مصير حكومة ميقاتي معلّق بملفين وثلاث وزارات

علي نور الدين

الأحد 2021/09/12

في الشكل، حرص الأقطاب الذين شكّلوا حكومة ميقاتي على تطعيمها ببعض الأسماء المريحة لنظر المجتمع الدولي، كحال نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي، والذي رغم خلفيّته القوميّة السوريّة، يُعد أحد رجالات صندوق النقد داخل مجلس الوزراء المقبل. لكن وبعيداً عن هذه الشكليّات، التي لن تقدّم أو تؤخّر كثيراً في هويّة الحكومة الماليّة، من الواضح أن ثمّة ثلاث وزارات ستحدد الوجهة الاقتصاديّة الأساسيّة لهذه الحكومة، أو بالأحرى ستمسك بأهم الاستحقاقات الآتية وأكثرها حساسيّة، وهي وزارة الماليّة ووزارة الاقتصاد والتجارة ووزارة الطاقة والمياه.

بالتأكيد، ثمّة وزارات أخرى ستمسك بملفات بالغة الأهميّة خلال المرحلة المقبلة، كحال وزارة الشؤون الاجتماعيّة والبطاقة التمويليّة، ووزارة الداخليّة والبلديات وملف الانتخابات النيابيّة. لكنّ مسارات التصحيح المالي والاقتصاديّة الرئيسيّة، التي تربطها جميع الجهات الدوليّة بإمكانيّة الانفتاح على الدولة اللبنانيّة من جديد، مازالت محصورة بتلك الوزارات الثلاث. ومقاربة هذه الوزارات لملفّاتها ستحدد في المحصّلة احتمالات نجاح مرحلة التصحيح المالي والنقدي.

في المقابل، يبدو أن ملفين أساسيّين سيحددان مصير هذه الحكومة وقدرتها على الانسجام في إطلاق مسار الاصلاحات الماليّة والاقتصاديّة، وهما مسار التدقيق الجنائي ومصير حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. فمن الناحية العمليّة، ثمة لائحة طويلة من الخطوات التصحيحيّة المطلوبة دولياً ومحلياً لإطلاق هذا المسار. لكنّ المسائل الإشكاليّة القادرة على تفجير عمل الحكومة بمكونها الحاليّة، تتركّز اليوم في كيفيّة مقاربة هذين الملفين.

وبذلك، تصبح هويّة الحكومة الاقتصاديّة ومسارات عملها، لا بل وحتى مصيرها، مربوطة بملفين وثلاث وزارات.

وزارة الماليّة: الوزارة المفتاح
الوزارة المفتاح في المرحلة المقبلة ستكون وزارة الماليّة. وزير الماليّة هو ببساطة الوزير الوصي على مصرف لبنان، وبالتالي على مصير حاكم المصرف المركزي. وأي مقترح لمحاسبة الحاكم في الحكومة، أو تعيين حاكم آخر في حال عزل رياض سلامة، يُفترض أن يمر من خلال وزير الماليّة نفسه. هذا الوزير، سيكون المسؤول عن متابعة مسار التدقيق الجنائي، وإعادة صياغة خطة التعافي الماليّة قبل مناقشتها في مجلس الوزراء. وأي ملف يُعنى بوضع قيود على التحويلات، أو تطبيق أي قيود ستنص عليها قوانين يمكن إقرارها لاحقاً، سيحتاج إلى مقترحات أو مبادرات من وزير الماليّة نفسه. وخلال حقبة حكومة دياب، كان وزير الماليّة هو المسؤول عن عرقلة العمل على اقتراح قانون للكابيتال كونترول، بعد أن قام بسحب مسودة مشروع القانون عن طاولة مجلس الوزراء.

من هنا، يمكن فهم الإصرار الذي أبداه رئيس مجلس النوّاب على إبقاء الوزارة من ضمن حصّته. ومن هنا أيضاً، يمكن فهم تكليف يوسف الخليل تحديداً بمهام وزير الماليّة، الذي يمثّل بشخصه تقاطع مصالح وأولويات رئيس مجلس النواب وحاكم مصرف لبنان. فيوسف الخليل، المسمّى من قبل نبيه برّي، ليس سوى مدير العمليات في مصرف لبنان، الذي أشرف طوال السنوات الماضية على أكثر الملفات حساسيّة، كإدارة إصدارات الدين السيادي والتدخل في الأسواق الماليّة، بل وحتّى إدارة الهندسات الماليّة الشهيرة. باختصار، القادم إلى وزارة الماليّة اليوم ليس سوى ذراع رياض سلامة اليمنى، أو على الأقل: ذراعه الأساسيّة في الملفات الأكثر اتصالاً بالانهيار المالي.

وزارة الاقتصاد: الشريك في خطة التعافي
الشريك الأساسي لوزارة الماليّة في مسار تحضير خطة التعافي الماليّة، ليس سوى وزارة الاقتصاد، مع العلم أن هذه الوزارة شاركت خلال المرحلة الماضية بالتواصل مع شركة لازارد ووضع الملاحظات على الخطة قبل عرضها على مجلس الوزراء. وفي الوقت نفسه، يُعد وزير الاقتصاد عضواً حكمياً في وفد لبنان المفاوض مع صندوق النقد الدولي، وفي المفاوضات مع المصارف بوصفها طرفاً حاملاً لسندات الدين السيادي، أو حتى المفاوضات مع الدائنين الأجانب التي لم تبدأ بعد. فأي مسار يمكن أن يمس بدور الدولة الاقتصادي يمس حكماً بدور هذه الوزارة، ويحتّم وجود وزير الاقتصاد كجزء من فريق العمل. وعلى أي حال، من المتوقّع أن يشرف هذا الوزير أيضاً على ملفات أخرى كمكافحة الاحتكار وتوفّر المواد الأساسيّة، بالتوازي مع رفع الدعم عن هذه المواد.

يفسّر هذا الدور إصرار ميقاتي على الحصول على هذه الوزارة، في محاولة للحصول على مقعد مؤثّر في مسار المفاوضات مع صندوق النقد الدولي. في المقابل، حاول العهد الحصول على هذه الوزارة لتعويض ثقل يوسف الخليل في الماليّة، الذي سيستفيد منه كل من برّي وسلامة. وفي المحصّلة، كانت النتيجة توزير أمين سلام كتسوية ما بين ميقاتي وعون، وهي تسوية حرص على انضاجها صهرا الرجلين، أي جبران باسيل ومصطفى الصلح. المعطيات المتوفّرة حتى اللحظة، تشير إلى أن تسمية سلام جاءت من قبل باسيل، في مقابل تنازل عون عن تسمية وزير مسيحي.

وإذا صحّت المعطيات التي تشي بأن مربط خيل سلام سيكون عند جبران باسيل وفريق عمل العهد الاقتصادي، فقد يكون العهد قادراً على فرض وزارة الاقتصاد عنصر ضغط في الملفات الماليّة والاقتصاديّة.

وزارة الطاقة: صفقات المرحلة المقبلة
من المعلوم أن معالجة أزمة الكهرباء وفق خطة جديدة كاملة لم يعد ترفاً في سياق التعامل مع الانهيار الاقتصادي القائم، خصوصاً أن هذه الخطة كانت جزءاً من شروط صندوق النقد والفرنسيين والاتحاد الأوروبي لمساعدة لبنان. هذه الخطة، ستمتلىء بالصفقات والمشاريع الذي تثير شهيّة جميع الأطراف، من تلزيم إنشاء المعامل الجديدة وتشغيلها، إلى عقود الصيانة وتوريد الفيول، وصولاً إلى تلزيم عمليّات الجباية. وفي كل الحالات، وبمعزل عن هذه الخطة المنتظرة، ثمة استحقاقات داهمة مرتقبة، كإعادة تأهيل الشبكة لاستيعاب الكهرباء التي سيتم توليدها في الأردن بغاز مصري، أو إعادة تأهيل أنابيب خط الغاز العربي ومعمل دير عمار، للتمكن من الاستفادة من الغاز المصري. مع الإشارة إلى أن هذه المشاريع تندرج في إطار مبادرة "الغاز المصري" التي جرى إحياؤها مؤخراً بعد تذليل إشكاليّة العقوبات على سوريا.

في كل هذه الملفات، كان لدى التيار الوطني الحر أولوياته: حصّته في الهيئة الناظمة للقطاع بعد تطبيق الخطة، معمل سلعاتا وما يحيط به من صفقات عقاريّة، وحصّته في تلزيمات بناء وتشغيل وصيانة المعامل. ولهذا السبب بالتحديد، وضع التيار الحفاظ على وزارة الطاقة نصب عينيه، وأصر خلال المفاوضات على الاحتفاظ بهذه الوزارة بأي ثمن، وهذا ما تحقق أخيراً.

التدقيق الجنائي ومصير رياض سلامة
على هامش كل هذه الأدوار، تطفو على السطح إشكاليّتان ستحددان مصير هذه الحكومة وإمكانية سيرها في مسار متكامل من المعالجات: مصير حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ومستقبل عمليّة التدقيق الجنائي. فالعهد آثر طوال الفترة الماضية غض النظر عن مسألة مصير سلامة بوجود الفراغ في السلطة التنفيذيّة، لعلمه أن أي إقالة للحاكم في تلك المرحلة ستعني إحالة صلاحياته لنائبه الأوّل، الذي يمثّل رئيس مجلس النواب مرجعيّته الأولى. أما بعد تشكيل الحكومة، فمن الطبيعي أن يعيد العهد تحريك هذا الملف، وبالأخص بعد أن أصبح حاكم مصرف لبنان ملاحقاً بتهم تبييض الأموال والاختلاس والكسب غير المشروع في سبع عواصم حتّى اللحظة. وهنا يشير المقرّبون من العهد إلى أن فكرة وجود حاكم ملاحق بهذا الكم من الاتهامات، لا ينسجم مع المصداقيّة المطلوبة دولياً لإنجاح أي خطة تصحيح نقدي ومالي.

الاندفاع باتجاه محاسبة سلامة، يوازيه اندفاع من قبل العهد في ملف التدقيق الجنائي، الذي جرى إنجاز جميع الخطوات البيروقراطيّة والقانونيّة لإطلاقه خلال فترة الفراغ الحكومي. وهذا الملف، يندرج بدوره في إطار كشف خبايا المرحلة الماضية وحشر حاكم المصرف المركزي.

في المقابل، يبدو أن ميقاتي لم يحسم خياراته في هذين الموضوعين، فيما يبدو أن موقفه سيتأثّر حكماً بقربه الشخصي من حاكم مصرف لبنان، والذي انعكس بانسجام مواقف نواب كتلته في المجلس النيابي مع معظم مقاربات الحاكم الماليّة والنقديّة. كما من المتوقّع أن يتأثّر موقف ميقاتي من ارتباط تكليفه منذ الأساس بتوافقه مع الحريري، المعروف بدوره بقربه من حاكم المصرف المركزي، ومن انسجامه الشديد مع توجهاته المالية والنقديّة في جميع المراحل. وأخيراً، سيدخل حكماً على الخط تأثير سائر مكوّنات الحكومة، كالوزراء المحسوبين على حركة أمل والحزب الاشتراكي، الذين وقفوا في السابق في وجه أي محاولة لاستهداف موقع الحاكم، ووقف إلى جانبهم في هذه المسألة الوزراء المحسوبين على حزب الله.

من المفترض أن تبيّن الأسابيع الأولى التي ستلي تشكيل الحكومة وجهتها، إذ ليس من المرتقب –كما هي العادة- أن يحمل البيان الوزاري، الذي سيسبق منح الحكومة الثقة، أي تفاصيل باستثناء الكلام العمومي والفضفاض، الذي ألفه اللبنانيون في البيانات الوزاريّة. لكنّ الأكيد حتّى اللحظة هو أن طريقة تشكيل الحكومة وتحاصص المناصب الوزاريّة فيها، وأولويات جميع الأطراف فيها، لا توحي بأن ثمّة رؤية متكاملة لكيفيّة الخروج من نفق الانهيار الذي تمر به بلاد. لا بل توحي كل هذه المسائل بأن الحكومة ستكون ملعباً لتصفية الحسابات المتبادلة، وجني بعض المكاسب الجانبيّة، بالإضافة إلى حرص كل فريق على حماية مكاسبه ومصالحه.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024