الضرب في خاصرة الحلفاء

عصام الجردي

الأحد 2019/06/16
دفع الرئيس الأمريكي دونالد ترمب إيران في الحرب الاقتصادية عليها، إلى استخدام ما ملكت يدها للدفاع عن نفسها. لا تملك إيران وسائل الحرب الاقتصادية المضادة لجبه العقوبات. ولا القدرة العسكرية لجبه الترسانة الأميركية. فترد في خاصرة واشنطن في المنطقة السعودية والإماراتية. ترمب يقول بخبث، إنه لا يريد تغيير النظام الإيراني بل تحسين سلوكه. والسلوك يساوي النظام نفسه ومشروعه العبثي في المنطقة.
لم تعد مسؤولية إيران في استهداف ناقلتي النفط في بحر عُمان موضع سؤال. ولا استهداف ناقلة النفط في الفجيرة ومطار أبها ومحطتي استخراج نفط في السعودية. طهران وفرّت مسبقاً كل الدلائل على أنها الفاعل. نفيها فقط باقٍ بلا دليل. "لن نسمح بتصدير النفط لو منعنا من تصدير نفطنا". أكدت طهران ذلك أكثر من مرة. ظني أن الرئيس الأميركي لن يقدّم هذه المرة فاتورة إلى السعودية لقاء ثمن حمايتها كما يردد متبجحاً. توقف كلامه عن حماية حلفاء واشنطن في المنطقة. صار يتحدث عن حماية مصالح الولايات المتحدة فحسب. لكن لا ضير، ففواتير شراء السلاح الأميركي من السعودية والإمارات تكفي وتزيد. وبالتأكيد ليست الوصفة السحرية لتمويل خطة التنمية 2020 – 2030. وطهران لا يعوزها ترمب وتهديداته وعقوباته كي تصعّد في مضيق هرمز والخليج. متمسكة بمشروعها في المنطقة العربية وباتت أسيرته. والمشروع بدوره ليس الوصفة السحرية لتقدم إيران واستثمار مواردها الكبيرة في التنمية ورفاهية شعبها والسلام.

السابع من تموز
لن تجدد طهران مهلة الستين يوماً التي تنتهي في 7 تموز المقبل لتمكينها من الحصول على المكاسب الاقتصادية التي نص عليها الإتفاق النووي. أكد الأمر الرئيس حسن روحاني في قمة "التعاون وبناء الثقة في آسيا" التي عقدت في العاصمة الطاجيكية دوشنبه. وقال إن بلاده ترفض الاستمرار في التزامها الإتفاق من دون أن التزام بقية أطرافه. والمقصود هنا الأطراف الأوروبيون أكثر من الطرف الأميركي. المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني كان أعلن، في 8 أيار الماضي، عن قرارات تعليق تنفيذ تعهدات الإتفاق النووي. رداً على ما تصفه طهران تسويف الشركاء الخمسة الباقين في الاتفاق. رفعت القيود عن إنتاج اليورانيوم والمياه الثقيلة. وتشمل المرحلة الثانية، رفع مستوى تخصيب اليورانيوم في مفاعل آراك.

وزن البتروكيميائيات
كان لافتاً، أن التوتر في بحر عُمان ومضيق هرمز، وتصعيد طهران باستهداف منشآت حيوية في السعودية، جاء بعد العقوبات الأميركية الجديدة التي فرضت حظراً على صادرات طهران من البتروكيميائيات ومشتقاتها. وهي مورد مهم جداً للتدفقات النقدية إلى إيران. فتصفير صادرات النفط بعد تصعيد العقوبات الأميركية، واضطرار دول كثيرة مستوردة للنفط الإيراني مثل الصين، والهند، وتركيا، وكوريا الجنوبية إلى استجابة الحظر الأميركي كلياً أو جزئياً، لم يمنع طهران من زيادة الإعتماد على تصنيع المشتقات البتروكيمائية لتعويض جزء من فاقد الصادرات النفطية. خصوصاً بعد أن بات خزين النفط لديها متاحاً بكميات أكبر بعد حظر صادراته. ولدى إيران ما يكفي من الخبراء للقيام بهذه المهمة، رغم حاجتها الماسة إلى معدات التقانة المشمولة بالحظر التي تُعرض الشركات الأميركية والأوروبية عن تزويدها إياها، وتمدها موسكو بجزء منها. فحجم صناعة  البتروكيميائيات ومشتقاتها كبير جداً في الإقتصاد الإيراني. وبحسب المعلومات التي أتيح الوصول اليها نقلاً عن مصادر حكومية ايرانية ووكالة أنباء "فارس"، فقد بلغت صادرات المنتجات البتروكيميائية والبوليمرية في السنة الفارسية المنتهية في 20 آذار2018، 22 مليوناً و410 ألاف طن. بزيادة مليوني طن عن 2017. في محاولة لتعويض جزء من صادرات النفط. أمّا قيمة الصادرات فبلغت نحو 12 ملياراً و12 مليون دولار اميركي. بارتفاع  2.46 مليار عن 2017. وهو رقم لا يستهان به ولا غنى عنه.

لا أمن والعقوبات
لن تعدم طهران وسيلة للفكاك من أُنشوطة العقوبات على خنّاق  الاقتصاد والوضع المعيشي في البلاد. مساعد وزير الخارجية عباس عراقجي صرّح قبل يومين من استهداف ناقلتي النفط في بحر عُمان، إن "الهدوء والأمن لن يعودا إلى المنطقة من دون الهدنة في الحرب الاقتصادية". ويعكس مجرد طلب الهدنة فداحة أثر العقوبات الاقتصادية على الداخل الإيراني وعلى مشروع إيران السياسي في المنطقة. وفي الواقع، باتت طهران بعدما فقدت الأمل من "الشيطان الأكبر"، تبدي الكثير من الحنق على أطراف الإتفاق النووي الأوروبيين، الذين يضغطون عليها كي لا تنسحب بأي ثمن من  الإتفاق. وهو ما حذر منه وزير الخارجية الألماني هايكو ماس الثلاثاء الماضي. بينما فشلت مساعدة مسؤولة الأمن والسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي هلغا إشميد خلال زيارتها طهران في الحصول على وعد بالتزام طهران الإتفاق، ما لم تفِ الأطراف الأوروبية بشروطه الإقتصادية تجاهها. الموقف نفسه أبلغه رئيس مجلس الشورى علي لاريجاني، لرئيسة لجنة السياسة الخارجية في البرلمان الفرنسي، ماريل دوسارنز في طهران. وقال إن "الوعد الذي قدّمه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للرئيس روحاني بقي حبراً على ورق". وسأل، "في ظل انعدام المعاملات المالية بين المصارف، كيف يمكن أن تعمل الشركات الإيرانية والفرنسية"؟ وذكّرها بحسب وسائل الإعلام، بأن توتال الفرنسية "كانت الشركة الأولى التي انسحبت من إيران بعد انسحاب ترمب".

حنق على الأوروبيين
في اعتقادي أن قرار انسحاب الولايات المتحدة من الإتفاق النووي، كشف خللاً بنيوياً في موقف الدول الأوروبية الموقعة عليه لم يكن في الحسبان. فتلك الدول التي ما تزال متمسكة بالإتفاق، وجدت فيه بالإضافة إلى الحدّ من قدرات إيران لتصنيع سلاح نووي، فرصة مناسبة لمكاسب اقتصادية واستثمارية من خلال عودة شركاتها إلى الاستثمار في مشاريع ضخمة تحتاجها طهران. وتقدّر وفقاً لمصادر غربية إنها باتت نحو 150 مليار دولار أميركي. بيد أن الشركات الأوروبية المملوكة من القطاع الخاص، وجدت نفسها من جديد أمام العقوبات الاقتصادية الأميركية. وحين فشلت محاولة المفوضية الأوروبية ابتكار آلية خاصة "إينستكس" تسمح للشركات الأوروبية التعامل مع طهران من دون الوقوع في حظر العقوبات الأميركية، وجدت الشركات الأوروبية نفسها من حيث لا تريد، شريكاً في حرب ترمب الاقتصادية على طهران لتفادي العقوبات. وبهذا المعنى، باتت العقوبات الأميركية بطريقة غير مباشرة، عقوبات على اقتصادات الدول الأوروبية التي لها، وخلافاً للولايات المتحدة، مصالح استثمارية وتجارية ضخمة مع طهران، وما تزال تغتسل من أدران الركود الذي تسببت به أزمة 2008 المالية، الأميركية المنشأ أيضاً.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024