فضيحة "الباسبور" القبرصي: شراكة الفساد اللبناني والمافيا الروسية

خضر حسان

الجمعة 2020/10/16
لبرهة كادت الفضيحة القبرصية تمرّ من دون أصداءٍ في لبنان، فلا صوتَ يعلو فوق صوت الفساد اللبناني. لكن القليل مِن الجهد كان كافياً لكشف تورّط لبنانيين في استغلال القانون القبرصي الذي يسمح لكبار المستثمرين والمتموّلين، بالحصول على جواز السفر الذهبي واكتساب الجنسية القبرصية، لقاء الاستثمارات التي تهدف قبرص اليونانية لكسبها، علّها تسهم في تطوير اقتصادها وجعلها مزاراً لرؤوس الأموال.
فضيحة أدت إلى استقالة رئيس البرلمان القبرصي ديمتريس سيلوريس أمس الخميس، إثر انكشاف تلقي مسؤولين قبارصة أموالا مقابل منح جنسية هذا البلد العضو بالاتحاد الأوروبي إلى مجرمين وأصحاب سوابق.

جاذبية الفساد القبرصي
ليست قبرص اليونانية جزيرة معزولة، فلم تستطع المياه المحيطة بها من الجهات الأربع، غسل الفساد في أروقتها السياسية ومنعه من التسرّب إلى الاقتصاد. وعليه، عجزت الجزيرة عن كسب 7 مليارات يورو من قانون الجنسية الذي عُرِفَ بقانون جواز السفر الذهبي، دون تلويث تلك الأموال بالفساد، ذلك أن مسؤولين قبارصة استغلّوا مناصبهم الرسمية لتسهيل مَنح جواز السفر الذهبي لأشخاص مُتَّهَمين بقضايا جنائية دولية، لا يحق لهم الاستفادة من القانون في حال النوايا السليمة، فكيف إذا كان الهدف الفعلي من سعيهم لاكتسابهم الجنسية القبرصية، هو تضليل العدالة الدولية والمحلية في بلادهم، عن طريق إخفاء هويّتهم الحقيقية بهوية قبرصية جديدة؟ إذ يسمح القانون بإعطاء "حقٍّ" ذَهَبي لحامله، بتغيير إسمه، واختيار آخَر مغاير للاسم الفعلي الوارد في جواز سفر الدولة الأم.

العديد من المطلوبين استفادوا من القانون، وهذا ما أثبتته التحقيقات الاستقصائية التي قامت بها قناة "الجزيرة"، والتي كشفت تورّط سياسيين قبارصة. وهو ما دفع السلطات القبرصية إلى إعلان وقف برنامج منح الجنسية مطلع شهر تشرين الثاني المقبل، وإعادة النظر بآليات جذب الاستثمارات الخارجية، وسد الثغرات القانونية التي ينفذ منها المستفيدون غير الشرعيون.

حصّة اللبنانيين
استطاعَ الصحافيون الاستقصائيون الحصول على جواز سفر لشخص وهميّ اختُرِعَ لأجل إثبات حجم الفساد الذي ينخر نظام الجزيرة، وتمكّنوا دونما قصدٍ، من وضع إشارات دلَّت "المدن" على مصرفيين ورجال أعمال أسهَموا في زيادة قصيدة الفساد القبرصي، بأبياتٍ من شِعرِ الفساد اللبناني.

البحث في هذا الملف، أفضى إلى تأكيد تورّط رجال أعمال ونافذين من الجنسية الروسيّة، حصلوا على جواز السفر القبرصي وأخفوا هويّتهم الروسية بالقبرصية، وبالتالي باتوا خارج يد القضاء الروسي والدولي، إذ أصبحوا "شخصاً آخر". والمسار الروسي أوصَلَ "المدن" إلى أيادٍ لبنانية عملت على "تسهيل حصول بعض رجال الأعمال الروس على جواز السفر القبرصي، إما بتأمينه مباشرةً، أو تسهيل شرائهم لعقارات أو فتح استثمارات بملايين الدولارات، وذلك يُحقِّق شرطاً أساسياً من شروط اكتساب الجنسية"، حسب ما يؤكّده أحد رجال الأعمال اللبنانيين، في حديث لـ"المدن".

لم يَلحَظ التحقيق الاقتصادي تورّط لبنانيين، لكنّ "حارتنا ضيقة ونعرف بعضنا في لبنان، خاصة وأن نادي رجال الأعمال اللبناني مكشوف، وأحياناً يتباهى بعض رجال الأعمال اللبنانيين بعلاقاتهم مع رجال أعمال من جنسيات أجنبية، فيصبح من السهل الوصول إلى شبكة الفساد المنغمسون بها. وعند انكشاف تحقيقات ووثائق مشابهة لتحقيق قناة الجزيرة، أو وثائق بنما أو ويكيليكس وغيرها، يُعاد ربط الأمور ببعضها". يقول رجل الأعمال.

مصرفيٌّ ورجل إعلانات
في سياق فضيحة قانون الجنسية القبرصي، يلفت رجل الأعمال النظر إلى وجود شخصيّتين لبنانيّتين بارزتين في هذا الملف "أحدهما رجل يتبوَّء منصباً رفيعاً في القطاع المصرفي، والآخر أحد أبرز أركان قطاع الإعلانات، وهما يعملان على بيع عقارات قبرصية لرجال أعمال من روسيا وغيرها من الدول".

ليسَ بيع العقارات بحدّ ذاته هو المشكلة، بل إنّ "تسهيل عمليات البيع، هو ما يجعل المتابعين للملف، يشكُّون بوجود خطبٍ في تكثيف الشراء وتسريع البيع". ويشير رجل الأعمال اللبناني إلى أن "إثبات تورّط رجال أعمال لبنانيين، بواسطة مستندات تدينهم قضائياً وتوثّق معرفتهم باستغلال القانون لإخفاء هوية أشخاص مطلوبين قضائياً، هو أمر مستحيل، فلا وثائق يقدّمها المُدان ويحتفظ بها المستَغِلّ، فالعلاقة بين الطرفين هي دائماً علاقة عمل (بزنس)، طرف يريد الجنسية وآخر يريد المال، دون داعٍ لمعرفة التفاصيل أو الاكتراث لها في حال معرفتها. وفي عالم البزنس، لا ذَنبَ للطرفين إن كانت السلطات القبرصية متورّطة، أو بأحسن الأحوال غافلة عن الثغرات القانونية. فالقانون القبرصي لا يمنع شراء وبيع العقارات ولا الاستثمار في الجزيرة، طالما أن البيع والشراء يتم بشكل قانوني، بل إنّ هذه العمليات الاقتصادية هي الأساس في جذب الأموال، والأساس في إطلاق قانون جواز السفر الذهبي".

تسهيلات في اليونان
رجال الأعمال اللبنانيين غالباً ما يوسّعون حجم استثماراتهم إلى خارج لبنان، وتحديداً إلى اليونان وقبرص، نظراً للقوانين التي تسهّل إنشاء وتصفية الشركات، إلى جانب التسهيلات التي تُقَدَّم على مستوى منح الجنسية أو الإقامة لدى شراء العقارات أو فتح استثمارات جديدة. غير أنّ اختلاف الأنظمة والقوانين، يجعل علاقة رجال الأعمال اللبنانيين برجال الأعمال الأجانب في تلك الدول، مختلفة هي الأخرى. وهُنا، لا بد من الإشارة إلى أن "نظام منح التسهيلات في اليونان، مختلف عمّا هو في قبرص، برغم النفوذ اليوناني في الجزيرة. فاليونان تمنح إقامة للمستثمرين ولا تمنح الجنسية، وتتشدّد في تطبيق القوانين والتدقيق في هوية المستفيدين من القانون".

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024