ألمانيا ستعيد بناء مرفأ بيروت: عين على النفط والغاز

خضر حسان

الجمعة 2021/04/02
أفضَى تراكم الفساد إلى جريمة تفجير مرفأ بيروت. والفساد الموزَّع بالتكافل والتضامن بين أقطاب المنظومة، يمنع حتى اللحظة إعمار المرفأ، وما تلاه من تدمير للأحياء القريبة. فما زالت قوى المنظومة تتراشق المسؤوليات حيال التفجير، وترفض إجراء إصلاحات سياسية تؤسس لإصلاحات اقتصادية ونقدية، تمهّد الطريق لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في البلاد. علماً أنها الطريقة الأمثل لإخفاء الجرائم المتراكمة عبر 30 عاماً، والمدخل الأفضل لجذب المساعدات الدولية، وخصوصاً الأوروبية منها.

فبعد إشاحة المجتمع الدولي نظره عن لبنان، بفعل تعنّت المنظومة الحاكمة، حرّكت جريمة المرفأ "عاطفة" المجتمع الدولي، فبادر لإرسال مساعدات انسانية، استتبعها لاحقاً بإعلان نواياه استكمال المساعدات، وصولاً لإعادة إعمار المرفأ وما يترافق معه. شرط إجراء الإصلاحات.

فرنسا تتلقّف المبادرة
بادرت ألمانيا إلى تقديم اقتراحٍ حول إعادة إعمار مرفأ بيروت. وكانت وكالة "رويترز" قد نقلت عن مصادر، أمس الخميس، أن ألمانيا وفرنسا مهتمّتان بإعادة الإعمار، بمشاركة تمويلية من بنك الاستثمار الأوروبي، الذي سيقدّم ما بين 2 إلى 3 مليار يورو، من أصل تكلفة تصل إلى نحو 15 مليار يورو. وستعرض ألمانيا المشروع رسمياً على الحكومة اللبنانية، خلال أيام.

مشروع الإعمار لاقى استحساناً فرنسياً. إذ أن باريس تنشط منذ التفجير على خط ترتيب الأوضاع في لبنان وتهدئة الأجواء المشحونة، في إطار ما عُرِفَ بالمبادرة الفرنسية لحل الأزمة. ويأتي المقترح الألماني، كورقة دعم إضافية للمشروع الفرنسي، من دون إلغاء المبادرة ذات الطابع السياسي. ما يعني أن تمويل الجزء الأكبر من المشروع سيكون على عاتق كلّ من ألمانيا وفرنسا.

ويُذكَر أن برلين قدّمت مساعدات إنسانية عقب التفجير، وقدّمت خبراتها في مجال ترميم المباني التاريخية، للمساعدة في إعادة إعمار المباني المدمّرة بفعل التفجير. ثم وضعت حجر الأساس لإعادة إعمار قاعدة بيروت البحرية العسكرية، بتمويل من الحكومة الفيدرالية بقيمة 2.3 مليون يورو.

طريق للاستثمار
تتطلّع فرنسا وألمانيا لتعزيز دورهما في منطقة شرقي البحر المتوسط. وقد افتتحت فرنسا، مطلع العام الجاري، خطوات التعزيز عبر اعتماد شركة الشحن الفرنسية العالمية CMA CGM مرفأ طرابلس كمحطة أساسية لها في شرق المتوسط.

ولا ينفصل هذا المسعى عن محاولة الاستفادة من اكتشافات الغاز والنفط في المنطقة. فلبنان بالنسبة إلى فرنسا هو آخر الأوراق المتبقّية بعد وضوح التقسيم الذي استلمت خلاله روسيا منطقة الساحل السوري، فيما النفوذ الأميركي يُقفل الساحل الاسرائيلي أمام أي اختراق أوروبي. وألمانيا تريد حصّتها الاقتصادية بعد أن باتت لاعباً غير ضعيف على مستوى المنطقة، تحديداً لما تكبّدته من أثمان في المسألة السورية، من بوابة النازحين. ولبنانياً، ألمانيا ليست "غريبة". فهي التي كانت دائماً الأرض المحايدة التي تجري عليها التسويات بين اسرائيل ولبنان، وخصوصاً على مستوى تبادل الأسرى. كما لعبت دوراً مهماً في بلورة الانسحاب الإسرائيلي في العام 2000.

وبما أن مرفأ بيروت هو النقطة الوحيدة التي لا تزال خارج سيطرة أي طرف، تعمل فرنسا وألمانيا على توحيد الجهود واستثمار المرفأ بما يخدم مصالحهما. ويعوّل البلدان على استعادة الثقة الدولية بمرفأ بيروت، من خلال الضمانة الأوروبية التي تعطيها موافقة بنك الاستثمار على تمويل جزء من المشروع.

وبعد ظهر اليوم الجمعة، أعلنت السفارة الألمانية في بيروت، في بيان، أن عدة شركات خاصة وضعت اقتراحاً شاملاً لتطوير مرفأ بيروت والمناطق المحيطة، وسترسل ممثلين لبيروت الأسبوع المقبل لإجراء محادثات.
وشددت على أن هذا ليس اقتراحاً من الحكومة الألمانية لإعادة إعمار مرفأ بيروت.

إمكانية فشل المشروع
لا يمكن لألمانيا وفرنسا تنفيذ مشروع إعادة إعمار المرفأ ومحيطه، من دون التماس إصلاحات حقيقية مِن قِبَل المنظومة الحاكمة. إذ من شأن استمرار الفساد في معدّلاته الحالية وارتفاع معدّلات الانهيار، إحباط الجدوى الاقتصادية من إعادة الإعمار. لذلك يربط الطرفان إعادة الإعمار بإنجاز الإصلاحات التي طلبها صندوق النقد الدولي. والإصلاحات هي شرط أساسي وليست تفصيلاً بسيطاً. فما يقدّمه البلدان ليس مساعدة صغيرة، بل مغامرة سيؤدّي حُسن استغلالها، إلى انتشال البلاد من غرقها سياسياً واقتصادياً.

لكن حتى اللحظة، لا مؤشرات على إجراء الإصلاحات. فمهلة الـ5 أيام التي أخذتها السلطة على عاتقها لكشف ملابسات تفجير المرفأ، امتدّت لنحو 8 أشهر، وتشير معطيات الملف إلى استحالة الوصول لخواتيم واضحة. فضلاً عن المسار السلبي للتدقيق الجنائي. إلى جانب استمرار احتجاز أموال المودعين، واستنفاذ ما تبقّى من أموال لدى مصرف لبنان، ما يعكس عدم الثقة بالقطاع المصرفي والاستثمارات في البلاد، وهذا عامل طرد للمستثمرين، حتى وإن جرى إعمار المرفأ.

أميركا حاضرة
من الناحية السياسية، لا يبدو أن الولايات المتحدة الأميركية على عجلة من أمرها لحل الملف اللبناني. وذلك يترك الاحتمالات مفتوحة أمام استمرار الأزمة وعرقلة تشكيل حكومة فاعلة. وأي استثمار اقتصادي في ظل عدم الاستقرار السياسي، سيتعرّض للخطر.

فشل المشروع الأوروبي ليس مستبعداً، إذ أن أطراف المنظومة تنتظر القرار الأميركي، حتى الخصوم منهم. فترسيم الحدود البحرية مع اسرائيل، ارتضاه وقاده خصوم الأميركيين سياسياً، ما يعني أن الأولوية بالنسبة للأطراف اللبنانية هي الرضى الأميركي، حتى وإن عَرَضَ الأوروبيون مساعدات مغرية. فإعمار المرفأ له دلالات تفوق العاطفة الانسانية التي ترافق المساعدات الغذائية والطبية. فإعمار مرفأ بيروت يعني فتح صفحة سياسية واقتصادية تُكتَب فيها عناوين مرحلة مقبلة لحركة النفط والغاز والبضائع في منطقة جغرافية لا تزال ساخنة.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024