وصول سفينتي النفط الإيراني إلى بانياس: هذا مسارهما و"اختفاؤهما"

خضر حسان

الأحد 2021/09/12
مذ أعلن الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، عزم إيران إرسال محروقات إلى لبنان، كثرت التساؤلات حول مسار رحلة سفن النفط هذه. وكان الطريق الأكثر ترجيحًا، هو عبور الناقلات بحرًا إلى سوريا ثم نقل المواد النفطية برًا إلى لبنان. في حين بقيَ خيار اتجاه الناقلات مباشرة إلى لبنان وتفريغ حمولتها في مصفاة الزهراني، أمرًا شبه مستحيل، بسبب العقوبات الأميركية المفروضة على إيران.

بعيدًا عن المسارات المحتملة، وصلت الناقلتان الأولى والثانية إلى ميناء بانياس السوري، ليل الجمعة – فجر السبت، بعد رحلة مليئة بالمفاجآت وحافلة بالتخفّي والأخبار المتناقضة. فيما يُنتَظَر وصول الباخرة الثالثة، لتكتمل المجموعة الأولى من السفن، والتي من المفترض أن تتبعها مجموعات أخرى.

أين الناقلة الثالثة؟
برحلة هادئة اجتازت الناقلتان طريقًا مائيًا من إيران إلى سوريا، مرورًا بالبحر الأحمر، وعبورًا بقناة السويس، التي شكّلت البوابة حيث انتظر الجميع الناقلتين لحظة مرورهما.

الناقلة الأولى كانت صاحبة الضوء الأسطع. توجّهت الأنظار إليها حين غادرت المياه الإيرانية وأصبحت هدفًا للرصد عبر الأقمار الاصطناعية، وتولّى موقع تانكر تراكر المتخصص بتتبّع السفن، نشر أخبار مقتضبة عن مسار الناقلة الإيرانية. وحتى نهاية شهر آب وبداية أيلول، كانت الناقلة الأولى تسير نحو قناة السويس، فيما الناقلة الثانية لا تزال داخل المياه الإقليمية الإيرانية، والثالثة تتزوّد بالبنزين ولم تغادر الميناء بعد. وذلك على عكس ما روّجت له بعض وسائل الإعلام، والتي قالت بأن الناقلة الأولى وصلت بانياس وتتحضّر لتفريغ حمولتها.

مع نهاية يوم الأربعاء 8 أيلول، كان ثابتًا أن الباخرة الأولى أطفأت جهاز التعقّب الذي يتيح للأقمار الاصطناعية تتبّعها. ويوم الخميس كان موقع تانكر تراكر قد بدأ تدريجيًا بتخفيض حجم المعلومات التي ينشرها عن الناقلة، مُبعدًا الناقلة الثانية عن دائرة الرصد، فيما تجاهل الناقلة الثالثة تمامًا. وآخر ما ثبت عن الناقلة الأولى، هو توقّع وصولها إلى سوريا خلال يومين، وكانت حينها قد غادرت قناة السويس.

ما أكّدته مصادر أخرى، هو عبور السفينتين لقناة السويس في الوقت نفسه. وهو ما يُترجِم ما كان موقع تانكر تراكر قد أورده سابقًا. إذ تمهلت السفينة الأولى في البحر الأحمر، ريثما تصل الثانية إليها. ليؤكَّدَ بعد يومين من عبور السفينتين للسويس، وصولهما إلى بانياس.. فيما لا أخبار عن الناقلة الثالثة، والتي من المفترض أن تكون حاليًا في طريقها نحو سوريا. فالجدول الزمني لمسيرة الناقلتين الأولى والثانية، يُستخلص منه اقتراب موعد وصول الناقلة الثالثة، التي من المفترض أن لا تكون بعيدة من البحر الأحمر.

التوزيع في لبنان
على غرار الضبابية في وصول الناقلتين إلى سوريا، ستحيط الضبابية كيفية إدخال المحروقات إلى لبنان. ومن المتوقّع أن يعلن نصرالله يوم غدٍ الاثنين، وصول المحروقات إلى سوريا واستعداد الصهاريج لنقلها إلى لبنان. لتختفي الأنباء بعدها وتُترَك الأمور اللوجستية لسائقي الشاحنات وعناصر حزب الله والفرقة الرابعة في الجيش السوري، وستنقسم المهام تبعًا لمسار الشاحنات. فالفرقة الرابعة ستؤمّن الطريق داخل الأراضي السورية، ويتولى الحزب المهمة في لبنان. وأفضل نقطة لإدخال الصهاريج، هي طرق التهريب التي تصل إلى جرود الهرمل، لتوضع بعدها المحروقات في خزانات في منطقة بعلبك، ويصار إلى توزيعها حسب الجداول التي وضعها الحزب مسبقًا، وتعطي الأولوية للمستشفيات والمراكز الطبية ومولدات الكهرباء. ما يعني أن الحمولة قد تختفي عن الرصد وتظهر فجأة في المنشآت والمراكز المفترض إفراغها فيها. وقد عمد الحزب في مختلف المناطق، إلى تسجيل حاجة أصحاب المعامل والبساتين الزراعية، تمهيدًا لإعطائهم حصصًا من المازوت، حسب ما تكفي الكميات.

ويقول أحد المسؤولين عن تسجيل المعلومات، في حديث لـ"المدن"، أن "الكميات التي ستصل لن تكفي الجميع استنادًا إلى حاجاتهم اليومية أو الأسبوعية أو الشهرية، لكننا سنعطي أصحاب المصالح -حسب الأولويات- التي ستتضمّن نوع المنشأة والحالة الاجتماعية لصاحبها وقدرته على تأمين المحروقات أو جزء منها".

ويكشف المسؤول أن "مسحًا ميدانيًا دقيقًا قد أجراه الحزب في كل المناطق. والكثير من أصحاب المصانع والمنشآت والبساتين تجاوبوا مع الحزب وأبدوا رغبتهم في الحصول على المازوت، وهذا ما يشكّل عبئًا كبيرًا على الحزب من ناحية، وارتياحًا معنويًا من ناحية أخرى، لأن الإقدام على التسجيل يعني الثقة بما يمكن للحزب القيام به".

هذه الثقة التي يتحدّث عنها المسؤول، لا تعكس الواقع بدقّة. فالحاجة هنا هي التي تدفع الناس للحصول على المحروقات، وخصوصاً المازوت، لتأمين استمرار أعمالها. والحاجة أيضًا تدفعهم للوقوف في الطوابير، وليس محبّة بأصحاب المحطات. كما أن الجميع يتسابق للحصول على المحروقات، خصوصاً وأن رفع الدعم نهائيًا بات قريبًا، وحاجة لبنان إلى زيت الغاز الذي تحمله الناقلة الأولى، تبلغ نحو 15 مليون ليتر يوميًا، فيما الناقلة تحمل نحو 33 مليون ليتر، أي أنها تكفي لأقل من 3 أيام، فماذا بعد؟ فضلًا عن الحاجة المستمرة للبنزين العالق بين تأمين مصرف لبنان الاعتمادات الدولارية للشركات المستوردة، وبين رفع الأسعار والتهريب والتخزين.
وما هو ثابت حتى اللحظة، ارتفاع حدّة الطوابير ومعدّل التقنين الكهربائي، وتسيير المستشفيات والمعامل والمنشآت، بالحد الأدنى من قدرتها.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024