني إذا ما وافقت الهيئة الدولية للطاقة الذرية على ذلك. وهذه الموافقة مستحيلة في ظل الظروف السياسية الحالية في لبنان.

وتجدر الإشارة إلى أن امتلاك لبنان مفاعل نووياً لإنتاج الكهرباء (برعاية دولية بالطبع) كان ليُوفّر على لبنان ما يزيد على ٣ إلى ٤ مليارات دولار سنوياً كلفة مباشرة لثمن الفيول، وكلفة غير مباشرة على الإقتصاد اللبناني. لكن، يبقى لبنان بنظر الهيئة الدولية للطاقة الذرية غير مؤهّل لامتلاك مفاعل نووي.

في ظل ذلك، يُطرح السؤال عن أسباب تقاعس الدولة في حلّ معضلة الكهرباء ووضع استراتيجية Mix-energy تسمح باستخدام الطاقة المتجدّدة وبالإستغناء عن معمل الذوق الحراري لمصلحة توليد الطاقة من الرياح.

يبقى القول إن ربط القرارات الإقتصادية بالقرارات السياسة مشكلة كبيرة في لبنان، تُكلّف الدولة والمواطن مبالغ طائلة على مثال قطاع الكهرباء الذي كلّف الدولة ١٦ مليار دولار أميركي من العام ٢٠٠٨ حتى يومنا هذا.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024