شركات الطيران تلغي حجوزاتها والمغتربون يدفعون الثمن

خضر حسان

الأربعاء 2020/06/24
لم تكتفِ السلطة السياسية بحجم المهزلة، التي اضطرّ المغتربون اللبنانيون إلى تحمّلها خلال رحلة عودتهم إلى لبنان، على متن خطوط شركة طيران الشرق الأوسط (الميدل إيست). فناهيك عن عدم الالتزام بشروط التباعد الاجتماعي على متن أغلب الرحلات، تعرّض المغتربون للخداع في ما يتعلّق بأسعار بطاقات السفر. إذ اضطرّوا إلى دفع ثمن مضاعف للتذكرة الواحدة، بعد حصر الرحلات بالشركة اللبنانية، تحت حجّة ضمان السلامة العامة. علماً أن الميدل إيست كانت قد تطوّعت لإحضار المغتربين مجاناً، وتراجعت، عن قرارها بعد الكمّ الكبير من طلبات العودة التي سجّلتها السفارات والقنصليات اللبنانية حول العالم.

إلغاء الرحلات
كاد اللبنانيون ينسون هذه المهزلة. لكن سلطتهم السياسية تأبى دائماً إلاّ أن تذكّرهم بأنها وُجِدَت لتعكّر مزاجهم وتزيد من همومهم، عبر قراراتها غير المنطقية، والمدروسة بعناية لمصلحة بعض المستفيدين. 

فقرار إعادة فتح مطار بيروت، مطلع شهر تموز المقبل، ترافق مع جملة من الشروط الصحية المطلوبة، لتفادي زيادة عدد الإصابات بفيروس كورونا، ومنها ضرورة إجراء فحوصات الـPCR مرّتين. إحداهما تتحمّل كلفتها شركات الطيران التي تقلّ المسافرين إلى لبنان. على أنّ كلفة الفحص الملقى على عاتق الشركة، تبلغ 100 دولار أميركي.
إلى هنا، قد يبدو الأمر عادياً، لكن ما لم يكن متوقَّعاً، هو إقدام بعض شركات الطيران على الاتصال بزبائنها وإعلامهم بإلغاء الرحلات إلى لبنان. وهو ما عبّر عنه عدد من المغتربين، بينهم لبنانيون في ألمانيا، كانوا قد حجزوا تذاكر سفر على متن طائرات شركة لوفتهانزا الألمانية، ليُفاجأوا بعد الحجز برسالة عبر البريد الالكتروني، تخبرهم بأن الرحلات ألغيت.

الاستفسار عن سبب الالغاء أدّى إلى إجابة تفيد بأن القرار صادر عن مطار بيروت. هذه الإجابة قادت إلى الاستنتاج بأن قراراً غير مباشر قد صدر بحصر اجراء الرحلات بشركة الميدل إيست، استكمالاً لمشهد الرحلات السابقة التي انحصرت بالشركة عينها.
هذا التوجّه دفع عدداً من المغتربين إلى إطلاق حملة تهدف إلى مقاطعة شركة الميدل إيست، حتى وإن أدّى ذلك إلى عدم العودة إلى لبنان. ففي المقاطعة موقفٌ رافض لاستهتار الطبقة السياسية بشعبها. فضلاً عن أن المقاطعة هي خطوة توازي النزول إلى الشارع في لبنان للاعتراض على الطبقة السياسية.

أكلاف إضافية
لم يصدر عن شركات الطيران الأجنبية أي تأكيد أو نفي لما يبلغ عنه عدد من المغتربين. والرد الرسمي الوحيد الذي حصلت عليه "المدن"، جاء عبر المدير العام لشركة الميدل إيست، محمد الحوت، الذي أكّد عدم معرفته بهكذا قرارات اتّخذتها الشركات. مشيراً إلى عدم حصر الرحلات بالميدل إيست، بل إن المطار مفتوح أمام كل شركات الطيران. أما عن الأسعار المرتفعة، فأحال الحوت السبب إلى أن الرحلات تجارية، وهناك تفاوت في عدد الركاب على متن كل رحلة، وقد تضطر بعض الطائرات إلى العودة فارغة.

أما المسؤول الإعلامي في مطار بيروت، درويش عمّار، فقد أكّد لـ"المدن" عدم ورود أي بلاغ رسمي للمطار يتعلّق بالغاء الرحلات. مشيراً إلى أنه بالتوازي مع فتح المطار وبدء استقبال الرحلات، سيكون بالإمكان التأكد ممّا يرد من معلومات، وسيكون بالإمكان التواصل مع شركات الطيران الأجنبية للوقوف على حقيقة الأمر.

لا شيء رسميّاً حتى اللحظة، في ما يتعلّق بالغاء الرحلات أو حصرها بشركة الميل إيست. لكن كل شيء قابل للتنفيذ من وجهة نظر الطبقة السياسية اللبنانية. فهي كبّدت مواطنيها أكلافاً إضافية بدل تسهيل عودتهم. ولو كانت تتوخى مصلحتهم، لكانت على الأقل فتحت أجواءها ومطارها لكل الشركات الراغبة بنقل المغتربين، وتركت لهم خيار تحديد عدد الرحلات وكلفتها. لكنها بحصرها الرحلات بالميدل إيست، ألغَت عنصر المنافسة الذي يؤثّر حكماً على السعر. وهذا التوجّه ليس بعيداً اليوم. فبوادره باتت تلوح في الأفق، ما يكبّد الراغبين بالعودة أكلافاً اضافية، ويحقق أرباحاً خيالية للميدل ايست.

وتشكّل كلفة فحص الـPCR التي حمّلتها الدولة اللبنانية لشركات الطيران الأجنبية، دافعاً لرفع تلك الشركات ثمن تذاكرها، وبالتالي زاد الضغط على المغتربين من جهة، ومن جهة أخرى تقلّص هامش المنافسة مع الميدل إيست، ما يرجّح كفّة إلغاء الشركات الأجنبية لرحلاتها، فلا يبقى في الميدان سوى الميدل إيست. وبذلك، تكون السلطة السياسية قد لزَّمَت الشركة اللبنانية صفقة إعادة المغتربين، بصورة منمّقة وغير مباشرة.

أسبوعٌ واحدٌ يفصل البلاد ومغتربيها عن موعد الحدث المنتَظَر. وكلّما اقترب الموعد، تكشّفت بعض الخيوط. وسواء كان إلغاء الرحلات قراراً أجنبياً خالصاً، أو مدفوعاً برياح لبنانية، فإن الدولة اللبنانية تتحمل المسؤولية نتيجة عدم دراستها خطواتها بصورة صحيحة. فكل ما في هذه الدولة يسير بشكل عشوائي ظاهرياً، وفي باطنه تنظيم دقيق، يبتغي مصلحة تحالف السلطة والمال، على حساب الاقتصاد والناس.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024