الصندوق الأسود لمستشفى الحريري الحكومي: لكل وظيفة موظفان

عزة الحاج حسن

الخميس 2017/05/18
قطعت مستشفى رفيق الحريري الحكومي الجامعي منذ سنتين اشواطاً في مسيرة الاصلاح الذي تجلى في خفض حجم العجز من مليار ونصف المليار ليرة شهرياً إلى أقل من 700 مليون ليرة شهرياً. ولكن، ثمة ما يتحكم في مفاصل التعيينات والترفيعات الوظيفية في المستشفى من الحزبيين وممثلي الطوائف، سواء أكان من داخل الصرح الجامعي أم من خارجه، حتى تكاد تسري سياسة المحاصصة الطائفية على وظائف الحرس والتنظيفات.

ورغم أن الاعتبارات الطائفية لا تسري سوى على وظائف الفئة الأولى، إلا أنها في مستشفى الحريري الحكومي تسري على الوظائف كلها التي تشغر، ولا ينتهي الأمر بتجاذب أعضاء مجلس الإدارة "المسيّسين" على تعيين موظفين من طوائف محددة، إنما يؤدي أحياناً إلى تعيين مستشارين ومساعدين ليس لهم أي أساس قانوني في المراسيم المرعية، وبرواتب يعادل بعضها رواتب الوظائف المعنية بالمساعدة أو الإستشارة. وذلك، في سبيل ارضاء الطوائف والأحزاب المتحكّمة بمؤسسات الدولة ومنها مستشفى الحريري الحكومي.

وفي ما يلي بعض الحالات التي يؤكدها عاملون وإداريون في المستشفى في حين تبرر الإدارة أسبابها بـ"ضرورة تأمين سير عمل المستشفى دون التصادم مع الأحزاب والمتحزبين".

في الحالة الأولى وبعد بلوغ رئيس دائرة المختبر السابق (ج.ح.) سن التقاعد تم ترفيع طبيب مختبر جديد (ر.ف.). ومع اصرار أحد اعضاء مجلس الادارة المحسوب على حركة أمل تم الإبقاء على (ج.ح.) في المستشفى والتعاقد معه كطبيب.

أما في حالة تقاعد رئيس مصلحة الشؤون الطبية، فتم تعيين بديل منه (ا. ع.) من الطائفة السنية من البقاع. ما دفع إلى وقوع خلاف بين ابناء الطائفة ذاتها داخل مجلس الإدارة وخارجه، على اعتبار أن الاسم المرشح للإدارة الطبية هو سني من البقاع، في حين أن هذه الوظيفة بنظر البعض هي لأبناء بيروت. وكان الحل بتعيين الطبيب البقاعي رئيساً للمصلحة الطبية والطبيب البيروتي مساعداً له وبنفس الراتب.

وعندما تقاعد رئيس مصلحة المشتريات (مسيحي) منذ أعوام، اعلنت الإدارة السابقة للمستشفى من طريق مجلس الخدمة المدنية اجراء مباريات لملء الوظيفة، فأتى رئيسها سنياً بعد نجاحه في المباراة. ما دفع اعضاء مجلس الإدارة المسيحيين إلى الإعتكاف عن حضور الاجتماعات لأشهر، باعتبار الوظيفة محسوبة للمسيحيين. ما اضطر المدير العام السابق إلى الطلب من "الناجح السني" تقديم استقالته على أن يتم التعاقد معه كمستشار بالراتب نفسه وبساعات عمل اقل. واللافت أن تلك الوظيفة مازالت شاغرة حتى اليوم (خلال الإدارة الجديدة). بالتالي، سيضطر المستشفى عند إشغاله إلى دفع راتب إضافي للموظف الجديد (المسيحي)، إلى جانب الموظف المستقيل.

تلك الازدواجية براتب الوظيفة نجدها عندما طُلب من رئيس مصلحة التمريض سابقاً (م.ط.) أن يستقيل، ثم جرت التسوية على أن يُعين بوظيفة أدنى على أن يتقاضى راتب وظيفة رئيس مصلحة التمريض التي تم تعيين رئيس جديد فيها لاعتبارات طائفية. ما يعني أن راتب الوظيفة سيدفع مرتين.

ومن الامثلة أيضاً، ترفيع مراقب عقد النفقات إلى وظيفة رئيس قسم الصرفيات التي لم تكن شاغرة، فاضطرت الإدارة إلى ايجاد صيغة غير واضحة للموظف الأول (و.د.) واصدرت قراراً بتتبيعه إلى رئيس مصلحة الشؤون المالية والإدارية التابع لها أصلا، بالراتب نفسه أيضاً. وبذلك يكون راتب رئاسة قسم الصرفيات يُدفع للموظف الجديد الذي رُفع وإلى الموظف القديم الذي تبع إلى المصلحة المالية.

كذلك، قامت الإدارة أخيراً بالتعاقد مع موظفين اثنين للاشراف على عمل كل من رئيسة دائرة الموارد البشرية بالراتب نفسه ورئيس دائرة الهندسة والصيانة بالاختصاص والراتب نفسيهما.

وبصرف النظر إذا كانت قيمة الراتب متساوية بين راتب الوظيفة الأساسية ومساعدها، ولكن المؤكد أن تلك الوظائف المتعاقد عليها ليس لها أي أساس قانوني.

ناهيك بالترفيعات والتعيينات التي قامت بها الإدارة أخيراً من دون اللجوء إلى مجلس الخدمة المدنية، البعض منها قد يكون محقاً، ولكن مما لا شك فيه أنه يفوت فرصة على آخرين قد تتوافر فيهم الجدارة اللازمة والشروط المطلوبة وسنوات الخبرة، والبعض الآخر لا يمكن النظر إليها إلا على أنها غير عادلة، خصوصاً عندما يتم ترفيع أشخاص راسبين في امتحانات سابقة اجراها مجلس الخدمة المدنية.

فأحد العاملين في المستشفى (ا. ج.) وهو راسب في مجلس الخدمة المدنية كمحاسب، تم ترفيعه إلى منصب رئيس قسم المحاسبة العامة، كذلك (ك.ل.) تم ترفيعه إلى منصب رئيس قسم التخطيط والموازنة، رغم رسوبه في مجلس الخدمة المدنية.

وعندما تضيق الوظائف والمناصب على الطوائف تعمد إلى تعيينهم مستشارين. فنجد في مستشفى الحريري الجامعي مستشاراً من كل طائفة وحزب. 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024