الجامعة الأميركية تساند الدولار ضد الليرة: إرضاء مجلس الأمناء

خضر حسان

الأحد 2019/08/04
يحتل الانتساب الى الجامعة الأميركية، للتعليم أو التعلّم، حيّزاً كبيراً من أحلام الكثير من طلاب وأساتذة لبنان. فهي جامعة "راقية" وذات مستوى تعليمي ممتاز، وهذا ما يشكّل عامل جذب نحو الجامعة، فضلاً عن كونها تنأى بنفسها عن الاصطفافات الطائفية والمذهبية والسياسية التي تشهدها أغلب جامعات لبنان التي تُبنى في الأصل على أساس حزبي أو طائفي.

لكن الجامعة الأميركية أصبحت مؤخراً تحت المجهر، وباتت عرضة للانتقادات بسبب المخالفات والقرارات المتحيّزة و"النافرة" التي تأخذها، بما يتعارض مع صورتها المألوفة على مدى عقود. وبقيت القرارات "مقبولة" إلى حد ما، أو خاضعة للنقاش، على عكس القرار الذي يحوّل الجامعة الى ما يشبه "الصرّاف" الذي يستفيد من فرق أسعار العملات لتحقيق الأرباح.

تضارب في المعلومات
أثار "النادي العلماني" في الجامعة الأميركية قضية قرار الجامعة الذي "يوقف التعامل بالليرة اللبنانية وحصر جميع المعاملات المالية بالدولار الأميركي. وذلك عبر تحويل جميع فواتير الأقساط والسكن الطلابي والمصاريف الأخرى من الليرة اللبنانية إلى الدولار الأميركي". 

واعتبر القرار أن هذه الخطوة "ترمي بمخاطر مالية كبيرة على أكتاف طلاب الجامعة، خصوصاً في ظل الظروف المالية الحساسة التي تمر بها البلاد". ولفت النادي النظر إلى أن جميع التكاليف التي تدفعها الجامعة، بما فيها الجزء الأساسي من الرواتب، هي بالليرة اللبنانية، وذلك بالإضافة إلى دخل أهالي الطلاب، وهو ما يجعل الطلاب ضحية محتملة لأي تطور في الأزمة المالية القائمة". ودعا إدارة الجامعة "لمناقشة هذا القرار بهدوء مع الجسم الطلابي".



التساؤلات التي خلّفها تسليط الضوء على القضية، لم تحث الجامعة على إعادة النظر بالقرار. لكن ما يثير الغرابة، هو تضارب المعلومات حول القرار بين قطبين إداريين في الجامعة. ففي حين ينفي إبراهيم خوري، وهو مستشار رئيس الجامعة فضلو خوري، علمه بالقرار، في اتصال مع "المدن"، يؤكد المسؤول الإعلامي للجامعة سيمون كشار أن "هذا القرار يعود إلى شهر حزيران الماضي". ويشير في حديث لـ"المدن"، إلى أن "القرار لا يعني عدم قبول الدفع بالليرة اللبنانية، وإنما الجامعة أعلنت أن تسعيراتها ستكون بالدولار، نظراً لانضمامها إلى تطبيق مشترك بين مؤسسات أميركية ودولية، لكن بإمكان الطلاب الدفع بالليرة"، موضحاً أن الإعلان منشور على الصفحة الرسمية للجامعة.
وبالعودة الى نص القرار، ليس هناك ما يشير إلى امتناع الجامعة عن قبول الليرة اللبنانية، بل ينص على إمكانية الدفع بأي عملة. كما أن تبرير القرار إنطلاقاً من الانتساب الى التطبيق المشترك، ظاهر بوضوح.

لعبة الربح بسعر الصرف
ما يستدعي الانتباه في النص الذي يشرح سبب اللجوء الى الدولار، هو عبارة صغيرة تعكس الكثير من المعاني. وتقول العبارة أن الدفع مقبول في أي من العملات "بسعر الصرف في السوق". ولا جدال في أن سعر الصرف في السوق عبارة عن بورصة تصعد وتهبط، وتتراكم عبرها الأرباح في يد من يمتهنون الصرافة والاستفادة من فارق الأسعار بين العملات.

الربح من تصريف العملات مفهوم في شرع الصرّافين، لكنه غير مفهوم في جامعة أميركية من الصف الأول، وعلى مستوى عالمي. وبعيداً عن الناحية الأخلاقية أو المثالية للموضوع، هناك جانب اقتصادي ينعكس على الجامعة وعلى الشارع اللبناني، وهنا جوهر القضية.

على صعيد الجامعة، تكشف مصادر من أساتذة الجامعة لـ"المدن"، أن القرار يهدف لـ"زيادة الأرباح المالية للجامعة، وحماية ماليتها في حال حصول أي طارىء مالي في البلاد، فالدولار أكثر أماناً للجامعة.. وهذا كله بهدف استمالة مجلس الأمناء". وتشرح المصادر أن دفع الطلاب بالليرة اللبنانية (وبفعل الركون إلى سعر صرف السوق)، سيعني دفع الطلاب لفارق السعر بين الليرة والدولار، "وهي 10 ليرات عن كل دولار، أي نحو 250 ألف ليرة عن كل تلميذ. وبإحتساب الربح على نحو 6000 تلميذ، تربح الجامعة نحو مليار ونصف ليرة، أي ما يعادل مليون دولار".

وتضيف المصادر أن العملية تنطوي على جملة من الإجراءات الإضافية، منها "إلغاء الساعات الإضافية للموظفين الصغار، كحراس الجامعة. كما أن الإدارة تقفل بعض البوابات بهدف التوفير. وهذا ينعكس على الطلاب والأساتذة والموظفين".
أما في حال أراد أحدهم استبعاد فكرة الأرباح، فإن لجوء الجامعة لدفع رواتب الأساتذة والموظفين بالليرة، يعيد التفكير بنيّة مراكمة الأرباح. فلو أن الانضمام إلى ما يسمى "التطبيق المشترك"، يشترط على الجامعة استعمال الدولار، فعليها استعماله في الدفع وليس فقط في القبض.

إنعكاس سلبي
الأوضاع الاقتصادية التي يمر بها لبنان ليست بأحسن أحوالها. والدول والمؤسسات المالية العالمية تنظر إلى كل التفاصيل الاقتصادية والمالية لكي تقيّم نظرتها للبنان، وهذا ما يستدعي تغييب أي حديث أو إجراء يوحي بعدم الثقة بالاقتصاد أو بمالية الدولة، وهو على عكس ما تنتهجه الجامعة الأميركية بقرارها، لأن حصر الدفع بالدولار أو بما يعادله في مستوى السعر، يعني بأن الجامعة ذات الحيثية الأميركية – الدولية، لا تثق بالعملة المحلية، وهذا مؤشر سلبي.

المؤشر السلبي يضعه الخبير الإقتصادي غازي وزني في خانة "الإجراء الداخلي للجامعة. لكنه قرار غير صحّي، لأن الشائعات تحيط بالاقتصاد منذ بداية العام الحالي". ويشير وزني في حديث لـ"المدن" إلى أن "العملة اللبنانية مستقرة واحتياط لبنان بالعملات الأجنبية يفوق المليار ونصف المليار، كما أن وكالة فيتش تقيّم الوضعين المالي والنقدي بالمستقر".

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024