قصة مختلس المصرف في طرابلس.. ومصير الأموال المسروقة

عزة الحاج حسن

الأحد 2020/09/20
ضجّت مواقع إخبارية ووسائل التواصل الاجتماعي في اليومين الأخيرين بخبر اختلاس موظف مصرفي مبلغاً مالياً من فرع المصرف الذي يعمل فيه، وفراره مع عائلته إلى خارج لبنان. استحوذ الخبر على مساحات من النقاش بين رافض لفعل الإختلاس ومطالباً بمعاقبة الفاعل وبين ساخر ومتقبّل لعملية اختلاس من مصرف سبق له أن مارس فعل الإختلاس بحق آلاف المودعين... فما هي حقيقة عملية الاختلاس؟ وكيف تمت؟ وهل خسر أصحاب تلك الحسابات المُختلس منها أموالهم؟

آلية السرقة
بدأت عملية الإختلاس منذ أشهر. لم تتم بشكل مفاجِئ بل كان مخطّطاً لها من قبل نائب مدير فرع أحد كبرى المصارف في طرابلس، يقول مصدر لـ"المدن"، فالمُختلس م. ز. عمد إلى تحرير شيكات من حسابات مودعين قلّما يتم تحريكها. فالحسابات التي لا يتم تحريكها على مدى أشهر من قِبل أصحابها، يسهل على مصرفي لديه نيّه الإختلاس أن يتلاعب بها من دون افتضاح أمره، يوضح المصدر. كما أن م. ز. اعتمد آلية إصدار شيكات بشكل دوري من تلك الحسابات مع تزوير توقيع المودع صاحب الحساب في كل عملية. وهو التوقيع الأول وتوقيعه شخصياً كتوقيع ثان، ثم صرف الشيك لدى أحد الصرّافين كما تجري العادة منذ بداية الأزمة، حين راجت تجارة الشيكات، فيبيع المصرفي الشيك بأقل من قيمته الحقيقة بنحو 60 في المئة ويتقاضى المبلغ بالدولار نقداً. استمر م. ز. على هذه الحال حتى جمع مبلغاً يقارب وفق المصدر، 50 مليون دولار. وخرج مع عائلته الى إحدى الدول الأفريقية.

ويتردّد عن أن المصرفي لم يختلس من حسابات بعيدة عن الشبهات فحسب، بل أن عملية الإختلاس طالت أيضاً حسابات مودعين تربطه معهم صلة قرابة، ويحمل منهم وكالات تخوّله تحريك حساباتهم والتصرّف بها وفق آلية معيّنة. الأمر الذي جعل من مهمة فضح واكتشاف عملية الإختلاس أمراً معقّداً نسبياً، أقله بالنسبة الى المصرف نفسه.

تحقيقات داخلية
وعلمت "المدن" أن الإدارة المركزية للمصرف الكبير الذي حصلت عملية الإختلاس في أحد فروعه، تصرّ على عدم إحالة الملف الى القضاء المختص قبل إتمامها تحقيقاتها الداخلية، وتبيان حجم المبالغ المُختلسة وأصحابها، وما إذا كان لأحد الإداريين أو العاملين في المصرف علاقة بعملية الإختلاس.

ويبقى من المهم التوضيح بأن اختلاس أي أموال من حسابات مصرفية لا يحمّل أصحابها أي مسؤولية. كما وتُحمّل مسؤولية تعويض الأموال المُختلسة لإدارة المصرف، التي عليها ردّ قيمة ما تم اختلاسه إلى حساب الضحية، على أن تعود وتقاضي المُختلس وتسترد أموالها منه.

مُجرم أم "بطل"؟
أثارت عملية اختلاس نائب مدير أحد الفروع المصرفي ضجة واسعة أقله في الأوساط الإعلامية والمصرفية. ومن دون شك أن عمل الإختلاس هو أمر مُدان، لكن ما هو مُستغرب مفاجأة إدارة المصرف وتحقيقها بعملية اختلاس، لم تختلف بأي من عناصرها عما يمارسه المصرف نفسه مع غالبية مودعيه. فالمصرف المعني كما كافة المصارف مارسوا عملية اختلاس تاريخية بحق مئات آلاف من المودعين، وبالطريقة نفسها، مع فارق التسميات. فالمصارف تصرّفت بأموال المودعين بالتواطؤ والتعاون مع السلطات السياسية، الممثلة بالحكومات المتعاقبة، والسلطة النقدية الممثلة بمصرف لبنان. ولعبوا جميعاً دور المُختلس، صرفوا وتصرّفوا بعشرات مليارات الدولارات من دون أن يرف لهم جفن. فلماذا يستغربون اقتداء أحد موظفي المصارف بإداراتها؟ فالمختلس م. ز. سرق مالاً مسروقاً من قبل المصرف. وذلك لا يعفيه من جريمته. لكن من غير المقبول أن يحقق سارق كبير مع سارق صغير، أمام أعين القضاء اللبناني، الذي لم يحرّك ساكناً أمام سرقة العصر.. "سرقة ودائع اللبنانيين".

تجارة الشيكات
لم يكن مستغرباً ضلوع إسم مصرفي في تجارة الشيكات بصرف النظر عما إذا كانت تواقيعها مزورة أم حقيقية. فإدارات المصارف تتغاضى منذ قرابة العام عن ضلوع مدراء فروع لديها وكبار موظفين في تجارة شيكات مع صرّافين وتجار السوق السوداء، حتى وصل الأمر ببعضها أن تشرف على عملية بيع شيك في مكتب أحد مديريها في فرع مصرفي، بعد حصوله على عمولة كما جرت العادة.

أضف الى ضلوع مصرفيين في تجارة الدولارات، والتلاعب بسعر الصرف في السوق السوداء. وهو ما فضحته التحقيقات التي جرت في شهر أيار الفائت، وتم على إثرها توقيف أحد موظفي مصرف فرنسبنك ضمن الموقوفين من قبل النيابة العامة المالية في ملف الصرافين.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024